الإمام الخميني… ويوم القدس العالمي
رامز مصطفى
«أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر، ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم».
هذا النداء الذي أطلقة الإمام الخميني رحمه الله، في السابع من آب عام 1979، لم يأت نوعاً من الترف، أو محاولة من أجل استمالة الشعوب تحت عنوان لطالما مثّل لشعوب أمتنا نقطة التقاطع والتلاقي والإجماع. بل أتى في سياق ما أراده الإمام الخميني من دلالات وأبعاد لهذا اليوم العظيم، في إعطاء الأمة المتردّية أحوالها وشؤونها مما مكّن الغاصب الصهيوني من وضع اليد والإستيلاء عليها. ففي الدلالات هو أيّ الإمام الراحل هدف من ورائه أن يكون يوماً للتعبئة وصحوة الأمة للأخطار التي تحيق بها، والذي تمثله أميركا وكيانها الغاصب والمصطنع على أرض فلسطين، ويوماً لهؤلاء المستضعفين من أهل فلسطين وغيرهم من شعوب العالم، لكي يتوحّدوا في مواجهة الاستكبار العالمي، وغدتهم السرطانية «إسرائيل»، وعملائهم الذين ارتضوا أن يضعوا نظمهم ومقدراتهم خدمة للمشروع الصهيو أميركي، فقال الإمام الخميني في هؤلاء: «إنّ أنانية وعمالة واستسلام بعض الحكومات العربية للنفوذ الأجنبي المباشر يمنع عشرات الملايين من العرب من إنقاذ فلسطين من يد الاحتلال الإسرائيلي». وللتأكيد على ذلك قال: «إنّ يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس، انه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبري «. وهو يوم لكلّ المسلمين الذين يرون في القدس والمسجد الأقصى وسائر المقدسات فيها، على أنها قضيتهم وواجبهم العمل عليها ودعمها ومناصرة أهلها، فهي ليست مسؤوليتهم وحدهم، ويوم القدس ليس للفلسطينيين وحدهم، فهي عاصمة الأرض وبوابة السماء، لأنها يوم لرسول الله، الذي أسرى به ربهُ عزّ وجل، ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. فقال الإمام الراحل: «إنّ مسألة القدس ليست مسألة شخصية، وليست خاصة ببلد ما، ولا هي مسألة خاصة بالمسلمين في العصر الحاضر، بل هي قضية جميع الموحدين والمؤمنين في العالم، السالفين منهم والمعاصرين واللاحقين»، وأضاف: «على البلدان الإسلامية أن تدافع بكامل قواها عن الأهداف الفلسطينية».
هذا العام وكما في الأعوام الـ35 الماضية، يكتسب يوم القدس العالمي أهمية متزايدة في العالم، لتتسع مراسم إحياء هذا اليوم في الكثير من البلدان والدول. ولكن ما يكسبه من أهمية استثنائية هذا العام، هو ما تتعرّض له مدينة القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية من استباحة في التهويد المتمادي والذي لم يسبق له مثيل. في معركة مفتوحة يشنّها قادة الكيان الصهيوني فوق أرض القدس وتحت المسجد الأقصى من أجل حسم هويتها الثقافية والدينية والتاريخية والعمرانية والديمغرافية لصالح كيانهم المغتصب. وبالتالي يأتي في ظلّ انتفاضة باسلة يبديها الشعب الفلسطيني في مقاومة متنامية تشهدها مناطق القدس المحتلة، ومدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية المحتلة. ناهينا عن التطورات والأحداث التي تشهدها العديد من دول المنطقة، وتحقيق إنجازات مهمة حققتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تمكّنها من التوقيع على الاتفاق النووي مع مجموعة دول 5 + 1، هذا الاتفاق الذي ستكون له انعكاسات إيجابية على مجمل قضايا المنطقة، والقضية الفلسطينية في المقدّمة منها.
ونحن نحيي هذا اليوم المجيد، لا بدّ من أن نستذكر وكعربون وفاء لمن كان له الشرف الرفيع في إطلاق هذا النداء العالمي من أجل القدس ونصرتها من خلفية إيمانية وشرعية، رحمَ الله الإمام الخميني وتغمّده بواسع رحمته، وأطال الله في عمر القائد السيد علي الخامنئي، حافظ وصية ومسيرة الإمام الراحل. وسيبقى الشعب الفلسطيني يحفظ للإمام الراحل وقوفه الحازم إلى جانب فلسطين وقضيتها ومقاومتها والقدس في المقدّمة منها، والتي لطالما تمنّى الإمام الراحل أن يصلي في المسجد الأقصى، وهو القائل: «نسأل الله أن يوفقنا يوماً للذهاب إلى القدس، والصلاة فيها إن شاء الله». وعهد شعبنا أن يبقى وفياً للثورة الإسلامية وقائدها وشعبها الشقيق، وأننا في قوى المقاومة سنظلّ القابضين على خيارات أمتنا في انتهاج خط المقاومة حتى دحر الكيان الصهيوني عن أرض فلسطين من بحرها إلى نهرها.