السعودي يصعّد في لبنان وحزب الله يردّ في حلب!
هشام الهبيشان
إنّ المتابع لحالة التخبّط السعودي في المنطقة، وحالة التصعيد المفتعل مع حزب الله، لا يمكن أن ينكر حقيقة أنّ حزب الله ساهم وبدورهامّ، بإسقاط معظم أهداف مشروع كبير كان يستهدف سورية والمنطقة بمجموعها، والسعودية كانت من الرعاة الرئيسيّين لهذا المشروع، وخصوصاً بعد الكمّ الهائل من الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري في حلب، بدعم من المقاومة، ابتداء من المعارك الدائرة اليوم لتحرير ريف حلب الشرقي إلى معارك تحرير الحدود السورية التركية في ريف حلب الشمالي، وهنا من الطبيعي أن تنشأ حالة من الهستيريا والجنون لدى الكثير من قوى التيار الآخر المعادي للدولة السورية ولقوى المقاومة في المنطقة، فقد قرّروا بعد الانتكاسات المتلاحقة التي لحقت بهم في حلب والهزائم في الميدان العسكري وجملة انتصارات الدولة السورية في الميدان العسكري والسياسي، في لحظة يأس أنّ يصبّوا جامّ غضبهم على حزب الله، وبذلك وجد الحزب نفسه من جديد ضمن معادلة مركبة الأهداف والعناوين، فهو اليوم مستهدف داخلياً وخارجياً.
اليوم من الواضح أنّ هناك بعض القوى اللبنانية تتماهى مواقفها مع مواقف السعودية و»إسرائيل» سعياً لوضع حزب الله بين فكي كماشة داخلياً وخارجياً، وبدعم من بعض القوى الدولية، كأداة ضغط على حزب الله وقوى المقاومة لجلبها إلى ميزان التسويات في المنطقة، فمن الطبيعي الآن أن نجد حزب الله يتعرّض إلى هجمة سياسية وإعلامية شرسة، وما يتبعها من التحريض عليه شعبياً في شكل غير مسبوق، من قوى 14 آذار وخصوصاً تيار المستقبل، واتهامه بأنّه يريد جرّ لبنان إلى دائرة النار الإقليمية، محمّلين إياه مسؤولية ما يجري وسيجري نتيجة وتأثيرات وقف الدعم والهبة السعودية للبنان.
يعرف حزب الله، بدوره، مسار هذه المؤامرة الكبرى التي تستهدفه داخلياً وإقليمياً ودولياً، فالحزب يعي اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى أنّ لبنان أصبح ساحة مفتوحة لكلّ الاحتمالات من اغتيالات وتفجيرات وانتشار للجماعات الإرهابية، فالمناخ العام للقوى المعادية له بدأ يشير بوضوح إلى أنّ حزب الله بات هدفاً لهذه القوى، ولكن كلّ هذا وذاك لا يعني بالمطلق أنّ حزب الله سيتأثر بحالة التصعيد هذه، فالحزب له تجارب عديدة للتعامل مع مثل هكذا تصعيد مفتعل، فالحزب تجاوز في حالات سابقة ملفات أكثر صعوبة واستطاع بحكمته وصبره الاستراتيجي تجيير هذه الملفات لصالحه.
مما لا شكّ فيه أنّ حزب الله كان يدرك حجم الحرب التي سوف تنهال عليه من كلّ حدب وصوب عندما اتخذ قراره بالتصدّي لأجندة المشروع الصهيو أميركي وأدواته في المنطقة، فالقرار الأخير بتصنيف حزب الله كمنظمة «إرهابية»، هو لن يكون القرار الأول ولا الأخير الذي يستهدف الحزب لا داخلياً ولا خارجياً، فللحزب حساباته السياسية والجغرافية والأمنية والأخلاقية التي يؤمن بها ويراها أكبر من كلّ الانتقادات التي وجهت إليه أو الحروب على تعدّد أشكالها التي تستهدفه، لأنّ الحزب استشعر، كغيره، حجم الخطورة التي ستفرزها الأيام المقبلة على كلّ المنطقة، في حال نجح المشروع الصهيو أميركي بتنفيذ أجندته في المنطقة.
اليوم وتزامناً مع قرار مجلس التعاون الخليجي، بات واضحاً ومن دون أدنى شك أنّ هناك قوى داخلية في لبنان وخارجه تسعى إلى ضرب حزب الله، بمساعدة إقليمية ـ دولية، في محاولة للوصول إلى قرار إقليمي ـ دولي يسعى إلى ضرب منظومة الحزب واستغلال الوضع اللبناني الداخلي وما يحمله من أزمات متراكمة وملفات معقدة، وفي الوقت نفسه سهلة الحلّ، إنْ وجد قرار وطني لبناني حرّ، ولكن لكثرة وتعدّد المرجعيات الإقليمية والدولية نرى اليوم هذه الملفات تتحوّل تدريجياً إلى أزمات قد تعصف بالدولة اللبنانية في أيّ وقت، وفي الاتجاه نفسه تدّعي هذه القوى الداخلية اللبنانية والخارجية إقليمياً ودولياً أنّ مشاركة الحزب في معارك سورية مؤخراً ومواقفه السياسية بمجمل قضايا المنطقة هي سبب عدم استقرار الوضع الداخلي اللبناني، ولهذا يسعى البعض اليوم لإلصاق قضية وقف الهبة السعودية للبنان بحزب الله.
ختاماً، لا يمكن إنكار أنّ قرار تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية ستكون له تداعيات على عموم ملفات المنطقة بمجموعها وخصوصاً على ملفات الداخل اللبناني. وفي المحصلة، يمكن القول إنّ المرحلة صعبة ومعقدة وخصوصاً في ظلّ حالة التخبّط التي تعيشها السياسة السعودية في المنطقة، وما وراء الكواليس هناك تكهّنات بل يمكن القول إنها تأكيدات حول تطورات دراماتيكية سيعيشها لبنان والمنطقة بمجموعها، كجزء من حالة الاستقطاب في المنطقة والتي ستتأثر إلى حدّ ما بمسار حسم معارك سورية واليمن والعراق.