تقرير
قال صحافيّ أميركي بارز إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أعطت دعمها لأجندة «الاصلاح» لوليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، لكنه أشار في الوقت عينه إلى تخوّف الأميركيين من أن سلوك بن سلمان قد يجرّ الرياض إلى الهاوية، وتحدّث عن عدد من التحدّيات التي يواجهها بأجندته الاصلاحية كمعسكر محمد بن نايف والمؤسسة الدينية.
كتب الصحافي الأميركي المعروف ديفيد أغناتيوس مقالاً مطوّلاً نُشر في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بتاريخ الثامن والعشرين من حزيران الجاري، رأى فيه لزوم فهم السياسات الداخلية في السعودية في ظلّ الأوضاع المتوترة في الشرق الاوسط. حيث رأى أن تعزيز قوة السعودية قد يشكل فارقاً كبيراً، وتراجعها قد يؤجج الفوضى.
وكشف الكاتب أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أوصى مستشاريه بتجنب الظهور كمن يأخذ طرفاً في الصراع الداخلي السعودي، الا انه لفت في الوقت نفسه إلى ان اجتماع أوباما بوليّ وليّ العهد محمد بن سلمان في السابع عشر من حزيران الجاري ربما يعني أن أوباما أعطى دعمه الضمني لأجندة «الاصلاحي» بن سلمان .
ونقل الكاتب عن عدد من الخبراء في الملف السعودي الذين التقوا بن سلمان بأنهم يعتقدون أنه قادر على إعادة بناء السعودية وجعلها دولة أكثر دينامية وأكثر قدرة على حماية أمنها وأمن جيرانها. غير أنه أشار أيضاً إلى تخوف عددٍ من أن بن سلمان قد يجرّ بلاده إلى الهاوية عبر سلوكه الذي وصفوه بانه يكون «متهوراً» أحياناً.
كما قال الكاتب إن الولايات المتحدة معنية بشكل كبير بما سيحصل داخل المملكة، مضيفاً ان الرياض وطوال اكثر من خمسين سنة شكّلت حليفاً استراتيجياً أساسياً، لكنها مصدر قلق أيضاً. وهنا أشار إلى أن المملكة شريكة في الحرب ضدّ الإرهاب، وفي المقابل فإن العقيدة «السلفية» السعودية هي التي تلهم عدداً من المتطرّفين.
الكاتب تابع أن «الاصلاحي» الذي قد يضع السعودية على سكة اكثر حداثة واستقراراً ربما سيغيّر الوضع بالكامل بالنسبة إلى الولايات المتحدة والعرب. وقال أنه قد يشجّع «عصر نهضة» في العالم السنّي العربي الذي عانى من الحروب الاهلية والارهاب والكراهية الطائفية، مضيفاً ان هذا هو وعد محمد بن سلمان. غير أنه حذّر في الوقت نفسه من أنّ الخطر يكمن في أن سلوك بن سلمان قد يتسبّب بتفجير الوضع داخل السعودية وتفاقم المشاكل.
وحول إمكانية نجاح بن سلمان في تنفيذ أجندته الإصلاحية، تحدث الكاتب عن التحدّي المتمثل بوليّ العهد محمد بن نايف، حيث قال إن بعض الامراء السعوديين الكبار الذين لا يؤيدون أساليب بن سلمان يقال إنهم يصطفّون خلف بن نايف.
ولفت الكاتب إلى ان عدداً من المراقبين للوضع في السعودية يتخوفون من أن البلد يتجه نحو صراع مفتوح على السلطة بين بن سلمان وبن نايف، مشيراً إلى ان ذلك يضع الولايات المتحدة في موقف صعب، اذ تريد الاخيرة الحفاظ على علاقات ودّية مع كلا الرجلين.
كذلك قال الكاتب ان القائد العسكري لدولة الامارات الشيخ محمد بن زايد كان من «معلّمي» بن سلمان، وأنّ بن زايد رأى فيه وكيلاً من أجل التغيير في السعودية. ولفت إلى أن المسؤولين الاماراتيين شجعوا أفكار بن سلمان حول الإصلاح، واقترح البعض منهم الاستعانة بشركات استشارية مثل «McKinsey and Co» و«Boston Consulting Group»، وهي شركات تتعامل معها دولة الامارات.
وحول الحرب في اليمن، أشار الكاتب إلى أن المسؤولين الأميركيين شكّكوا منذ البداية في الحرب على اليمن وكذلك الأمر بالنسبة إلى محمد بن نايف، إذ يقال إن الأخير يتخوّف من أنّ الحرب هذه قد تقوّي «القاعدة» و«داعش».
كما تحدث الكاتب عن «ضربة حاسمة» جاءت أوائل أيلول عندما قام الملك سلمان وبناء على طلب ابنه سلمان، بطرد سعد الجبري الذي كان لسنوات أقرب المستشارين لمحمد بن نايف. وكشف نقلاً عن مصدر أميركي أن الجبري كان في زيارة شخصية إلى الولايات المتحدة وقرّر حينذاك الاجتماع بمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون بيرنان من دون أن يطلع الملك سلمان على هذا الاجتماع، ما أدّى بالتالي إلى إزاحة الجبري من منصبه.
ولفت الكاتب إلى أن بن نايف ومنذ أشهر كان يخشى من أن وكيل السعودية في اليمن والذي هو حزب الإصلاح، يقاتل من الناحية الفعلية إلى جانب «القاعدة» و«داعش»، مضيفاً أنّ بن نايف نجح مؤخراً في إدخال بعض التغييرات على الاستراتيجية السعودية في اليمن بحيث يتم استهداف «القاعدة» ومتطرّفي «داعش» بشكل أكثر فاعلية، بحسب زعمه.
الكاتب قال إنّ «مغامرة» بن سلمان يبدو أنها تنتهي، ومنبّهاً إلى أن السعوديين بدأوا في نيسان مفاوضات مع الحوثيين في الكويت، وإلى أن الولايات المتحدة قامت برعاية اتصالات إضافية بين الجانبين المتخاصمين عبر القنوات الخلفية.
كما كشف أنّ المسؤولين الأميركيين والسعوديين والأوروبيين يرجحون التوصل إلى هدنة عبر التفاوض، لا الانتصار «المجيد» الذي ربما أراده بن سلمان.
كذلك لفت الكاتب إلى أنّ بن سلمان حاول الترويج لبرنامجه الإصلاحي خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، لكنه نبّه إلى أن السؤال الاهم هو، ما اذا كان يستطيع بن سلمان تغيير التحالف بين آل سعود والمؤسسة الدينية السعودية، مضيفاً أنّ هذا التحالف جعل الدولة السعودية أضعف.
ولفت الكاتب أيضاً إلى أن بن سلمان يبدو محترساً، إذ لا يريد أن يعطي المتطرّفين الدينيين هدفاً سهلاً من خلال التحرك السريع. كما كشف أنّ بن سلمان يقول أمام مستشاريه إنه يمكن التغلب على الزعامة الدينية في السعودية لكن ذلك يتطلب شجاعة.
وفي الختام، قال الكاتب إن السعودية لن تصبح أبداً دبي، لكنه أضاف أنّ إدارة أوباما يبدو أنها توافق الرأي أنّ أجندة بن سلمان الإصلاحية تقدّم الفرصة التي تحتاج إليها السعودية. كما أشار إلى أن المسؤولين الأميركيين يأملون بعدم تسرّع بن سلمان كي لا ينفجر الوضع في الداخل.