وليد المعلم مجدّداً: «العقل البارد» و«القلب الحارّ»…

روزانا رمّال

الحديث عن حقيبة الخارجية في أيّ دولة من الدول الفاعلة سياسياً، خصوصاً في الشرق الاوسط، هو حديث عن حقيبة متعددة الاتجاهات والمعايير، فمكانتها تتعدّى كونها العقدة الجامعة لديبلوماسيين من حيث إدارة العلاقة بين سفارات البلد والسفراء مع ما يحتويه هذا من تفاصيل الطواقم الديبلوماسية للبلد، لتتخطى الهوية والدور التنفيذي وتصبّ في رسم صورة ومكانة الدولة التي تمثل إقليمياً ودولياً مرتكزة على ما تمنحها إياه الجغرافيا والسياسة والتاريخ معاً بحدود ما تحمله معها من مخلفات موروثات وبروتوكول وإنجازات حصدتها بتراكم الحيثية السياسية للبلد، حيث لا يمكن التفريط بها كمجموعة عناصر تحت ايّ زمن او ظرف.

تبرز حنكة وزراء الخارجية غالباً في الدول التي تتعرّض لأزمات، فتصبح مسؤولية الوزير سقفاً وحضوراً أعلى بصلاحياته من جهة وسقف التوقعات التي تمنحه إياها الوزارة لمجهوده «أثقل» من جهة أخرى، ليحمل على أساسه مسؤولية حفظ كيان وهوية ومكتسبات بلاده فيداري تصريحاته ويدقق في مقترحاته ويستمهل قراراته.

رسم مكانة الحضور دولياً تعتمد عليها سورية عبر وزارة خارجيتها منذ اندلاع أزمتها التي أدّت إلى عزلها في محافل عربية عدة، فقدّت على هذا الأساس نموذجاً فريداً تمثل بشخصية أضحت رمزاً عند السوريين الساعين إلى فهم ما يدور في فلك مفاوضات أُخذت اليها بلادهم عبر طاقم ديبلوماسي فاجأ بحضوره المتماسك الغرب، فخرجت أولى التعليقات والتقارير الغربية بعد أن همّ الوفد السوري بالظهور في اول جلسة للمفاوضات في فيينا، فكان التنظيم بين الديبلوماسيين مع الفريق الإعلامي لافتاً و»أنيقاً»، حسب وصف صحف بريطانية حينها، في وقت توقع الخصوم ظهور علامات الإرباك على الوفد وسوء التنسيق والفوضى، وهي حال الوفد المعارض الذي لم تتمكن الدول الداعمة له حتى الساعة من تقديمه بصيغته النهائية.

يحتفظ الوزير وليد المعلم بكثير مما يجعل منه رمزاً «يتجدّد» حضوره في أزمة استحق على أساسها التقدير من قيادة بلاده التي تحرص على إمساكه بحقيبة الخارجية مع «نيابة رئاسة الحكومة» في مهمة تحمل في بلد كسورية نوعاً من رمزية التقدير والرفعة لمصاف الشخصية الوطنية وتكريس لأهلية المعلم التي لا تمثل إلا ترجمة لحنكة سياسية ونباهة فريدة أضافها على حقيبة الخارجية في أصعب الأوقات.

لم يسبق أن صدر عن الوزير السوري المعلم موقف حُسب انه «زلة لسان» او اتّهم على أساسه بالتسرّع فاقتضى التعديل.

لم يسبق حتى أن لاحظ المتابعون نشاطه طيلة الأزمة خروجه عن منطق الواقع الذي تعيشه بلاده، حيث لا مكان للمبالغة في حديثه لكن لا مكان أيضاً لأيّ فسحة خيبة يراها تتراءى في أفق بلاده.

برز تماسك المعلم وسرعة بديهته في محطات عدة، وكان بينها حين كان يجيب على اسئلة الصحافيين من كلّ بلاد العالم حيث أتوا ليستجوبوا الوزير «المنهَك» من ازمة عصفت ببلاده ليجيب عن أسئلة دقيقة «كحقيقة وجود السلاح الكيميائي مثلاً وكيفية مواجهة حرب تتوعّد بها واشنطن بلاده»، بكلّ هدوء وفي أغلب الأحيان مع ابتسامة ساخرة تكاد تجعل من خصومه مربَكين بين توتر رافق نظرائه العرب من الراحل سعود الفيصل الى عادل الجبير، وزيري خارجية السعودية خلال الأزمة، وكأنّ نظام بلادهم على المحك وليس العكس في سورية ليقدّم المعلم أسلوباً جديداً من إدارة الحديث الديبلوماسي المفعم بالهدوء والطمأنينة واللياقة الديبلوماسية.

وعلى أن الحرب على سورية نصفها «حرب أعصاب وإعلام» حاول المعلم إظهار موقف بلاده من منطلق المطمئن لما يملك من معطيات وثقة جعلت منه قادراً على إقناع السلك الديبلوماسي بالثبات والتماسك، فيحسب لسورية انه بظلّ ما يقارب ست سنوات لحرب كارثية لم تسجل ايّ حادثة انشقاق تُذكر لأيّ سفير سوري حتى في أشدّ الأوقات صعوبة وخطورة من السنوات الأولى التي مرّت عليها، حيث برزت انشقاقات واضحة على مستوى الجيش ليبقى السلك الديبلوماسي صلباً، وهو هنا الأكثر عرضة للإغراءات بطبيعة الحال والذي من المفترض ان يتمادى ويتماهى مع موجة الانشقاقات التي تبعت سفراء دول الربيع العربي مثل مصر وتونس فيخرج أعداد من السلك وتنضمّ للثورة مع كثرة العوامل التي تجعل من كلّ ديبلوماسي مشروع انشقاق مثل «الحالة الجيدة مادياً ونسبياً»، وغالباً ما تعتاد عائلات السفراء من زوجات وأبناء على نمط معيشي مميّز يجعل من فكرة العروض والإغراءات لحفظ هذا المستوى من المعيشة حاضراً بشكل كبير. هذا بالاضافة الى القرب من مراكز القرار في العالم، حيث لحظ السفير السوري مثلاً في واشنطن او فرنسا او غيرهما من البلدان التي تضغط باتجاه إسقاط الأسد بتضييق وملاحقة ومراقبة. وقد جرى هذا فعلاً بدون أن يقدموا على هذا الانهيار، مضيفين ما يؤكد متانة تكوين هذا السلك وطبيعة عمل وزارة الخارجية وإدارتها.

«عقل بارد وقلب حار»، سمتا هذا الرجل الذي لفت حضوره مع طاقم بشخصيات كاريزمية ما كانت لتكون أفضل من عمر سورية كنائبه الدكتور فيصل المقداد وسفير سورية في واشنطن الدكتور بشار الجعفري. مصدر مقرّب من القيادة السورية يشيد لـ «البناء» بثنائية العمل الفريدة بين الوزير المعلم ونائبه المقداد والتعاون المطلق والجهد المبذول بتنسيق فريد بعمل الخارجية مما جعل مقولة «الشخص المناسب في المكان المناسب» تنطبق على الرجلين في عيون السوريين.

المعلم مجدّداً: وزير الخارجية السوري..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى