الإرهاب ظاهرة إجرامية أم صناعة استعمارية؟
أسامة العرب
لقد كان من آثار الاستعمار، أنّ أُسس التعليم تمَّت في كثير من البلدان العربية والإسلامية، وفقاً لمناهج النظام الغربي، ووسائله، وغاياته. ولم تسلم من ذلك العلوم الدينية التي اعتراها الكثير من المسح والتشويه، خصوصاً أنّ تاريخ المسلمين برمّته يدرَّس من وجهة نظر الغرب الذي بثّ سمومه فيه، وبحسب ما يلبّي مصالحه السيادية في المنطقة. ومن هنا، يمكن القول بأنّ رعاية الاستعمار للإرهاب ارتكزت على موروث تاريخي مغلوط كتحريف لتفسير آية أو حديث أو رواية تاريخية مفبركة، يجري الاستناد إليها من أجل تشريع عمل إجرامي بغيض لا يمتّ إلى الدين الحنيف بصلة.
أما المقرّرات الدينية الصحيحة فحذف الكثير منها، أو خفّفت لتكون مجرد ومضة روحية خافتة الضياء، ضعيفة التأثير، وما يدرّس منها لا يفي بالقدر الواجب تعلّمه على كلّ مسلم في أمور عقيدته، وعباداته، ومعاملاته، إلا أنّ أشدّ من ذلك وأعظمه خطراً التّكفير، حيث توجّه الصهيو – أميركي إلى دعم الأفكار التكفيرية خلافاً للأصول الدينية الثابتة، مما رتّب على ذلك استباحة الدماء والأموال، والاعتداء على حياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم. فيما لو استطاع أيّ عاقل منا، أن يجري تحقيقاً علمياً بسيطاً بالأمر، لكشف زيف هذا التحريف المادي أو المعنوي الذي اعترى تفسير الآيات أو الأحاديث، ولاستطاع أن يعرف بحق صورة الإسلام المنفتح وأن يقطع خيوط الاحتيال والدجل.
وهنا نتذكر الجملة الشهيرة التي قالها الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان عندما استقبل وفداً يمثل قادة «طالبان» بعد الإعلان عن دعم الولايات المتحدة لهم بالمال والسلاح: «الإسلام في خطر وأنتم اليوم حماته بمواجهة المدّ الشيوعي»، ذلك أنّ الولايات المتحدة أرادت حينها محاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. هذا عدا عن أنّ تجربة أميركا في أفغانستان لم تنكرها الإدارات الأميركية، حتى أنّ هيلاري كلينتون تحدّثت عن هذا الأمر في مراجعة قدّمتها أمام إحدى لجان الكونغرس الأميركي منذ فترة قريبة، حين أشارت إلى أنّ تورّط الأميركيين في معركة باردة مديدة مع الاتحاد السوفياتي، دفع إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان إلى ضخ الأموال والسلاح إلى الإرهابيّين، مشيرةً إلى أنّ ذلك أدّى إلى تنامي قدرة أصدقاء الأمس، بحسب قولها.
ومن ثم مؤخراً أعلن رئيس وكالة المخابرات الأميركية السابق «جيمس وولسي» في جلسة سرية عقدت عام 2006 حول «مرحلة ما بعد غزو العراق»، ما يلي: «سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، ثم يتمّ انقسامهم على بعض بالنعرات التعصبية، ومن بعدها قادمون للزحف وسوف ننتصر»، وأضاف «إذا استطعنا إقناع الشعوب في العالم العربي بأننا في صفهم، فإننا سننجح كما نجحنا في الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة… وإذا نجحنا في العراق فسننتقل إلى سورية وليبيا والأخريات… نحن نريدكم أن تعرفوا أنه آن الأوان وللمرة الرابعة خلال الـ100 عام الماضية أن تبدأ هذه الدولة – أيّ أميركا – وحلفاؤها بالزحف لتحصد الانتصار»، وقد انتشر خطابه هذا بفعل شريط فيديو بثته قناة «الحياة» المصرية ضمن برنامج «الحياة اليوم». وبهذه الطريقة، عملت الويلات المتحدة المتغطرسة على تعزيز نفوذها وسطوتها وهيمنتها على الدول الضعيفة من خلال زرع الخلايا الإرهابية الضاربة في أمن وسلامة تلك الدول بغية إجبارها على أن تستغيث بقوة بالدول الراعية للإرهاب نفسها.
وفي مقالة سابقة كتبها «جيمس وولسي» في نيسان/ أبريل العام 2003، تحدّث فيها عن «الحرب العالمية الرابعة» التي أعقبت الثالثة أيّ الحرب الباردة، قائلاً «إنّ هذه الحرب، شأن حروب الماضي العالمية، ليست حربنا ضدّ شعوب منطقة الشرق الأوسط، وليست حرباً بين بلدان، بل هي حرب الحرية! ولهذا، على أميركا أن تقنع شعوب الشرق الأوسط بأننا نقف إلى جانبها، بالضبط كما أقنعنا ليخ فاليسا وفاكلاف هافل وأندريه ساخاروف بأننا كنا إلى جانبهم، ولا شك في أنّ هذا سيتطلب وقتاً، وسيكون صعباً». ولكن عن أيّ حرية تتحدّثون؟ الإجابة نجدها بالطبع لدى المنظّرة كوندوليزا رايس في حديثها الصحافي مع جريدة «واشنطن بوست» في العام 2005، والداعية إلى نشر «الفوضى الخلاقة» في الشرق الأوسط، أو لدى الجهبذ هيلاري كلينتون، التي أقرّت في كتابها الجديد «خيارات صعبة»، بأنّ الجماعات التكفيرية كانت صناعة أميركية اضطرارية، أتت لاستكمال مخطط دولتها بتقسيم منطقتنا ولزرع الفتنة فيها، بغية تحويلها إلى جزيئات مكوّنة من سني وشيعي وكردي ويزيدي ومن عربي مسيحي بروتستانتي وأرثوذكسي وكاثوليكي ودرزي.
أما الكاتب الفرنسي تيري ميسان، فيرى أنّ أميركا عادت هذه المرة لتسيطر من جديد على الأوضاع، ولكي تطيح بجيل من الحكام بغية تنصيب الإرهابيين مكانهم، ولتفرض رؤيتهم الظلامية على البلاد التي يحكمونها، من أجل مساندة الصهيونية بحماية مصالح «إسرائيل» في المنطقة. وعلى ما يبدو، فإنّ الويلات الأميركية و«إسرائيل» قد وجدتا أخيراً ضالتهما في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، من أجل تنفيذ مخططاتهما فيه بعدما فشلتا في احتلاله عسكرياً بصورة مباشرة، ولهذا، فإنّ أجهزتهما المختلفة من المتوقع أن تستمر في صناعة المزيد من المنظمات التكفيرية مستقبلاً، وذلك لمحاربة العرب والمسلمين بواسطتها بالنيابة عنهما، ولإبقاء هؤلاء في دوامة طويلة، ولكي يتسنّى لهما لاحقاً أن تتفرّدا بالشرق الأوسط الكبير وتستبيحا حرماته وأرضه وسيادته كيفما تشاءان.
ولكن مع الأسف الشديد، فإنّ أميركا و«إسرائيل» لا تريدان للإسلام أن يظهر بمظهره الحقيقي، ولذلك فقد دفعتا الجهلة لارتكاب الجرائم الإرهابية باسم الدين، وهذا أمر لا تقرّه الشريعة الإسلامية، خصوصاً أنّ كافة النصوص لا تجيز التعدّي، وإنما المقاومة والدّفاع عن الأوطان وردّ العدوان، أو دفع كيد الأعداء، أيّ أنها قائمة على التصدّي للشرّ من أجل حماية المستضعفين، لا من أجل الاعتداء عليهم، وهذا الأمر موضع إجماع عليه من المذاهب الإسلامية كافة وفرقها المختلفة.
ولذلك، فإنّ المواجهة تتطلّب منا إصلاح مناهج التعليم الديني بما يتوافق مع الأحكام الشرعية والأخلاقية الثابتة منذ 1400 سنة، كما تتطلب أيضاً مراقبة المقرّرات الشرعية عقيدة وعبادة وأخلاقاً، حتى يكون التعليم الديني مصدراً للهداية والتوجيه والتهذيب لا مصدراً لزرع الإجرام. ولكن ذلك لن يكون متاحاً لنا إلا إذا حاربنا التعصّب الطائفي والمذهبي من جذوره، ذلك أنّ التعصب بحدّ ذاته هو خروج عن أحكام الدين، لأنه من أعظم الأمور شراً وفساداً ويجرّ على شعوبنا المصائب والويلات لكونه يمنع من سماع الحق فضلاً عن قبوله، ويحمل على الانقياد للأهواء، والانغماس بالأعمال اللاإنسانية بالاستناد إلى حجج وبراهين واهية.
وأخيراً، فإنّ الإسلام كدين يتنافى بطبيعته مع الفكر التكفيري «المشوّه لأحكامه»، خصوصاً لأنه يتوسّل تحريف النصوص الدينية مادياً أو معنوياً بغية استعمالها بأعمال إجرامية. كما أنه يتوسّل بعض الفتاوى المزيّفة التي يطلقها البعض رغبة في جاه أو طمعاً في مال أو تحقيقاً لأهداف سياسية وسلطوية مشبوهة. ولذلك، فإنّ مسؤولية الجميع من الدول والعلماء والنخب والمثقفين أن يقوموا بمواجهة هذا الفكر الضلالي الذي يطال كافة طبقات المجتمع. كما يجب أن يكون هنالك مواقف شرعية وفقهية توعوية من المراجع الإسلامية كافة لمواجهة الجهل الديني، ذلك أنّ الجهل سبّب كلّ بلاء ورأس كلّ خطيئة، فالجاهل عدو نفسه قبل أن يكون خطراً على الدين والمجتمع والإنسانية جمعاء.
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً