علاء محمد: الفنان التشكيليّ السوريّ يقدّم فنّاً جميلاً يهذّب النفوس وينطوي على حبّ وحضارة
دمشق ـ محمد سمير الطحان
في قرية برمانة المشايخ التابعة لمحافظة طرطوس، ترتسم بانوراما فنية وطنية مميزة على أحد الجروف الصخرية تقدم توثيقاً تاريخياً فنياً لحقبة مشرفة لتلك القرية وأهلها، بل لسورية كلها، تجسد شخصية المجاهد خليل الخطيب ورفاقه في الثورة السورية الكبرى، إذ صمم هذه البانوراما وأشرف على تنفيذها النحات علاء محمد.
يقول النحات محمد: «فكرة هذه البانوراما هي لعدنان الخطيب، حفيد المجاهد خليل الخطيب، صممتها ونفذتها بمشاركة كل من النحاتين نزار البلال ومحمد نقري وشورش فان وباسل ابراهيم وسامر الروماني الذين عملوا لمدة شهر في هذه البانوراما، ثم أكملتها وربطت بين عناصرها واشتغلت عليها مدة سبعة أشهر لإتمامها. تتمركز البانوراما حول شخصية المجاهد خليل الخطيب الذي كان قاضي ثورة الشيخ صالح العلي والمشرف على أحد مستودعات الثورة ضد الفرنسيين، وإلى يمينها ويسارها مجموعة وجوه لأشخاص عاصروه من رجال الثورة».
حول تعميم هذه التجربة على أكثر من مكان في سورية يوضح النحات محمد «أن الأماكن الجميلة في سورية كثيرة جداً، خاصة في محافظة طرطوس التي نشأت في طبيعتها، فهي مليئة بالجروف الصخرية الملهمة والصالحة للعمل النحتي البانورامي» معتبراً أن إنجاز عمل فني نحتي بانورامي ضخم كهذا يتطلب توافر دعم مالي من جهات اقتصادية مؤمنة بالفن، متابعاً: «إن تقديم أعمال فنية بانورامية نحتية يوثق لجزء أصيل من تاريخنا يعتبر أمراً غاية في الأهمية، إلى جانب القيمة الفنية والسياحية التي توفرها هذه الأعمال وما تبثه من قيمة بصرية جمالية ومدّ فكري وثقافي في المحيط الذي تنجز فيه».
عن جدوى مثل هذه الأعمال في ظل الظروف التي نعيشها، يؤكد أن الفنان قام عبر الزمن بصوغ التاريخ المعاش مع إضافات بصرية لونية ونحتية ومعمارية، مضيفاً: «نعمل اليوم على تقديم فن جميل يهذب النفوس، وكنا نتمنى لو قدمنا أعمالاً عن الفرح لا عن المآسي لنحمل السعادة والجمال للناس».
لم توقف الأزمة عمل النحات علاء محمد، رغم تأثره النفسي السلبي بها، لكنّه حوّل ألمه إلى أعمال فنية حضارية فنحت نحو 30 عملاً من الحجر والخشب وخامات أخرى خلال الفترة الماضية، بينها نصب تذكاري للشهداء في قرية برمانة المشايخ وبدأ في أضخم نسخة من القرآن الكريم في العالم منحوتة على الصخر، كما أسس في مشتى الحلو لملتقى ثقافي سنوي متنوع بين الفن التشكيلي والشعر والأدب والمسرح، مع صديقه المحامي وائل صباغ، ومن ثمار الملتقى خمسة وعشرين عملاً نحتياً من خشب دلبة مشتى الحلو.
عن أحوال الفن التشكيلي السوري اليوم يقول محمد: «تأثر الفن التشكيلي كسواه من المجالات في البلد بسبب انشغال الناس بهموم الحاضر المؤلم. لكن هذا الفن بقي جزءاً من رسالة سورية الحضارية ووجهها الجميل. إن التشكيليين السوريين يصبون من خلال عملهم إلى مستقبل جميل لوطنهم، فهم في حالة اجتهاد وعمل دائم لتقديم التجارب الفنية الجديدة والأعمال المميزة، للارتقاء بالفن المعاصر في ساحة التشكيل السوري».
يؤكد النحات السوري على أن التفاؤل سيظلّ موجوداً دوماً لدى الفنان السوري، ولن يغيب عنه طالما أنه قادر على تقديم الفن الذي يحمل للحب والجمال والإنسانية بقيمها السامية، وهي القيم الحضارية التي قدمها الإنسان السوري عبر الزمن إلى يومنا هذا. ويرجع محمد سبب انتشار الفن التشكيلي السوري في العالم، والنحت خاصةً، إلى الملتقيات النحتية والفنية الدولية التي عالج فيها التشكيليون السوريون مواضيع متعددة وأساليب متنوعة تأثرت بالفنون على أنواعها وامتزجت مع الموروث الفني السوري لتقدم فناً تشكيلياً ذا هوية، ما ساعد في انتشاره عالمياً.
يعتمد النحات محمد الأسلوب التعبيري في معظم أعماله، ويحاول اختبار جميع التقنيات ولا يجد ضيراً في التعامل مع الخامات المختلفة، فلكل عمل لونه ولغته وخامته وما يحمله في طياته من مضمون وخصوصية، إلا أن لخامتي الحجر والخشب ما يميزهما كونهما أبديتي الوجود والبقاء على حد تعبيره.
في ما يتعلق المادي الذي يحققه النحات من عمله يشير النحات صاحب التجربة الطويلة إلى أن الكثير من النحاتين السوريين يشاركون في ملتقيات خارجية ويتركون فيها بصمات مهمة ويحققون من خلال هذه المشاركات مردوداً مادياً جيداً، فضلاً عن المردود المعنوي، وبينهم من يعيش في الخارج ومستواه المعيشي جيد.
حول هوية الفن التشكيلي السوري يقول محمد إن الفن الحديث أخذ معظم الفنانين بعيداً عن الهوية، إنما بقي بعض الفنانين السوريين يقدمون العمل الفني المميز. وفي المشهد العام بسّط الفن السوري هويته ومزج التراث بالمدارس الفنية الحديثة فأعطى مضموناً جميلاً عن سورية واكتسب هوية خاصة به.
يناشد محمد كل فنان سوري الاستمرار في العمل والعطاء وعدم التوقف عند اتساع الهوة التاريخية الإنسانية التي نشهدها اليوم، فردم هذه الهوة لا يتمّ إلا من خلال العمل الفني الحضاري الفكري القائم على مقومات الإنسانية والجمال.
النحات علاء محمد من مواليد قرية خربة تقلا التابعة لمنطقة الشيخ بدر في محافظة طرطوس، خريج كلية الفنون الجميلة في دمشق، قسم النحت، ومؤسس مركز «إنانا للفنون الجميلة» في طرطوس، مشارك دائم في معارض وزارة الثقافة واتحاد الفنانين التشكيليين وبملتقيات النحت في معظم المحافظات السورية، له أعمال بانورامية في طرطوس وأعمال نصبية في عدة محافظات سورية.