وضوء بغداد دماً.. وجاهلية الوهابية!
نظام مارديني
اصطبغت بغداد العزيزة بدماء الأبرياء مساء السبت، ففي لحظات قليلة انمحت ملامح الحياة والعافية والفرح في لعبة شطرنج الوهابية وبيادقها في الداخل العراقي، حيث جاءت هذه الدماء الزكية وكأنها الرد الطبيعي على تلك الانتصارات التي حققها العراقيون، وكان آخرها استعادة الفلوجة من قهرها وفجاعتها وحزنها من يد بيادق آل سعود الذين اخترعوا لهم اسم «داعش».
التفجيرات جاءت عشية تصريحات وزير خارجية السعودية عادل الجبير ودعوته لتفكيك الحشد الشعبي، والغرض من هذه التصريحات إعطاء صورة للعالم أن الحشد لا يختلف عن «داعش». ومَن تابع بعض كتّاب ومثقفي العراق في الآونة الأخيرة يدرك أهداف المطالبة بتصنيف الحشد على أنه منظمة إرهابية، وآخرون دعوا إلى تجريمه.
ولكن هل يستطيع أحد إدانة السعودية بعدما اشترت «الضمير» الأممي.. مثلما اشترت ضمير «المثقف» العربي الذي وضع نفسه مناخ الاحتباس الأخلاقي وأصبح مصنعاً لتبرير القتل؟
بعد تحرير الفلوجة من «داعش»، تلك المدينة التي راهن الارهاب عليها ومن وراءه دول ومنظمات تموله وتسوق أفكاره وممارساته على أنها ثورة ضد الظلم أو تبرر أفعاله وتعدّها ردة فعل على التهميش! ولذلك قامت السعودية بتأسيس عشرات الفضائيات التي تتبنّى خطاباً واحداً وهو التحريض الطائفي من خلال دعاة وإعلاميين وشيوخ لترويج ثقافة الثأر والطائفية بأجمل العبارات، سهلة الابتلاع، وأكثر النصائح المدفونة في حشوات الفتنة، ويدرك آل سعود أن توالي حوادث القتل داخل أسر خليجية مؤخراً، ما كان ليتمّ لولا تأثر أبناء الخليج بالفكر الوهابي الإرهابي الذي يُقنع مَن يحمله بأن كل مَن حوله هم كفار يستحقون القتل، وهذا دليل قاطع إلى النهاية التي تريد تكريسها الوهابية في مجتمع الهلال السوري الخصيب.
في كتابه «البيان والتبيين» دعا الجاحظ، أبوعثمان عمرو بن بحر الكناني رب السموات الى درء «فتنة القول»، ليؤكد في نهاية الأمر بأن لكل زمان «شكلاً من المحنة». ولعل محنتنا اليوم حين نجد أن كلام الفتنة أصبح مراوغاً، يبتعد عن ضبط الإشارة إلى المقصود، ولا يتوانى عن إعادة اليوم ما قاله أمس بإفاضة، كما لا يتوانى عن تكذيب ما قاله أمس متواكلاً على عطل ذاكرة مستمعيه.. وفي أغلب الأحيان يحل أصحاب هذا الكلام ضيوفاً على الشاشات الملونة في آخر الليل، محل فيلم السهرة، وعندما تكون الفتنة بحاجة إلى عود ثقاب، فقط، ليشبّ الحريق.
للعراق العزيز،.. مَن يقتل عائلته بفعل التفكير الوهابي كما حصل في الرقة سابقاً وحصل اليوم في مناطق خليجية، يكون مستعدًا لقتل عشرات العراقيين كما السوريين واللبنانيين والفلسطينيين.. ولذا فإن الانتصار الأكبر هنا ليس في ميدان القتال وحده على أهميته، بل في ميدان الفكر والعقل. وهذه مسؤولية الحكومات والجامعات والمراكز الفكرية والثقافية والبحثية مثلما هي مسؤولية النخب الثقافية أيضاً.
..للسعودية صاحبة فتوى الفتاوى الوهابية التي تجيز للمرأة التفرّج على التلفزيون بشرط أن يكون مغلقاً.. إذا أردتِ القضاء على «داعش» ليخلع السعوديون جلدهم، ولا يكفي أن يخلعوا أوهامهم وأقنعتهم وعباءاتهم.