يوم القدس… رسالة إنسانية

سلوى عباس

من المحبة كلمة السرّ الأزلية تنطلق رسالة يوم القدس. ومن وحي هذا اليوم تتفتح سنبلة من حنطة الأمل وتتوضح رؤية الخلق المدرك لحتمية الانتصار، عبر مسيرة يتدفق من خلالها لاوعي تتخلله الصحوات، تاركاً لنفسه حرية الانسياب مع مطر المفردات فوق أرصفة الأناشيد، يعزفها أبناء فلسطين والعالمين العربي والإسلامي، الذين ستبقى ثورتهم صدى لصوت فلسطين الحرة والأبية بهم. كرمز لأبنائها الذين يستحقون الانتماء إليها. فلسطين التي علّقت على سحابات الحزن معاطف أبنائها العابقة أرواحهم برائحة الأقحوان المندى بدمائهم التي أبت أن تخون الوطن، فرحلوا وهم على يقين أن حلمهم سيزهر ثورة في وجدان أجيال يتوارثون القضية والإيمان بها حتى يحققوا النصر، فلسطين التي حاول الظلاميون وداعموهم إشعال المنطقة بالحروب والاقتتالات، ليبعدوها عن محور المقاومة، لكنهم أخطأوا الهدف، فهي باقية في الوجدان عبر الأجيال لحمل لوائها والدفاع عنها، مخيبين آمال الصهاينة بأن الكبار يموتون والصغار ينسون فتنتهي القضية، وقد أثبت التاريخ كذب ما فبركوا وما سطّروا من أضاليل، وظل أبناؤها يحملون رايتها بيرقاً موسوماً بالحلم، لتنبت بطولاتهم شجرة من عبق الحياة.

بالأمس، وعلى خطى المقاومين الذين اجتمعوا في مسيرة حاشدة أمام الجامع الأموي في دمشق، إحياء ليوم القدس العالمي وتعبيراً عن اعتزازهم بهذا اليوم، تألقت الأغاني وأقيمت أعراس الوطن، فقد باكر الناس في دمشق سوريون وفلسطينيون الوقت ليكونوا أمام وعدهم الحق الذي يسطرون عبره كرامتهم وكرامة وطنهم. احتشدوا يعبّرون عن حبّهم لبلدهم، وتمسكهم بقضيتهم، وهم يطوّقون عنق الحلم لينسجوا لوطنهم وشاحاً من كبرياء وشموخ.

فلسطيننا الغالية. منك ومعك نتعلم كيف نصنع الضماد لجراحنا، وفي لحظات وهننا نرتمي في حضنك تبلسمين آلامنا وتروين ظمأنا إلى حروف اسمك نجمعها في قارورة حلم نرتشفه قطرة قطرة حتى يطل الصباح. نعاهدك في هذا اليوم أن يبقى قدسك الشريف قبلتنا، وقبلة كل مقاوم عرف معنى الانتماء الوطني والقومي، في هذا اليوم يؤكد أبناء العالمين العربي والإسلامي تمسكهم بقضيتهم ويجددون العهد أن يكونوا أوفياء لرسالتهم العروبية، وأن يسافروا إلى الأبعد، إلى المدى المفتوح على الغد المشرق، ينفضون عنهم غبار الموت الذي حاول الأعداء نثره على أرواحهم، يرسمون في رحابة هذا اليوم فضاءات تليق بطهر قضيتهم، وهذا ما ينطوي عليه يوم القدس الذي أعلنه الإمام الخميني من دلالات ومعاني استثنائية لعل أهمها إبقاء القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان الشعوب العربية والإسلامية. وما إحياء هذا اليوم إلا للتأكيد على ثوابت هذه القضية وقيمها ومعانيها، وأولويتها، وإعطائها بعدها العالمي كنموذج للصراع بين الحق والباطل. ويمثل حالة من الوحدة والألفة بين المسلمين. أما رمزية إعلانه في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، فلأن يوم الجمعة مبارك بشكل عام، ويأخذ الجمعة الأخير من الشهر خصوصيته من ظهور ليلة القدر فيه، هذه الليلة التي يعبّر فجرها عن ظهور الحق، وحيث ستكون القدس مكاناً موعوداً للإعلان عن قيام دولة العدالة الإلهية، وسطوع شمس الحق على الدنيا من خلال تلك الصلاة العالمية في هذا الشهر التي يشارك فيها كل رموز الحق.

كاتبة وإعلامية سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى