بين فيدان وأوغلو وتميم بن حمد… اكتمل المشهد
روزانا رمّال
عام 2013 بدأ انحسار اللاعبين السياسيين وانكفاء الوجوه «اللامعة» عن الساحة السورية التي كانت قد كرست للأزمة ما يكفي لإنتاج مشروع جديد يقلب هوية المنطقة ويغير شكل أنظمتها الاقتصادية ويؤسس لطريق امتداد الغاز فيها. وهي تلك الأنابيب التي يرتبط مرورها بسورية بأهم اسباب التمسك بانشاء نظام سياسي جديد بعنوان تحرير الشعوب من ظلم الحكام.
تدرك روسيا وتركيا معاً ان الخلاف الاقتصادي القائم ضمن الحسابات الجديدة التي رسمتها المحاور المتخاصمة تبقى اكثر ما يدعو للتمسك بالانتصار او الهزيمة عند الغرب، خصوصاً الأوروبيين الذين ساهموا بكل ما يسهم في إنجاح مساعي اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد. وهذا الامر نفسه تكرس في ليبيا حيث دخل الناتو عسكرياً بشكل كاسح ليحسم التغيير لصالح التطرف والسلفية، من دون أي مانع أميركي في ذلك، لان ما تحويه ليبيا من موارد ومكتسبات نفطية بدت اكثر الحاحاً من متابعة مصيرها وهي حتى الساعة الأكثر ضياعاً وضبابية.
تصل اليوم أوروبا للحظة الصفر وينفرط عقد اتحادها تدريجياً بقوته السياسية الحاضرة والسبب بباطنه وظاهره اقتصادي مالي من دون أن تستطيع اي دولة تقديم المساعدة لدولة بحجم بريطانيا فهي ليست اليونان التي جهدت دول الاتحاد لإنقاذه. وهنا يهتز الاتحاد ومعه أوروبا. وهذا ما لم يكن ممكنا ان يحصل في ما لو تم إسقاط الأسد وتمرير مشاريع النفط والغاز التركي الذي يجير للغرب بالحساب السياسي والاقتصادي ويصل أوروبا بآسيا ليبقى الأمل في المشروع الروسي الأكثر حضوراً وواقعية على التنفيذ وهو بحد ذاته انتصار روسي.
الحضور الروسي الى سورية سرع انكشاف الاتحاد الأوروبي الذي راهن كثيراً على مكتسبات الازمة السورية واستنزفت دوله عسكرياً بشكل مرهق بالسنوات الاولى، فقد حضرت القوات الفرنسية والاستخبارات الالمانية وعناصر بريطانية الى الارض السورية وعملت بشكل دؤوب لمشروع مماثل لليبيا حتى فشله وانكفائه منذ إعلان الخطوة الروسية الجريئة التي لم تكن بالحسبان. فأي تدخل او مشاركة روسية في ليبيا عسكرياً لمكافحة الإرهاب رغم طردها بشكل واضح لم تكن واردة وأي صدمة لأوروبا من هذا الحجم الذي أهدر الجهد ونسفه لم يكن متوقعاً.
لحظة الاعلان عن اعادة الهيكلة الكبرى للعائلة الحاكمة في قطر وتسلم تميم بن حمد عام 2013 كانت لحظة مصيرية بالمنطقة لحالة السلفية التي تسيطر على قطر وحكمها الحليفة مع العدالة والتنمية التركي. وكان الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر سلم ابنه مقاليد الحكم تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني الذي أخرج رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني من الصورة أيضاً وانكفأ بعدها بشكل واضح الدور القطري التصعيدي، لكن الخطوة لم تكن يتيمة فمصر أحبطتت بدورها مشروع الأخوان المسلمين وعزلت مرسي وكذلك الأمر في تونس حيث انكفأ « النهضة».
تكتمل اليوم آخر سلسلة من التحولات عند حلفاء العدالة والتنمية التركي في أروقته نفسها فيعيّن «بن علي يلدرم» رئيساً للحزب ويُقال احمد داوود اوغلو رئيس الوزراء ووزير الخارجية من المشهد ومعه معلومات عن تنحية رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان ونائب وزير الخارجية فريدون سينيرلي أوغلو.
ليس عادياً إزاحة رجل الاستخبارات الأكثر قدرة ومنافسة شعبياً بوجه اردوغان الذي عايش فترات هواجس انتقاله من عالم المخابرات الى السياسة. وهي حالة اولى وفريدة في تركيا يخشى قانونيون أتراك من تكريسها او التطبيع معها ليبقى الأهم ما ذكر عن تقارير «إسرائيلية» حول الأمر.
تضع صحيفة يديعوت احرونوت القرار التركي المتمثل بتحويل مهمة هاكان من أمنية الى ديبلوماسية كسفير لبلاده أنه إحدى البوادر التي سبقت توقيع الاتفاق بين تل أبيب وانقرة كشرط اساسي.
يشترك هاكان وداوود اوغلو هنا بحسابات التضحية والاتفاقات المشروطة. فتنحية اوغلو هي احد ابرز شروط روسيا للمصالحة والثاني ضحية المطلب «الإسرائيلي». وكل هذا واحد من ذيول ازمة المنطقة التي عقدها سلوك العدالة والتنمية.
مصدر مقرّب من القيادة السورية يقول لـ «البناء» إن مناورات اردوغان وخطواته المتعددة الاتجاهات بالتطبيع لا تسمح بالتعليق قبل خطوات ملموسة وحتى الساعة لا يزال الدور التركي تخريبياً وتركيا تعلم ان المطلوب منها أفعال لا اقوال، واولها اقفال الحدود فهاكان مثلاً تخطى دوره المعقول ولعب دوراً اقليمياً بارزاً على مستوى الدول التي توقع العدالة والتنمية فيها سيطرة حلفائه على الارض مترجماً الدور التركي الضخم.
من جهته، يتحدث مصدر سياسي متابع لـ «البناء عن مصير الرجلين فيقول يعتبر اوغلو وفيدان «رمزا حراس الدور العثماني» في مرحلة الصعود التي كانت قد عاشتها تركيا عقب احداث الربيع العربي. وهنا فإن رحيلهما اليوم هو تأكيد على ان هذا الزمان انتهى وعاد عصر «الرجال الموظفين الأتراك» الذين يحتلون صفات رئيس حكومة ورئيس مخابرات بمفهوم الدور الأمني والسياسي التقليدي.. انتهى زمن السلطنة فرحل رجالها.