خرافة تقسيم سورية
د. خيام الزعبي
من يعتقد أنّ ما يجري في سورية هو أمر طارئ أو محض صدفة بشكل غير مقصود، فهو واهم، فالقصة قديمة جديدة، بل هو مخطط معدّ مسبقاً ومرسوم جيداً حتى لا تكون فيه أيّ ثغرة تؤدّي إلى فشله وانهياره، إلا أنّ صمود الجيش السوري قد يكون الثغرة الوحيدة التي قد تفشل هذا المخطط الأميركي.
الأزمة في سورية لم تكن عبثية أو غير مدروسة، كما أنّ ظهور «داعش» بعد تنظيم القاعدة في البلاد، وسيطرتها بشكل متسارع على بعض المناطق والمدن السورية ووصولها إلى أماكن حساسة لم يكن بمحض الصدفة، ناهيك عن السعي لإشعال فتنة طائفية غير مسبوقة في البلاد، كلّ ذلك هو عبارة عن سيناريو معدّ بحرفية من قبل أميركا وحلفائها التي تعلم وتدرك جيداً أنّ حملتها الأخيرة ضدّ ما يسمّى «بداعش» هي حملة عبثية وغير مؤثرة ولن تصل بها إلى نتيجة، إلا أنّ الهدف من ورائها هو إقناع السوريين والعالم أن لا حلّ إلا بتقسيم سورية، وهو المخطط الذي دافعت عنه مسبقاً بشكل واضح وعلني.
مشروع تقسيم سورية كان يشغل الأوساط الأميركية والإسرائيلية وأعوانهم منذ زمن بعيد، وقد اقترح مسؤولون أميركيون مراراً وتكراراً خطة تقسيم وتفتيت سورية قبل وبعد الحرب على سورية، فقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية على موقعها خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بعد تقسيمها بعض الدول إلى دويلات صغيرة ضعيفة هشة بعد تدمير قدراتها، ومن تلك الدول سورية، وذلك من خلال التحليلات التى يتناولها الخبراء الاستراتيجيون بناء على الأوضاع التى تحدث في المنطقة من صراعات داخلية وجرائم وعمليات إرهابية من قتل ودمار، وصراعات مذهبية، والهدف الأساسي هو زيادة اشتعال المنطقة بشكل أكبر، ومحاولة تدمير القوى والقدرات العسكرية الوطنية، وهو الأمر الذي تسعى إليه الولايات المتحدة حالياً في سورية من خلال الدعم العلني للجماعات الإرهابية المسلحة والقوى المتطرفة الذين أتوا من كلّ حدب وصوب، وتزويد الولايات المتحدة الأميركية تلك الجماعات بالسلاح بل أنها تقوم بتدريب تلك العناصر تحت مسمّى المعارضة المعتدلة، فضلاً عن الحصار الكبير على الجيش السوري، والهدف بلا شك هو إسقاط سورية في مستنقع الإرهاب والحرب الطائفية.
في هذا الإطار إنّ الولايات المتحدة ليست لها مصلحة استراتيجية في ضمان أن تظلّ سورية موحدة، وليست للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في وجوب أن تكون هناك سورية واحدة وفقاً لما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز»، من الملامح التفصيلية لخطة إعادة تقسيم الشرق الأوسط وتحقيق الاستراتيجية الغربية في إنشاء الشرق الأوسط الجديد، وتحدّثت في خطتها ومضمونها عن تقسيم سورية إلى ثلاثة أجزاء أو ثلاثة كيانات طائفية، لتكون الغلبة بعد ذلك للولايات المتحدة لتسيطر أكثر فأكثر وتشكل المنطقة كما ترغبها، وللأسف يتم كلّ ذلك بأيدي العرب أنفسهم.
بمتابعة انتشار الإرهاب وصعود تنظيم «داعش» إلى منطقة الشرق الأوسط، ندرك أنّ هذا الانتشار والصعود يصبّ في صالح الأهداف الاستراتيجية الأميركية ـ «الإسرائيلية» في المنطقة، وأنّ قيام «داعش» بتنفيذ خطة دولتها المزعومة في سورية والعراق سوف يرسم خريطة جيوسياسية مفتتة للعالم العربي، مما يتماشى مع المصالح والأهداف الأميركية و«الإسرائيلية» طويلة الأجل، وهو ما اقترحه اسحاق شامير، وزير خارجية الكيان الصهيوني عام 1982، ويقضى بتقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى كيانات أصغر على أساس طائفي وعرقي.
وفي حقيقة الأمر، فإنّ التقسيم في سورية مستحيل وغير واقعي ووهم كبير ولن يحدث، سواء لأسباب داخلية إذ لا يوجد في سورية كتل جغرافية ذات لون طائفي موحد، لأنّ الطوائف متداخلة في ما بينها، أما خارجياً فإنّ خيار التقسيم يُشكّل خطاً أحمر للعديد من الدول، وفي مقدّمتها تركيا والعراق وحتى لبنان، لأنّ هذه العدوى ستنتقل سريعاً إلى تلك البلدان، وهذا التقسيم سيفجر المنطقة، فتركيا لا تحتمل وجود إقليمين كرديّين مستقلين أحدهما في العراق، والآخر في سورية، ولبنان لا يحتمل وجود دولة طائفية على حدوده الشمالية والشرقية، والعراق لا يحتمل كياناً كردياً يكون امتداداً لإقليم كردستان العراق، كما أنّ الأردن لا يحتمل قيام دويلات متعدّدة على حدوده.
إنّ المشهد الذي تشهده سورية اليوم، يؤكد أنّ المشروع الغربي «الشرق الأوسط الجديد» يواجه سقوطاً وفشلاً ذريعاً على أبواب حلب والرقة ودير الزور، وأدلة الفشل على ذلك كثيرة، بدءاً بسقوط وفشل جميع العمليات الإرهابية في تحقيق أيّ أهداف أو مكاسب سياسية، وأنّ مشروع تقسيم سورية قد انهار بعد أن انكشفت كلّ خيوط اللعبة ورأى العالم ما يجري في العراق وليبيا واليمن من مجازر ودمار، لذلك فإنّ الجيش السوري يحقق انتصارات قوية على أرض الواقع، فهذه الانتصارات صدمت الغرب وحلفاءه من العرب الذين تفاجأوا بقوة الدولة السورية.
مجملاً… لن نيأس ، ومن عمق الظلام سوف ينبثق الأمل ، وستنهض سورية بأسرع مما نتصوّر جميعاً ًًًً، فسورية لن تموت ولن يموت السوريون، لقد ولدنا هنا وصنعنا التاريخ وشهد لنا التاريخ وسيشهد أننا شعب ربما لم ير التاريخ مثله خصوصاً وقت المحن، لن نموت إلا واقفين على حدود الوطن ولن نستسلم، وسيزول الإرهاب والاستبداد وستبقى سورية وسيبقى السوريون ليعيدوا للدنيا ألقها من جديد، وأخيراً نقول للإرهاب والإرهابيين وكلّ من ساندهم وأيدهم ودعمهم مادياً وإعلامياً، إنّ ما يفعلوه من تخريب ودمار وإجرام وترهيب الأطفال والنساء والشيوخ لن يخيف السوريين الذين قهروا الغزاة في كلّ الحقبات، ويشهد تاريخنا العريق على ذلك، لأنّ سورية لن تموت أبداً بفضل جيشها الساهر على أمن وأمان المواطن السوري فى كلّ مكان من الأرض السورية، ومن ورائه شعب سورية لأنهم جميعهم قلب واحد ويد واحدة كنسيج واحد، ضدّ أعداء سورية سواء كانوا في الداخل أو في الخارج.
كاتب سياسي
khaym1979 yahoo.com