سؤال لجعجع: القاع المسيحية وأخواتها «لوازم لوجستية»؟
روزانا رمّال
بدت خطوة توجّه القوات اللبنانية نحو زعيم التيار الوطني الحرّ العماد ميشال عون للمصالحة واحدة من أبرز ما يمكن للمسيحيين أن يعتمدوا عليه في المرحلة المقبلة في موقف شكّل بالنسبة إليهم حلماً أدخل العلاقة بين الأحزاب المسيحية التاريخ الأبيض، بعدما توشحت بالسواد الذي رافق الحرب الأهلية وقدّم ما يكفي من نماذج الفرقة الطويلة الأمد بكلّ مفاعيلها…
بطريقة أو بأخرى تصالَحَ أو تعاونَ جعجع بهذا الفعل مع حليف حزب الله الاستراتيجي الذي يصطفّ معه بخصوص سورية والقتال فيها حتى آخر نفس، وهو التيار الوطني الحر الذي يؤكد ضرورة العمليات الاستباقية التي قام بها حزب الله منذ أن دخل الحرب السورية، وما كان لها من تداعيات لجهة حماية المسيحيين في المنطقة بشكل لا يمكن المرور عنه مروراً عادياً.
يحمل العماد عون منطلقاً مسيحياً شاملاً بخياراته الأساسية في المنطقة، وهو الذي يتحالف اليوم مع حزب الله ويدرك تماماً أنه يتحالف في الوقت نفسه مع فصيل إقليمي نافذ يوسع دائرة الاشتباه والاشتباك الدولي معه ومع تياره ويضعه بمواقف محرجة ومتعبة قد تكلفه أكثر مما يتوقع بينها رئاسة الجمهورية، ولا تزال الاشتباكات بين وزير الخارجية جبران باسيل والأفرقاء الخليجيين في اجتماع وزراء الخارجية العرب حاضرة لجهة اعتراضه على تصنيف الحزب إرهابياً وخروجه عن الرغبة الخليجية والسعودية تحديداً، وما تبع ذلك من أجواء محلية تحدثت عن اعتبار هذه اللحظة، لحظة مقتل الأمل بوصول عون للرئاسة أو رفع الفيتو حينها قبل ان تعاود المملكة وصل القنوات مع تياره ولكن.. وبالرغم من كلّ هذا لم يظهر عون أيّ استعداد للتراجع ولا حتى ايّ استعداد لإعادة مراجعة العلاقة مع حزب الله والتفاهم الموقع بين سيئات وحسنات من اساسه. وهو حق بديهي وسياسي لكلّ الاحزاب، إنما تقدّم أكثر ودعم أكثر موقف قتال الحزب للإرهاب مقتنعاً اقتناعاً كاملاً أن هذا يصدّ عن لبنان الخطر أولاً وعن المسيحيين الخطر الأكبر ثانياً.
لا تزال صور مقاتلي حزب الله العائدين من إنجازاتهم في سورية أو الذين لا يزالون فيها وهم يحملون صور القديس شربل والسيدة العذراء وآخرها صور شهيد حزب الله علي الهادي الفتى صاحب الـ17 ربيعاً حاضرة بقوة بعيون اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين الذين يجدون في هذا موقفاً وحدوياً وروحياً جامعاً يخاطب صميم الإنسانية التي تفتقدها الدول المنكوبة اليوم أمام داعش ولا تزال أيضاَ صور ومشاهد أخرى من يوميات الحرب السورية والعراقية حاضرة بنفوس المسيحيين في المنطقة بين التنكيل في معلولا وتهديم الكنائس واعتقال الراهبات والمطارنة أمثال بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم اللذين اختطفهما تنظيم داعش منذ أكثر من ثلاث سنوات في مشهد يجعل من المسيحيين في سورية والعراق هدفاَ أساسياَ ومباشراَ من حرب التكفير على المنطقة فما الذي يجعلهم بمأمن في لبنان؟ ما الذي يجعل مسيحيي لبنان مختلفين عن مسيحيي المنطقة؟ لا بل كيف يكون مسيحيّو لبنان بمنأى عن الأحداث الجارية وجزء منهم يتحالف مع اكبر فصيل مقاوم كخيار وطني واستراتيجي مع استعداد كامل لدفع ضريبة كل هذا التحالف عندهم؟
في الواقع يوضع كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بتأكيده أنّ «القاع لم تكن مستهدفة وتفصيله للحادثة بشرح يؤكد أنه كان يوجد فيها انتحاريون يختبئون بانتظار أحد أو سيارة تُقلهم الى مكان آخر»، بإطار معرفة واطمئنان عند جعجع – حتى إشعار آخر كما قال – اراد مشاركته اللبنانيون فيه بأول لحظات التفجير المربكة كقائد مسيحي، مشيراً إلى أن هذه هي القاع البطلة التي نعرفها منذ عشرات السنوات حتى اليوم وأنها فدت لبنان كله…
مستبقاً أي تحقيق يحاول جعجع تصحيح «شيء ما» او يسارع اليه فوراً قبل فوات الأوان، وهو إخبار المسيحيين انه لا يعتقد ان المعركة تستهدفهم او تستهدف مناطقهم، مؤكداً لكن الأهم هو إشارته إلى أنه ضدّ التسليم لفكرة ان حزب الله هو من يحمي لبنان من داعش، لا بل اعتباره أنه رافض تماماً لهذا المنطق. وهنا يتوضح سبب المسارعة نحو التوضيح للمسيحيين القلقين صباح يوم مربك فعلاً من دون فهم ما جرى أو ما الذي سيجري.
بدون شك، تدحض العملية مواقف جعجع ومن معه في الخندق والموقف نفسيهما، لجهة قتال الإرهاب، فإذا كانت معركة داعش اصلاً هي معركة مع حزب الله وأن حزب الله هو السبب فيها، وهو الذي استجلب التفجيرات لمناطقه خصوصاً الضاحية أو مصالحه بمختلف أنواعها، لماذا اذن تعتدي داعش اليوم على المسيحيين وكيف سيفسّر جعجع هذا؟
يجيب جعجع على هذا ضمناً، فيقول إنّ الانتحاريين الأربعة لم يكونوا متوجّهين لتنفيذ عملية في القاع، إنما في مكان آخر وهذا جيد، لكنه يطرح أسئلة تطلب إجابات أيضاً، فمثلاً هل هذا يعني ان المرور بالمناطق المسيحية واستخدامها لتنفيذ العملية لا يوضع بإطار الخطر على المسيحيين؟ هل يعني هذا السماح بتعريض المناطق المسيحية للخراب مثلاً او لتنفيذ عمليات فاشلة هرباً مثل الذي جرى والتفجير أينما كان باعتبار البلدة إحدى ادوات العمل واللوجستيات كممرّ؟ هل يقابل جعجع المسيحيين بهذه المسؤولية والقدرة على تسخيف ما جرى بدلاً من وضعهم عند أدقّ محاذيره؟ هذا كله بدون السؤال طبعاً عن مصدر معلوماته!