رعاة الإرهاب… بين الإفلاس والندم؟!

د. تركي صقر

في خضمّ معركة عرسال عاد الحريري في شكل غير متوقع إلى بيروت على جناح مليار من الدولارات السعودية، وظهرت بعدها حملة مدجّجة بهالة إعلامية ودعائية ومالية تصوّر رعاة الإرهاب السعودي أنهم ملائكة وقديسون وضدّ سفك قطرة واحدة من الدماء، وأنهم يقدمون مليارهم للجيش اللبناني تحت عنوان مكافحة الإرهاب ودعم الاعتدال في لبنان وأثار الحريري ضجيجاً أقام لبنان ولم يقعده حول هذا المليار الذي وضع في الحساب الشخصي له قبل أن يصل منه دولار واحد للجيش اللبناني مثلما لم يصل دولار واحد حتى الآن من هبة المليارات الثلاثة السابقة المقدمة للجيش اللبناني من السعودية قبل تسعة أشهر، وآنذاك ملأ الرئيس السابق ميشال سليمان الدنيا صراخاً بامتداح السعودية وشكرها.

على أية حال أخذت حملة تبييض وجه السعودية الإرهابي بعداً آخر عندما انبرى بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة للانخراط في الحملة، فوقف من خلال منصبه يمتدح مساهمة السعودية في مكافحة الإرهاب بعد تقديمها تبرعاً بمئة مليون دولار لمركز مكافحة الإرهاب في المنظمة الدولية. وقدم السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عادل بن أحمد الجبير الشيك لبان كي مون خلال حفل حضره أيضاً مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي وكال بان كي مون في كلمة بعد استلام الشيك المدائح للمملكة العربية السعودية وللملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على هذا التبرع لمركز مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة.

لا يكاد المرء يصدق ما يسمعه من أقوال وتصريحات نارية لسفراء المملكة ومسؤوليها منذ فترة ضد الإرهاب. فأثناء تسليم الشيك تناوب سفيرا السعودية على إطلاق حرب كلامية في وجه الإرهاب والإرهابيين، فقد قال السفير الجبير في تصريحات خلال مراسيم التسليم إن المملكة تقدم دعماً لدول في المنطقة وخارجها لمحاربة الإرهاب، وتؤكد أن الدين الإسلامي بريء مما يقوم به الإرهابيون، موضحاً أن هيئة كبار العلماء في السعودية ترفض الفتاوى التكفيرية.

وأوضح أن هذا التبرع ينبع من حرص خادم الحرمين الشريفين على تعزيز جهود في مكافحة الإرهاب، مؤكداً أن الإرهاب شر لا بد من إزالته من العالم عبر الجهود الدولية.

وأضاف الجبير بعد تقديم شيك بالمبلغ للأمين العام للأمم المتحدة: «لقد لدغنا من جحر الإرهاب. ونعتقد أن الدول التي لم يلدغها الإرهاب تتخاذل في التعامل مع الإرهاب بطريقة جدية». بدوره قال السفير المعلمي إن السعودية تشعر بالتزام قوي تجاه العمل الدولي عبر الأمم المتحدة، وإن هذا المركز هو المركز الدولي الوحيد في العالم الذي لديه شرعية لمحاربة الإرهاب، وهو يحارب الفكر الذي يقف وراء ظاهرة الإرهاب.

أين يصرف هذا الكلام فيما المملكة تواصل من دون توقف دعمها وتمويلها للجماعات الإرهابية والوهابية وضخ الفكر الوهابي الذي يقف وراء ظواهر الإرهاب الدموي في العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا والشمال الأفريقي وحتى مالي ونيجيريا، فهل هي سياسة الاحتواء المزدوج بيد تغدق السعودية الأموال على متزعمي المجموعات الإرهابية وتسميهم تارة بالمعتدلين وطوراً بالثوار وباليد الأخرى تغدق التبرعات والهبات لمحاربتهم والقضاء عليهم وتندد بهم بأقوى العبارات، فهي كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته أو كما يقول المثل المصري اسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك أتعجب أو كما جاء في الحديث الشريف لا تزني ولا تتصدقي.

صحيح أننا سمعنا فتاوى متناقضة كثيرة من مشايخ المملكة حول الإرهاب وأن هيئة العلماء هناك في الآونة الأخيرة بدأت تصدر فتاوى باتجاه واحد ضد الإرهاب كما صدرت عن الملك أوامر حول تضييق الخناق على الإرهاب السعودي الذي وصل مستويات من الإجرام والفظائع حداً لم يعد محتملاً فهل هي صحوة ضمير نتمناها؟ أم هي مراجعة للحسابات والرهانات الخاطئة نرحب بها؟ وكيف نفسر هذا الاستنفار السعودي الدعائي والإعلامي والدبلوماسي محمولاً على فيض من السخاء المالي الكبير لمكافحة الإرهاب في وقت لم يتغير شيء على ارض الواقع؟ وهل يعتقد حكام المملكة أن تحسين السمعة الملطخة بدماء ملايين الناس الذين قضوا جراء الرعاية السعودية التامة للإرهاب ممكن أن تشترى بالمال والدولارات وبالتبرعات والهبات والمكرمات والصراخ الإعلامي والفضائي العالي التوتر؟ وها هو صديقهم وأحد كبار رعاة الإرهاب في العالم رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون يفتتح قافلة الخائفين والمرتجفين من تمدد الإرهاب إلى قلب عواصمهم الأوروبية فيكتب على صفحات التلغراف اللندنية مقالاً طافحاً بالمخاوف والقلق من وصول الإرهاب إلى شوارع مدينة الضباب بأسرع مما هو متوقع وبما يوحي بالندم لدعم الإرهاب أو السكوت عنه خلال الفترات السابقة.

ما من شك أن ما يقوم به حكام النظام السعودي من إبعاد شبهة الإرهاب عنهم وإظهار براءتهم من جرائره يصعب على أحد تصديقه لأن هذا منافي لطبيعتهم وسلوكهم عبر عقود، فضلاً عن الدور الذي كلفوا به من أسيادهم وراء البحار لقاء بقائهم المزمن على كراسي العرش. وبالتأكيد ما كانت لتظهر هذه الحمية والسخاء لمحاربة الإرهاب فجأة لولا أن بدأت أحلامهم ومشاريعهم تتحطم على صلابة الصخرة السورية العصية على الانكسار ولولا أن دخلوا أيضاً في قفص اتهام بلدان العالم لهم بالإرهاب وارتطموا بدوامة الإفلاس وحيرة الندم… ومع ذلك كله نعتقد أن العرب والمسلمين جميعاً يتمنون أن يكون هذا السلوك الجديد المغاير نظرياً لكل السلوكيات السابقة قد جاء عن يقظة ضمير وصحوة وجدان ولو متأخرة، وليس فقط للملمة فضائح ممارسة إرهاب الدولة المنظم والممنهج على مستوى الدولة والنظام في المملكة العتيدة، وطبعاً ليس له مثيل في المنطقة مع الأسف سوى الإرهاب «الإسرائيلي» الذي تتوالى فصوله الأخيرة في العدوان الوحشي على غزة.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى