خططوا وقالوا: «أيام بشار الأسد معدودة»… فرحلوا وبقي الأسد… كيف!

نصار إبراهيم

منذ الأيام الأولى للحرب على سورية قبل أكثر من خمس سنوات… انهالت معها «التنبّؤات» بأنّ «أيام الرئيس بشار الأسد معدودة»… في الواقع إنّ تلك «التنبّؤات» كانت حقيقة مؤكدة، وذلك ارتباطاً بما تمّ إعداده وترتيبه لسورية من مخطط إجرامي شامل ودقيق… سياسياً وعسكرياً واستخبارياً وإعلامياً ونفسياً واقتصادياً… بحيث أنّ تلك الماكينة ومن يديرها كانوا على ثقة بأنّ سورية ستنهار فوق رأس الرئيس السوري بشار الأسد… بل ومنهم من قال بأنه قد رحل على متن بارجة روسية… ومنهم من تبرّع بعرض استضافة الرئيس الذي «انتفض» عليه شعبه!

المشكلة أنه وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على هذه الحرب الشاملة والشرسة… لا نجد في الميدان المشتعل سوى الرئيس بشار الأسد وهو يتناول الإفطار مع جنود الجيش العربي السوري في الغوطة الشرقية فيقاسمهم لقمة الخبز والإرادة والابتسامة…

غريب… على ما يبدو أنّ ساعة الأيام المعدودة تلك كانت تعمل في اتجاه آخر… أو لنقل إنّ هناك قوة جبارة جعلتها تعمل باتجاه غير الذي خطط له… تلك القوة هي فعل الصمود الأسطوري لسورية بشعبها وجيشها وقيادتها… هذا ما جعل أيام الكثير من الرؤساء والقيادات والإعلاميين والمحللين هي المعدودة… فتساقطوا وغابوا كأوراق الخريف… فيما الرئيس بشار الأسد يتجوّل في دمشق وفي سورية… يقاتل… يقود… يخطط… وينتصر…

هل تذكرون… من رحلوا وهم يعدّون أيام الرئيس الأسد المعدودة: أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، رئيس حكومة قطر ووزير خارجيتها قطر حمد بن جاسم، بندول الساعة وزير خارجية آل سعود ومملكة الرمال سعود الفيصل… رئيس فرنسا نيكولا ساركوزي، ووزير خارجيته لوران فابيوس، وزيرة خارجية أميركا آنذاك هيلاري كلينتون، رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية «سي أي آي» ديفيد بترايوس، أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء الحكومة التركية، ملك آل سعود عبدالله.

كما غاب أيضاً منظر «الربيع العربي» فيلسوف عصره وزمانه عزمي بشارة… وجرّ معه العبقري صفوت الزيات… هل تذكرون هذا الزيات وتقديراته العسكرية الفذة «الثوار يبعدون مئات الأمتار عن القصر الرئاسي في المهاجرين»… عن جدّ أين هو صفوت الزيات هذا!؟

كما توارى عن الأنظار شلة عجيبة من «الثوار السوريين» برهان غليون… ميشيل كيلو… أحمد معاذ الخطيب… سهير الأتاسي… ومحمد علوش…

وفوق كلّ هؤلاء… صاحب اللحية الحمراء العروعور… أين ألقت به الأيام يا ترى بعد أن سقطت على رأسه القصيْر التي وعد بأن تكون ستالينغراد «الثورة»…؟

الأهمّ من كلّ ذلك في نفسي أعرف أين يوسف القرضاوي… صاحب الفتاوى الذهبية والدّعاء لأميركا واستجدائها للتدخل في سورية هي والناتو… ماذا يفعل هذه الأيام… هل طالت أظافره بعد أن لم يعد يجد أحداً يقصّها له… أم أنه مشغول بتجديد شبابه علّ ذلك يعيد الشباب لثورته البلهاء!؟

وهنا لا ننسى شخصيتين غير شكل كلّ منهما أطلقت وعداً قاطعاً مانعاً… الأولى رجب طيب أردوغان الذي أقسم أن يصلي في المسجد الأموي بدمشق… فمنذ خمس سنوات ويزيد وهو ينتظر… ويُقال بأنه يعيش حالة اكتئاب… أما الشخصية الثانية فهي سعد الحريري.. الذي أقسم بدوره أن يعود إلى بيروت من مطار دمشق… يخرب بيتو! هاد الولد فلتة!… ما علينا!

المهمّ… أخيراً ولكي يكتمل النقل بالزعرور ها هو كاميرون يغادر المسرح… يغادره غاضباً مهاناً حزيناً… ويُقال إنّ ما يغضبه أكثر من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رؤيته للأسد وهو يبتسم من عرينه في دمشق…

والسؤال هنا: كيف جرى كلّ هذا… كيف عملت ساعة الأيام بصورة معاكسة لكلّ أمنيات هؤلاء الراحلين… فيما يواصل الأسد الذي كان مقرّرا أن يرحل في غضون أسابيع زئيره في دمشق… كيف جرى ذلك؟

قد يقول بعض من يصرّون على التغابي من «أنّ هذا الطاغية يواصل الحكم بالحديد والنار… ولأنه مدعوم من إيران وروسيا وحزب الله»!

طيّب يا أخي… كمان أميركا في الجانب الآخر تدعم ثوار الغفلة منذ اليوم أول… وهي أقوى من روسيا بالمعنى العام… وهناك تركيا والسعودية و»إسرائيل» بما يعادل إيران ويزيد ويقدّمون كلّ ما لديهم لدعم ثوار الغفلة… هنا لا أريد أن أتحدث عن قطر فهذه لا أحد يعادلها بعد سنتركها لوقت آخر… كما أنّ هناك أكثر من مئة ألف قاتل تمّ استقدامهم من كلّ أرجاء الأرض وجرى تسليحهم بكلّ أنواع السلاح بما يعادل عشرة أضعاف حزب الله… إذن كيف صمد الأسد ولا يزال يبتسم… ويتناول الإفطار ليس على حاملة طائرات بل في مطار مرج السلطان في الغوطة الشرقية… كيف نفسّر ذلك…؟

التفسير نجده في معادلة أخرى يتجاهلها الأغبياء والحالمون بتدمير سورية… وهو صمود أغلبية الشعب السوري والتفافهم حول وطنهم ودولتهم وجيشهم ورئيسهم… وصمود الجيش العربي السوري بصورة أسطورية بما يتجاوز كلّ ثرثرات المحللين والاستراتيجيين، وثرثرات من راهنوا على تفتته وانشقاقه… ومع ذلك يأتي صمود وبسالة الرئيس الأسد والقيادة السورية العميقة… وإدارته للحرب بذكاء وصبر ورباطة جأش.

هذه المعادلة هي التي تعطي لدور الحلفاء قيمة وفاعلية… وليس العكس فماذا سيفعل الحلفاء لدولة تنهار وجيش يتداعى وقيادة مرتبكة؟

إذن هذا هو الجدار الأسطوري الذي تحطمت عليه الرؤوس الغبية والحامية…

ما حقق هذا المعادلة هو التفاف أغلبية الشعب السوري ونواته الصلبة في المدن حول ثوابت سورية والشعب السوري: دمشق العزة، حلب البطولة، دير الزور الشهامة، حماة الحياة، حمص العدية، عروس المتوسط اللاذقية، درعا المروءة، السويداء صمصامة سورية، طرطوس البهية، القامشلي العزيزة، هذا هو عصب سورية… من هنا جاء حماة الديار بكلّ عنفوانهم… ولا ننسى أرياف سورية رغم كلّ ما تعرّضت له من تشويه وإغراء… إلا أنّ قطاعات واسعة منها لم تبع روحها وضمائرها من أجل حفنة ريالات أو دولارات أو حتى حوريات البغدادي و»النصرة» وما يسمّى بجيش الإسلام وفيلق الرحمن والزنكي والفنكي والطبال والراقصة.

إذن ليس غريباً أن يرحل من رحل وأن يبقى الأسد… وسيرحل آخرون… وستبقى دمشق تعانق قاسيون… وستنتصر سورية الواحدة الموحدة وستبقى رايتها راية الأمة العربية الحرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى