«الطواريد»… تراجع الكوميديا وتفوّق الأداء
دمشق ـ آمنة ملحم
في بيئة كوميدية بدوية، يعيش المُشاهد حكاية «خلف» و«مهاوش»، الرضيعان اللذان يعثر عليهما «طرود» زعيم قبيلة «الطواريد» قبل ثلاثين سنة، ويأمر برعايتهما كما يأمر نساء القبيلة بإرضاعهما. وبسبب شراهتهما، يرضعان من كلّ النساء، ما يجعلهما أخوَين بالرضاعة لجميع بنات القبيلة عدا «وضحة»، فيتنافسان على حبّها كما يتنافسان على الكثير من الأمور. هكذا اختصر صنّاع مسلسل «الطواريد» «حدوته».
ولكن هذا الملخص الذي نشر إعلامياً معرّفاً العمل ككل، ربما لم يكن دقيقاً بما يكفي ليعبّر عما يحمله من «حدوتات». إذ تبيّن مع العرض الرمضاني للمسلسل أن حكاية «خلف» و«مهاوش» مع «وضحة» نسرين طافش ، قصة هامشية تطفو على الواجهة بين الفينة والأخرى ضمن حلقات العمل لكنها ليست أساسه. فالعمل جاء منفصلاً متصلاً يحمل في كلّ حلقة منه عنواناً خاصاً لحدث يطرأ على القبيلة البدوية، لتسدل الستارة عنه في نهاية الحلقة. وبذلك يمكن وصفه وفق ما حمله من لفتات اجتماعية ومواقف طريفة بالوجبة الدرامية الخفيفة التي قد يتلقاها المشاهد خلال شهر الصوم، فتشكل استراحة ربما من ثقل الحياة والحكايات الاجتماعية التي قد تتناولها الدراما، وكذلك من مسلسلات العشق الهجين على مجتمعاتنا والتي نهشت جسد الدراما السورية من دون استئذان، لتفرض نفسها كإحدى الوجبات في كل موسم درامي مقرون بشهر رمضان.
وإن اتفقنا على وصف العمل بالخفيف، نكون ههنا أنصفنا ما قدّمه صنّاعه. فهو لم يحمل من البداوة سوى فكرة الملابس والملامح العامة للصحراء واللهجة، على رغم أنها لم تنسحب على الجميع، بل دخلتها اللهجة الشامية كمرافق في بعض شخوص المسلسل من رجال المخفر وشخصية صاحب البقالية «محمد خير الجراح» المستغل لأهل القبيلة، والذي كان من الممكن أن يكون ورقة رابحة في العمل بما يحمله من حسّ كوميديّ رفيع. إلا أن شخصيته لم توظف بالشكل الأمثل ولم يستغل المخرج ملكات الجراح بما يخدم عمله.
كما أن الكوميديا لم تكن واضحة المعالم، فقد اختصرت بحكايات خفيفة تحمل بعضاً من المواقف والأفيهات الطريفة لرجال ونساء القبيلة لكنها لم تشكل حالة خاصة ككوميديا الموقف مثلاً أو الكوميديا السوداء. كما لم تسجل إسقاطات على الواقع السوري سواء في ظل الأزمة أو خارجها. بل جاءت طرافة العمل عامة في معظمها إذ يمكن أن تنسحب على أي من المجتمعات العربية من دون الخصوصية السورية. كحلقة «السيلفي»، و«شوك الجبل» و«عنزة مهاوش»، وحتى في رحلة «وضحة» مع اختيار الزوج وتحدّيها كلّ من يتقدّم إلى خطبتها بالسيف واللغز.
نساء القبيلة ظهرن بماكياج عصريّ لا يتلاءم مع حياة البداوة، كما أن أزياءهن حملت طابع المبالغة في الشكل الرتيب والألوان، ولم تظهر عليهن أيّ من علامات تعب البداوة والصحراء. بل جميعهن اتسمن بالجمال والأناقة مع الماكياج الصاخب، وتفرّغن في معظم وقتهن لجلسات نسائية والثرثرة عما يدور في أروقة القبيلة، ليأخذ تواجدهن في العمل طابع العمل الاجتماعي بدرجة أكبر بعيداً عن الكوميديا.
الفنانان محمد حداقي وأحمد الأحمد كعادتهما تفوّقا في الأداء المحكم للشخصية واتقان اللهجة والكراكتر، فشكلا في العمل حالة خاصة كعنصر جذب بطرافة ضحكتيهما، وتعابير وجهيهما، وحركات جسديهما مع اللباس الملائم لكراكتر كلّ منهما. وهذا لم يكن غريباً على فنانين لطالما أتقنا لعبة الكوميديا. فهما ابنا هذا النمط من الدراما ويعرفان خباياها ومتطلباتها من لغة الجسد وأسلوب الكلام وإدارة الحوار، فشكلا ركيزة أساسية في العمل وزادا من درجة قبول طرافته التي يمكن القول إنها اختصرت في مواقفهما مع بعض من المواقف لشخصية «قاسم ملحو» وباقي رجال القبيلة فتفوق ههنا الحضور الذكوري على حضور نساء العمل.
الشكل العام لشخصية «وضحة» بطلة العمل لم يكن موفقاً. فكيف يجتمع جمال ابنة زعيم القبيلة ودلالها مع كونها فارسة ومقاتلة، فظهرت في أغلب الحلقات كفتاة مدللة لوالدها لا يردّ طلبها، ما لم يجعل من وصفها بالفارسة مقنعاً سواء في الشكل الخارجي أو الداخلي للشخصية.
هكذا يمكن القول إن العمل ككل جاء طريفاً خفيفاً لكنه ليس منافساً كوميدياً، وإن ابتعد عن أسلوب التهريج أو الاستسهال بالدراما إلا أنه غيّب النهايات الذكية لـ«حدوتاته» والتصاعد الدرامي المشوق في حبكاته، عله يكون تجربة لنمط درامي قد يطوّر لاحقاً بما يتناسب مع الحاجة الملحّة للكوميديا القوية المقنعة التي باتت تُفتقد في الدراما السورية.