من غزوة الأشرفية إلى تفجير التهجير للقاع جعجع: لستم مستهدفين لا تخافوا… إنهم حلفاؤنا
ناصر قنديل
– لم تمنح تفجيرات القاع الصباحية رئيس حزب القوات اللبنانية الوقت الكافي لقول كلام قابل للحياة، تماماً كما حدث معه يوم غزوة الأشرفية في الخامس من شباط عام 2006، فخلال ساعات من كلام جعجع يومها متوجّهاً إلى سكان الأشرفية لعدم الخوف من الغزوة السلفية التي داهمت شوارع الأشرفية تحت شعار التوجه إلى السفارة الدنماركية وتوجيه رسائل الاستنكار على المنشورات المسيئة للنبي محمد، كان من قال عنهم لسكان الأشرفية إنهم حلفاء يمكن الوثوق بهم ولا مبرّر للإصغاء لدعوات الخوف من تحركاتهم، يحرقون السيارات ويدخلون الكنائس ويحطمون الزجاج ويزرعون الذعر في البيوت. كذلك أمس لم يكد جعجع يُنهي كلامه عن أنّ المسيحيين غير مستهدَفين من قبل تنظيم داعش وعملياته، وخصوصاً بلدة القاع التي خاطبها جعجع ليطمئن سكانها بأنهم غير مستهدفين وأنّ صدفة المرور ببلدتهم من انتحاريّي داعش لا تعني استهدافها، حتى حلّ المساء وكان انتحاريون جدد من داعش يداهمون كنيسة البلدة وساحتها ويفجرون أنفسهم، معلنين الحرب على القاع في رسالة واضحة مضمونها، الدعوة إلى النزوح تحت طائلة المزيد من التفجيرات، وجعجع يصرخ لا تخافوا لستم مستهدَفين، لأنه يريد الجملة النهائية، حزب الله لا يحمي المسيحيين، كما كان همّه في يوم غزوة الأشرفية أن يقول جملة ختامية تستبق لقاء العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله وتقول لسنا بحاجة الحلف مع حزب الله.
– القاع تختصر بنظر داعش وبنظر جعجع التعامل مع الوجود المسيحي في الشرق، فبنظر داعش هذا الوجود إضافة لا مبرّر لها، يجب إنهاؤه ليستقيم للحرب المذهبية سلوك الطرق المطلوبة. وهذا الوجود مصدر ضجيج في الإعلام الغربي يزعج الحرب التي يخوضها التنظيم. كذلك مسيحيو القاع عقبة جغرافية تجب إزالتها كخاصرة رخوة، بالتفجير تمهيداً للتهجير للتمكّن من ثغرة في الجدار البقاعي، بعدما صار الحصار محكماً على مسلحي داعش في جرود بلا مياه، وفي ظلّ حرّ وجفاف لا يحتملها البشر ولا حتى الضواري التي بدأت بالنزوح من الجرد، كذلك بالنسبة لجعجع مسيحيو الشرق ليسوا قضية إلا بقدر توفير الفرصة للنيل من حزب الله. فهو يتبنّى ترشيح العماد ميشال عون تحت عنوان الوحدة المسيحية، واحترام الصوت المسيحي، لكن عينه على إحراج حزب الله، والقول سريعاً ها قد رشحنا العماد عون فلمَ لا تنزلون إلى المجلس النيابي لانتخابه، إذا كنتم تدعمونه فعلاً؟ وفي القاع يعتبر مسيحييها مجرد معبر، للوصول إلى النيل من حزب الله، فيتشابه جعجع وداعش مع «إسرائيل»، التي تنظر للمعادلة المسيحية في الشرق بالعين ذاتها، عين النيل من حزب الله. وإذا كانت «إسرائيل» تقاتل بذلك لمصالحها وكذلك داعش، فكيف يمكن لزعيم مسيحي أن ينظر لمن قال إنّ أمنهم فوق كلّ اعتبار، أن يجعلهم أضاحي أعياد القتلة، للنيل من خصم لا مشكلة للمسيحيين معه، بل بالعكس يرونه حليفاً صادقاً، لا يطلب ثمناً لموقف مبدئي، يرى فيه لبنان بمسيحييه قيمة مضافة في هذا الشرق، بما يستحق بذل الدم دفاعاً عنه.
– واضح أنّ داعش كما جعجع في مأزق الحصار، والبحث عن سراب وصولاً إلى انتحار رخيص، فعمليات داعش تقول عسكرياً إنّ التنظيم في أسوأ أحواله كي يخاطر بانتحارييه، وهم نخبة المقاتلين عادة، ليقتل ستة منهم مقابل قتل خمسة مواطنين، وعدم تحقيق أيّ هدف عسكري أو سياسي. وتصريح جعجع صار انتحاراً سياسياً بقياس ما حملته تفجيرات المساء من تأكيد أنّ القاع مستهدَفة بذاتها ولذاتها، خصوصاً لأنها مسيحية، عكس ما قاله جعجع تماماً المفترض أنه صاحب مشروع الأمن المسيحي، لا بل إنّ التفجيرات قالت ما قاله وجهاء القاع من الحاجة للقاء عاجل يجمع العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله، كما اجتمعا بعد غزوة الأشرفية في رسالة المصير المشترك التي لا زالت تقدّم نموذجاً لعلاقة على درجة من الرقيّ والمصداقية، ترفد الحياة السياسية والوطنية بجسر قوة وجدته في الحرب مع «إسرائيل»، كما في الحرب مع الإرهاب.