تشييع رسمي وشعبي لشهداء القاع وسط أجواء من الحزن والغضب لحّود: للتفاوض مع الدولة السوريّة بقيادتها الشرعيّة لحل مسألة النزوح
في أجواء من الحزن والغضب ودّعت القاع شهداءها الخمسة: بولس الأحمر، جورج فارس، ماجد وهبي، جوزف ليوس وفيصل عاد، بعدما أُرجئ التشييع أول من أمس لأسباب أمنيّة.
وأُقيمت مراسم التشييع الجماعيّة عصر أمس في كنيسة مار الياس في القاع، التي كانت ساحتها شهدت التفجيرات الليليّة التي طالت البلدة يوم الاثنين الفائت.
وبالتزامن، اتّخذ الجيش تدابير أمنيّة مشدّدة في البلدة، فأقام عدداً من الحواجز الثابتة والمتنقّلة عند مداخل البلدة والكنيسة، على وقع مخاوف من أن يعمد انتحاريّون إلى استهداف الجنازة.
وشارك في مراسم الجنازة إلى أهالي الشهداء وأبناء القاع وفاعليّاتها عدد من الشخصيات الرسمية، فمثّل النائب إميل رحمة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، فيما مثّل وزير السياحة ميشال فرعون رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، وحضر السفير البابوي غابريال كاتشا بالإضافة إلى عدد من الوزراء والنوّاب وهيئات سياسيّة وعسكريّة وحزبيّة.
وشدّد الرقيم البطريركي الصادر عن بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام على «الوقوف صفاً واحداً مع هذه البلدة المباركة التي تودّع اليوم شهداءها وتتذكّر شهداء الحرب اللبنانية»، وقال: «إنّنا مجتمعون قلباً واحداً مع أبناء القاع، وكان بودّي أن أكون معكم، مع الأسرة اللبنانية الواحدة، لكن سفري إلى الخارج منعني من ذلك».
أضاف: «نترحّم على أرواح الضحايا الأبرياء ونصلّي لأجل شفاء الجرحى في المستشفيات، ونقدّم التعزية لأهل الشهداء الأبرياء».
من جهته، أكّد راعي أبرشيّة بعلبك للروم الملكيّين الكاثوليك المطران الياس رحال في كلمة له، أنّ « بلدة القاع هي صخرة لبنان، وعلى هذه الصخرة تكسّر الإرهابيون وفُتحت لهم أبواب الحجيم، أمّا شهادؤنا ففتحت لهم أبواب السماء، وإلى هناك انتقلوا وسيدفنون في أرض القاع أرض الشهداء والعزة والكرمة».
ولفتَ إلى أنّ «القاع أصبحت صخرة الإيمان وصخرة المحبة والرجاء، ونحن إيماننا قويّ ورجاؤنا لن يتزعزع، وسنبقى في هذه الأرض ولن نتزحزح ولو قدّمنا 100 شهيد في اليوم».
وأشار إلى أنّ «هذه الأرض هي أرضنا، أرض القداسة وصخرة المحبّة، ونعيش فيها بمحبة تامّة وبانفتاح تامّ مع أهلنا في محافظة بعلبك الهرمل»، لافتاً إلى أنّه «بقلوب منفتحة وأيادٍ ممدودة سنتعاون معاً للعيش بكرامة وفخر في المنطقة، لأنّ جميعنا عيشنا واحد وحياتنا واحدة، لا نفرِّق بين دين ودين وبين طائفة وطائفة وبين إنسان وإنسان، لننتصر على الإرهاب والتكفير».
وأكّد أنّ «شهداءنا في القاع هم شهداء الوطن وماتوا عن جميع اللبنانيّين، وهم وقفوا في وجه الإرهاب وقدّموا أرواحهم فداء جميع اللبنانيّين»، وقال: «نحن سنحمي ترابكم و قبوركم حتى الموت، ولن يرهبنا لا تكفير ولا تفجير».
وطلب من الحكومة أن «تنظّم من هم من حولنا، أي الـ20 ألف نازح الذين يتنزّهون كيفما يريدون»، مشدّداً على «ضرورة إغلاق الثغرات التي يتسلّلون منها، وأن تكون مشاريع القاع منطقة عسكرية تامّة لكي لا تُعاد هذه الفاجعة».
بدوره، شدّد السفير كاتشا على أنّه «يجب ألّا ننجرف أبداً إلى العنف»، مشيراً إلى أنّ «المسيح يقول إنّه إذا سلّمتم على من يحبكم فما الشيء المميّز الذي فعلتموه، وهناك من يسير على مبدأ العين بالعين والسن بالسن، والمسيح يقول أحبوا أعداءكم وصلّوا للجميع».
يوحنا العاشر
وفي ردود الفعل، توجّه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي خلال إقامته صلاة الغروب، لمناسبة عيد القديسين بطرس وبولس مؤسّسي الكرسي الأنطاكي في دير سيدة البلمند البطريركي، إلى أبناء القاع بالمواساة طالباً «التعزية والسلوان لعائلات الشهداء، وفي ظل هذه الأزمات من الداخل والخارج وعلى كافة الأصعدة الأمنيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة أقول لكم، نحن صامدون في إيماننا كالصخر متجذّرون في أرضنا، لأنّ أنطاكية هي التلاقي».
لحّود
بدوره، أدان الرئيس العماد إميل لحود «موجات التفجير الإرهابي التي ضربت القاع الأبيّة، منبت الأبطال وخزّان الجيش والقوى الأمنيّة».
وقال في بيان: «إنّ الإرهاب الذي يستطيع أن يجنِّد ثمانية انتحاريّين أو أكثر في يوم واحد لضرب بلدة آمنة وقتل الأبرياء فيها إنّما هو إرهاب يائس وباحث عن إجرام عبثيّ، يهدف إلى إظهار أنّه لا يزال يملك قدرة التفجير والقتل والتدمير. إلّا أنّ الأدهى هو أنّ استهداف هذه البلدة بالذات، على تخومنا الشرقية، يبعث برسالة أخرى مفادها أنّ الاختراق ممكن لشبكات أماننا من داخلنا، وليس فقط عبر الحدود التي يسهر عليها أبطال الجيش الوطني والمقاومة. يبقى أنّ المطلوب، بعد الإدانة، تغيير نمط المعالجة بالخروج من سياسة العناد التافه، والذي أصبح عناداً قاتلاً، والتفاوض مع الدولة السوريّة بقيادتها الشرعيّة لحل مسألة النزوح السوريّ بطريقة تؤدّي إلى العودة الآمنة وضبط تجمّعات النزوح التي قد يستقر فيها الإرهاب. إنّ التنسيق الرسميّ والأمنيّ مطلوب بين الدولتين على أعلى المستويات، إن أردنا حقاً أن نضع حدّاً لهذه الآفة، وإلّا أدّى بنا التلاشي إلى نشوء حالات من الأمن الذاتي الذي يعود بنا إلى أيام كدنا نعتقد أنّها ولّت إلى غير رجعة».
أضاف: «أنّ ليل بداية الألفية الثالثة في الضنية يجب أن يكون عبرة لمن يمسك بزمام الأمور مركزيّاً في لبنان، كما تجربة مخيم نهر البارد الذي استولى عليه الإرهابيّون وحوّلوه مقرّاً ومستقرّاً وممرّاً لقتل عسكريّينا والأبرياء من أبناء شعبنا في شمال لبنان. لم يفت الأوان بعد كي نتوحّد على مصائبنا وعلى الحلول التي تبدأ بتحصين وحدتنا الداخلية بقانون انتخابي يُنتج تمثيلاً سياسيّاً متماسكاً ووطنيّاً وعابراً للطوائف والمذاهب والفئات والشِّلل، والمقصود لبنان دائرة واحدة مع اعتماد النظام النسبيّ. شهداء القاع أوسمة على صدر الوطن وجرحاها أمانة في ضمائرنا، وقابل الأيام لن يرحم».
فرنجية
ودعا رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية عبر «تويتر»، الدولة إلى أن تتّخذ القرار الحاسم بتوجّه الجيش إلى جرود القاع ورأس بعلبك لحماية المنطقة، وإلّا فإنّنا كمن لم يفعل شيئاً».
فتّوش
ورأى النائب نقولا فتوش في بيان، أنّ «العدوان الإرهابيّ التكفيريّ الإجراميّ الذي تعرّض له أهلنا في بلدة القاع الصامدة، وسقوط كوكبة من الشهداء الأبرار، يؤكّد مرّة جديدة المخاطر الوجوديّة التي يعيشها لبنان بكل مناطقه ومكوّناته».
أضاف: «فمنذ سنوات ونحن نحذِّر من خطر الجماعات الإرهابيّة، وندعو الدول القادرة إلى تجفيف المنابع الفكريّة والتسليحيّة والماليّة لهذه الجماعات، كما نؤكّد دور الدولة اللبنانيّة وواجبها في تسليح ودعم الجيش اللبنانيّ والقوى الأمنيّة الشرعيّة الأخرى، كي تقوم بدورها في تحرير المناطق التي يحتلّها الإرهابيّون في جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك».
وقال: «إنّنا إذ نعلن تضامننا وكل الزحليّين مع ذوي الشهداء في مصابهم الأليم، نتمنّى الشفاء العاجل للجرحى والمصابين، وندعو الجميع إلى وقف الاستعراضات السياسيّة والبطولات الوهميّة، ووعي خطورة المرحلة والانتباه إلى المشاريع والمخطّطات المُريبة والمشبوهة التي تُرسَم للبنان وأهله وللنازحين السوريّين المقيمين على أرضه».
من جهته، توجّه النائب السابق إميل لحود بالتعزية إلى «ذوي الشهداء الأبرياء الذين سقطوا في بلدة القاع على يد الإرهاب التكفيريّ»، مشيراً، في بيان له، إلى أنّ «هؤلاء الشهداء هم للوطن كلّه وليس لطائفة أو قرية».
ولفت لحّود إلى أنّ «شهادة أبناء القاع هي برسم من يتبع سياسة النأي بالنفس منذ اندلاع الحرب في سورية، والتي دفع لبنان ثمناً باهظاً لها، منذ استشهاد النقيب بيار بشعلاني بطريقة وحشيّة في عرسال».
واستغرب ما ورد في بيان كتلة «المستقبل» النيابيّة لجهة اقتراح استدعاء الاحتياط في الجيش اللبناني، «وكأنّ أعضاء الكتلة نسوا أو تناسوا بأنّ الاحتياط يشمل المجنّدين، في حين أنّهم شاركوا في الإطاحة بخدمة العلم لتهريب أبنائهم، في حين أنّ خدمة العلم، التي كان لنا شرف خوضها، تشكِّل الوسيلة الأفضل لحماية العيش المشترك والتصدّي للأفكار المتطرّفة، في حين أنّ كتلة «المستقبل» ورئيسها فؤاد السنيورة صاحبة تاريخ غير مجيد في حرمان الجيش من حقوقه الماليّة ومخصّصاته».
وقال: «كفى استغلالاً لما يجري وللشهداء الأبرياء الذين يسقطون من أجل كرسيّ، رئاسيّاً كان أو وزاريّاً أو نيابيّاً أو من أجل تجييش شعبيّ أو مذهبيّ، فحين يحترق البيت لا ينفع أن ننشغل بأيّ من غرفه هي الأجمل. فالإرهاب التكفيريّ لا يميِّز منطقة أو طائفة، بل يستهدف الجميع، ولذلك كان الحريّ ببعض من أطلق تصريحات حلّل بها نيّات الإرهابيّين مبرّراً لهم استهداف منطقة مسيحية أن يسكت وأن يُعيد حساباته الخاطئة التي ساهمت في تكبيد لبنان خسائر كبيرة، خصوصاً في الأرواح، ولو أنّ الأمر ليس غريباً على صاحب شعار «فليحكم الإخوان».
وقال لحود: «بعد يومين أو ثلاثة سيتراجع الحديث عن القاع في وسائل الإعلام وسيتراجع السياسيّون عن الاهتمام بها ليُترَك أهلها لمصيرهم المجهول، في وقت يواصل جنود الجيش وشباب المقاومة حماية لبنان واقفين على الحدود، في الصقيع كما في الحر، ولا يبخلون بتضحية، في وقت يكتفي السياسيون بالتقاط الصور الاستعراضيّة مع السلاح على مواقع التواصل الاجتماعي وببيانات الاستنكار والشّجب والشّعارات الكاذبة».
وختم لحود: «حمى الله القاع وغيرها من المناطق اللبنانية من إرهاب التكفيريّين ومن استغلال السياسيّين، ولعلّ الثاني يوازي أحياناً إجرام الأول».
صالح
واعتبر الأمين العام للمؤتمر العام للأحزاب العربيّة قاسم صالح «أنّ التفجيرات الإرهابيّة التي استهدفت المواطنين الأبرياء من أبناء بلدة القاع اللبنانية ومطار إسطنبول في تركيا، والتي أوقعت العشرات من الضحايا، تشكِّل جرس إنذار يدقّ أبواب كل دول العالم، لأنّ الارهاب التكفيريّ لا يستثني أحداً حتى رعاته. من هنا، فإنّنا نطالب الدول والقوى التي تراهن على هذه المجموعات أن تغادر هذا النهج التدميريّ، وأن تتوقّف عن تبنّي ودعم هذه القوى الظلاميّة وعن التآمر على دول وقوى المقاومة، لأنّها وحدها الكفيلة بمواجهة الخطر الوجوديّ الذي تمثّله، وإسقاط الأهداف التي تسعى إليها لتفتيت أمّتنا ومجتمعاتنا».
وأضاف: «لقد تمكّنت معادلة الشعب والجيش والمقاومة من دحر العدو الصهيوني وهزيمته، كما تمكّنت معادلة الجيش والشعب والقيادة الشجاعة في سورية من الصمود الأسطوري وتحقيق الانتصارات المتتالية على تنظيم «داعش» وحلفائه، لذا فإنّ التمسّك بهذا الثالوث الذهبيّ هو الكفيل بإبعاد هذا الخطر والحفاظ على وحدة الأمّة ومنعتها بمواجهة الإرهاب بوجهيه التكفيري والصهيوني. وإنّنا إذ نُدين جميع الدول والقوى الحاضنة والداعمة لهما، فإنّنا ندعو القوى الحيّة في الأمّة إلى تشكيل جبهة شعبيّة لمحاربة الإرهاب والانتصار عليه، حفاظاً على نهضة الأمة وحضارتها وثقافتها ومشروعها النهضويّ التوحيديّ، كما نتقدّم من ذوي الضحايا بأحرّ التعازي».
الرابطة المارونية
وتوجّه وفد مشترك من الرابطة المارونيّة والمؤسّسة المارونيّة للانتشار، ضمّ النقيب أنطوان قليموس والمهندس نعمت أفرام ونائب رئيس المؤسسة شارل الحاج، وعدداً من أعضاء المجلس التنفيذي للرابطة إلى بلدة القاع، وقدّم العزاء بالشهداء، ثمّ عُقد اجتماع موسّع في بلديّة القاع ضمّ قليموس وأفرام ورئيس البلدية بشير مطر، رئيس بلدية الفرزل ملحم الغصّان ومختارها هاني ضاهر ورجل الأعمال ميشال ضاهر، ونائب رئيس «حركة لبنان الرسالة» جليل حلو. وبعد عرض مفصّل للواقع الذي تعانيه القاع وقرى المنطقة على كل المستويات، اتُّفق على مجموعة من الإجراءات لتعزيز ثبات أبنائها في أرضهم.
وبعد الاجتماع، تلا قليموس بياناً طالب مجلس الوزراء بإعلان القاع ومشاريع القاع ورأس بعلبك منطقة عسكرية يتولّى الجيش مسؤوليّتها. تطبيق قرار وزارة الداخليّة الخاص بتعزيز قدرات الشرطة البلدية. تعزيز وجود قوى الأمن الداخلي التي يُعتبر حضورها ضعيفاً حتى الآن. الطلب من رئيس الحكومة اتّخاذ القرار اللازم لتخصيص المبالغ المطلوبة في أسرع وقت لإغاثة بلدة القاع بواسطة الهيئة العليا للإغاثة. الطلب إلى وزارات المال والاتّصالات والداخليّة التنسيق، واتّخاذ ما يلزم للإسراع بحصول البلديّة على حقوقها من الصندوق البلدي المستقبل.
أمّا على صعيد المبادرات الخاصة للروابط والهيئات المارونيّة ولرجال الأعمال، فقد تقرّر الآتي:
– الإعلان عن تأسيس صندوق لدعم صمود الأهالي ومساعدة أسر الشهداء والاهتمام بالجرحى بمبادرة من الرابطة المارونية.
– تبرّع المؤسّسة المارونية للانتشار بمبلغ 200 ألف دولار أميركي.
– تبرّع رجل الأعمال ميشال ضاهر بمبلغ مئة ألف دولار أميركي .
– تعهّد الوفد إجراء الاتصالات اللازمة مع وزارة التربية والمؤسّسات التربوية المسيحيّة لدعم تعليم أبناء المنطقة، وتخفيف كلفة الأعباء المدرسيّة عنهم، وإعادة دور القاع كمركز استقطاب للتعليم في البقاع الشماليّ.
وأبقى المجتمعون اجتماعاتهم مفتوحة، وكلّفوا رئيس البلدية متابعة تنفيذ المقرّرات.
من جهتها، دعت نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة اللبنانيّين إلى وعي الأخطار التي تتهدّد وطنهم، وتطاول سلمهم الأهلي من خلال العمليّات المشبوهة التي ترمي إلى إفساح موطئ قدم للإرهاب. كما دعت الصحافيين إلى الانخراط في معركة مواجهة الإرهاب.