أردوغان… ورصاصةُ الموت المقبلة
فهد المهدي
وصول اردوغان إلى سدة الحكم في تركيا ليس مفاجئاً للكثيرين، ولو وجد موقعاً أعلى من الرئاسة لسعى للوصول إليه، ليس بحنكته السياسية ودهائه كما يصفه البعض، أو بسبب ديمقراطيته كما يدّعي في كلّ خطاب يلقيه، بل لأنّ هذا الرجل أصبح أحد أهمّ مفاتيح اللعبة التي يستخدمها الغرب والصهاينة في الشرق الأوسط.
فالتفكير «الأردغواني» الذي يتصرّف من منطلق الشعور بالعظمة والأنانية والحفاظ على المكاسب بالرغم من الواقع المزري الذي أحاط نفسه به، أسّس فكراً وايديولوجية خاصة بهذا النمط من التفكير الانطوائي المتعصّب، ومن أجل تعزيز ذلك، تمّ العمل وبشكل حثيث على تلميع صورة هذا الرجل الحرباء بما يخدم أهداف هذا النمط من التفكير لمصالح مشبوهة تجلّت في سياساته المتطرّفة والتخريبية للوطن العربي.
أردوغان الفاقد قدرة الصمود بثوابت الهوية والانتماء، المضطرب في تحديد جبهة الحلفاء والأعداء، المتاجر بعواطف الأتراك والعرب على حساب القضايا المصيرية، التي وجدت فيه الإدارة الأمريكية والصهيونية خنجراً في ظهر هذه الأمة لهدم رسالتها، يتسلّم الجائزة لرئاسة تركيا على حساب نظرية الإسلام السياسي والشعارات المنادية بالديمقراطية، وتمثيل مسرحيات إعلامية لكسب ثقة شعوب المنطقة المعادية لأمريكا و»إسرائيل» والذين يعتبرون أنّ من يعادي هؤلاء فهو بطل ومقاوم ولا يدركون الحقيقة إلا بعد أن يقع الفأس في الرأس، يكشف مدى «التناقض» الديمقراطي/الدكتاتوري للرجل، إذ يسعى إلى تصوير تركيا أنها واحة للديمقراطية وسط ديكتاتوريات متطرفة، وغالباً ما يفسّر تطرّفه وجرائمه التي ارتكبها في حق جيرانه في سياق هذه «التوليفة».
أردوغان المختلف في أصوله بين اليهودية والجورجية، والذي أصبح رئيساً لبلدية اسطنبول سنة 1996، إذ قدّم بياناً ماليا أظهر أنّ ثروته الشخصية تقدر بـ 5110 ليرات تركية، ثم أظهرته مجلة «فوربس» كثامن أغنى سياسي في العالم بثروة ضخمة تصل إلى المليارات، وبعد أن كان والده يعمل بحاراً أجيراً في مراكب نقل الركاب، أصبح اليوم يملك أسطولاً من سفن النقل، يحلم بعودة الخلافة العثمانية وتتويجه خليفة المسلمين العثماني، فسياسته المذهبية التي اتبعها، سواء في الداخل أو تجاه دول المنطقة وشعوبها، وقسّمت المجتمع التركي في الداخل من جهة، وعمّقت من الصراع السني الشيعي في المنطقة من العراق إلى لبنان مروراً بسورية من جهة ثانية، فأزمة مصر وسورية والعراق كشفت حقيقتة وعلاقته بجماعات وحركات تكفيرية، وأظهرت طموحاته العثمانية تجاه المنطقة العربية ومحاولته لاستعادة منطق الهيمنة والسيطرة وفقاً للظروف الجديدة، فأصبح الذراع الأطول للمشروع الصهيوني باعتباره تابعاً أكثر وفاءً له في المنطقة.
السنوات السبع المقبلة التي لا نتوقع أن يستمرّ فيها اردوغان في الحكم لتركيا، لأنه سيواجَه خلالها بمعارضة خطيرة، فتركيا أصبحت منقسمة بشكل متزايد إلى جماعات سياسية مختلفة تماماً، وحكم أردوغان سيسهم في المدى القريب في تعزيز هذا الاستقطاب داخل المجتمع وشيطنته، أضف إلى ذلك سياساته المباشرة وغير المباشرة في تهميش الأقليات التي لا يمكن تجاهلها ببساطة، وإشعارها بأنها ليست جزءاً من المجتمع السياسي الأكبر، قد يسبّب هيجاناً لا يمكن إخماده.
اردوغان الذي حقق رقماً قياسياً في حجم التصدّعات السياسية والأخلاقية وفضائح الفساد، والتورّط بأعمال قذرة ضدّ الشعب العربي في تونس وليبيا وسورية واليمن والعراق في تصدير السلاح ودعم التكفيريين وجعل تركيا ملاذاً للإرهابيين من كلّ حدب وصوب، يعيشون ويحصلون على المال والسلاح، ثم يعبرون إلى البلدان العربية لقتل المدنيّين من كلّ الأديان…
وصوله للرئاسة خطأ تاريخي لا يُغتفر، سيدفع ضريبته الشعب التركي من خلال عناوين تتجلّى في العزلة والفتور والصدام، فدخول تركيا الواثقة من وضعها الداخلي وتقدمها الاقتصادي مرحلة جديدة بفوز أردوغان لتصبح دولة الرجل الواحد، يجعلها اليوم على المحك، فاستمرار اردوغان في سياسته المتطرفة والعقيمة، سينعكس سلباً على تركيا أمناً واقتصاداً، فضلاً عن أنّ سياسته هذه ستعمّق الهوة في العلاقات التركية مع جيرانها، خاصة مع إيران وروسيا والعراق، وستخرج خلافاته غير المعلنة مع الغرب إلى العلن، مع فشل دوره في المخطط الإخواني الذي كان يؤمّل عليه الكثير، وتسبّب في أزمة حقيقية بينه وبين دول الخليج على خلفية اختلاف الموقف مما جرى في مصر والموقف العام من مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة.
مواصلة اردوغان في الكذب والمراوغة وتبجّحه الدائم بالديمقراطية كوسيلة دفاعية وحيدة في مواجهة الأساليب الاستبدادية التي ينتهجها لإحياء نفس الأساليب والاستراتيجيات التي كان يتميّز بها حكم أسلافه، فهو يؤدي دوره الاستعماري بجدارة تحت إشراف وتخطيط أمريكي صهيوني، لزعزعة استقرار البلدان العربية وكبح جماح شعوبها، وإفشال نهضتها، وإيجاد المشاريع القذرة لإضعافها، ليُبقي الضَرع العربي تحت سيطرتهم وبمتناول أيديهم.
الفرح والسرور الذي يبديه الضالّون بفوز أردوغان، كونه في نظرهم صفعة لخصومه في الداخل والخارج، فيه من الضجيج والمبالغة أكثر مما فيه من الحقائق الماثلة على الأرض، إذ تشير الكثير من المعطيات أنّ «العظمة» التي يلهثون خلفها ستتلاشى وتختفي في القريب العاجل، وأنّ أردوغان أطلق على نفسه رصاصة الموت، فغروره الطاووسي المتزايد الذي أوجد اضطراباً سياسياً داخلياً وخارجياً يتنامى يوماً فآخر، ومخاوف جدية من امتداد التوتر في دول الجوار، وخاصة في العراق وسورية، إلى داخل تركيا، سيكون هو البارز الأشدّ خطراً على تركيا في المستقبل القريب.
رغم أن بعض المتابعين للشأن التركي يرون أنّ رئيس تركيا الجديد يحتفظ بشعرة معاوية، وأن لُغة المصالِح تقتضي أن تظلّ تركيا منفتِحة، وهو ما قد يكبَح لغته الخِطابية التطفلية على جيرانه في المنطقة.
نقول: إنّ دماءنا التي سفكها السفاح العثماني الحالم، والحكومات الخليجية المتصهينة، في ليبيا وسورية والعراق واليمن ومصر تحت عناوين هزلية في محاولة لبناء أمجاد كاذبة على حساب جماجمنا، سيكون لها ارتدادها المدوّي، وأنّ بضاعتهم ستردّ إليهم، وعلى شعوبهم تحمّل تبعات جسيمة إنْ لم يستيقظوا من نومهم، فرصاصة الموت القادمة لن ترحم أحداً.