روسيا وهدف الحرب على «النصرة»
عامر نعيم الياس
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قبل أيام، تقريراً عن اقتراح رفعه الجانب الأميركي إلى روسيا يشير إلى إمكانية التعاون العسكري بين الدولتين في سورية. هذا التعاون ارتكز على نقطتين رئيسيتين: رأس «النصرة» مقابل تحييد المجموعات المسلّحة المرتبطة بالغرب عن الاستهداف العسكري للجيش السوري والقوات الرديفة. والثانية، التحديد الجغرافي لمناطق تواجد المجموعات غير المستهدفة.
من الواضح أن التعاون الأميركي ـ الروسي الناشئ في سورية، المترافق مع خطوات تقارب إقليمي محورها موسكو، لضمان أكبر قدر من التنسيق في الميدان السوري، تعكس توجّهاً جديداً في إدارة الحرب السورية. هذا التوجّه لا يبتعد عن وجهة النظر الروسية التي تقول بضرورة توازي المسارات السياسية والعسكرية، والتركيز في الدرجة الأولى على مناطق تواجد «داعش» و«النصرة» باعتبارهما القوة الضاربة في سورية ورأس الحربة في المجموعات المناوئة للدولة السورية.
يعود أحد أسباب الاستدارة الأميركية في سورية إلى تصفية ما يسمى «جيش سورية الجديد» في البوكمال من جانب تنظيم «داعش»، وانتقال «النصرة» إلى الهجوم في إدلب وتصفيتها ما يسمّى «جيش التحرير» في كفرنبّل وعدد من القرى المحيطة بها. وهو ما يستلزم مقاربةً أكثر واقعية للميدان السوري تنطلق من ضرورة إقامة مناطق عازلة غير مباشرة بالاتفاق مع موسكو، تكون بمثابة انعكاس على الأرض للنفوذ الأميركي الذي تتم تصفيته في كل مرة يراد للمجموعات المدرّبة أميركياً أن تنزل مباشرة إلى الأرض. هذا حدث مؤخراً مع «جيش سورية الجديد»، وقبله مع «الفرقة 13»، كما حصل مع مجموعة «جمال معروف» وغيرها من المجموعات الأخرى تحت مسمّى «الجيش الحرّ». لكن هل يملك التعاون الروسي الأميركي في سورية حظوظاً؟ وماذا عن سلبيات التعاون؟
الإجابة عن هذا السؤال معقّدة إلى درجة كبيرة. فقبل الخوض فيه يبرز تساؤل لا يقل أهمية، وهو: من هو بديل «النصرة» بالنسبة إلى الغرب والإقليم؟ وهل تقبل المجموعات الأخرى المتحالفة مع «النصرة» على امتداد الجغرافيا السورية بالانفصال عنها، خصوصاً «جيش الإسلام» وحركة «أحرار الشام»؟ ما هو مصير القاعدة المقاتلة التي تؤلف الكيانات التي يراد لها تسمية «معتدلة»؟ هل تحارب «النصرة»؟
ربما ما سبق يفسّر الجنوح الروسي إلى تبني التعاون مع واشنطن في سورية بغضّ النظر عن النتائج بعيدة المدى، ومن دون مناقشة مصير المناطق التي سيتم تحريرها من «النصرة» والتي تشكل هاجساً يسمى «المناطق الآمنة غير المباشرة». ربما الأولوية تبقى لإخراج «النصرة» من إدلب، ثم عزلها عن المجموعات المسلحة الأخرى، وتخليص الدولة السورية من عبء التنظيمين «القاعديين» اللذين يسيطران على أكثر من 80 في المئة من مجموع الأراضي الواقعة خارج سيطرة الدولة. فيما يتم تأجيل البت في المسائل الأخرى إلى ما بعد تكريس الحرب على «النصرة» كما تم تكريس الحرب على «داعش».
«النصرة» نواة التقدم الميداني المضاد للجيش السوري، وهي تعمل كما «داعش» على سحق أيّ بديل لها في الأرض السورية، من أجل ضمان عدم إخراجها من المعادلتين الدولية والإقليمية على الأرض السورية. وهو ما عكسه الهجوم المعاكس في منبج على الأكراد، وتحرّك «النصرة» في درعا وإدلب الذي يعزّز سيناريو إمكانية الاتفاق حول «النصرة» بين موسكو وواشنطن.
الأثمان غالية في المعادلة السورية الناشئة، والتي تتغيّر فيها المعطيات على الدوام. فيما الصراع على المستوى بعيد المدى مستمر، وإن اختلفت أولويات العداء لهذا الطرف وذاك بين فترة وأخرى.
كاتب ومترجم سوري