الصواريخ المحمولة على الكتف… بين الحلم السعودي والواقع الأميركي
عامر نعيم الياس
أثارت الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية، ولقاؤه الملك عبد الله بن عبد العزيز، اهتمام الصحف الغربية مجتمعة لأهميتها على الصعد كافة، في ضوء التطوّرات الأخيرة على الصعد الدولية والإقليمية وحتى الداخل السعودي، وملف الحكم في ضوء التسريبات الإعلامية التي غمزت من قناة تدهور صحتَيْ الملك عبد الله وولي عهده الأمير سلمان. وفعلاً، عُيّن الأمير مقرن، أصغر أبناء عبد العزيز، وليّاً لوليّ العهد، في سابقة هي الأولى من نوعها في مملكة آل سعود.
ومن الطبيعي أن يكون الملف السوري حاضراً في هذه الزيارة كونه الأسخن والأهم في المنطقة التي تعيش وسط عواصف «الشتاء العربي»، بحسب توصيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد دفع هذا الملف والغموض الذي يلفه في ضوء ارتباك الموقف الرسمي الأميركي منه، الصحافة الغربية عموماً والأميركية خصوصاً، إلى طرح فرضية تسليح الجماعات المسلّحة في سورية بصواريخ أرض جوّ محمولة على الكتف، وذلك بحجة إعادة الدفء إلى العلاقات بين واشنطن والرياض، بعد رفض إدارة أوباما التدخل العسكري المباشر في سورية، وبعد الاتفاق النووي مع إيران الذي رفع منسوب القلق داخل المملكة إلى أعلى مستوياته، ودفع بعض الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا إلى استغلال هذا الأمر، ومحاولة الترويج لتراجع التحالف الأميركي ـ السعودي مقابل التحالف الاستراتيجي الفرنسي ـ السعودي.
«لوس أنجلوس تايمز» الأميركية عنونت أحد تقاريرها قبيل الزيارة، «الرئيس أوباما يفكر بإرسال صواريخ تحمل على الكتف للمتمرّدين السوريين»، فيما تحدثت صحيفة «واشنطن بوست» على لسان الصحافي ديفيد إغناتيوس عن خطة أميركية من ست نقاط لتسليح المتمرّدين السوريين، بحسب وصفهم، تقوم على مضاعفة عدد المقاتلين السوريين لتدريبهم في معسكرات تديرها الولايات المتحدة في الأردن وفي شمال المملكة العربية السعودية وفي قطر. وتكليف وكالة الاستخبارات المركزية بدلاً من الجيش للإشراف على برنامج التدريب. وإعطاء الإذن الأميركي للمملكة العربية السعودية لتوريد عدد محدود من قاذفات صواريخ المضادة للطائرات، والمعروفة بِاسم منظومات الدفاع الجوّي المحمولة.
في مقابل ذلك، وتزامناً مع انتهاء الزيارة، دفعت الصحف الأميركية بسلسلة تقارير تتحدّث عن «عدم اتخاذ قرار نهائي بشأن التسليح، وبأن أوباما قد يرفض المقترح في نهاية المطاف»، بحسب «واشنطن بوست»، فيما حسمت «نيويورك تايمز» الجدل بقولها إنه من «غير المرجح حدوث تغيير في السياسة الأميركية نحو سورية في الوقت القريب»، على رغم «خطر القاعدة على أوروبا والولايات المتحدة عبر إقامة قاعدة متقدّمة للجهاد في سورية» بحسب تعبير مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان، وهو أمر يصبّ في خانة كبح أيّ اندفاعة نحو تغيير الموقف الأميركي من مسألة ما تسميه المملكة السعودية «رفع منسوب التسليح النوعي للميليشيات المسلحة بهدف تغيير التوازن على الأرض في سورية»، إذ إن الاستراتيجية الأميركية بعد عزل بندر وتعيين محمد بن نايف مسؤولاً عن الملف السوري، تقوم في المدى المنظور على ما يلي:
1 ـ فلترة قنوات التسليح وإجبار الدول داعمة الإرهابيين في سورية بالمرور الإلزامي عبر القناة الأميركية للتسليح، سواء للموافقة على نوعية السلاح المقدّم، أو لتحديد الجهة التي يذهب إليها هذا السلاح، وفقاً للتعريف الأميركي للمسلحين المعتدلين والمتطرّفين.
2 ـ محاولة الولايات المتحدة الأميركية الحفاظ على مستوى معيّن من استنزاف الدولة السورية والمحور الذي تنتمي إليه على الأرض السورية، إمعاناً في خدمة المصالح الصهيو ـ أميركية في المنطقة.
3 ـ وجود تخوّف أميركي جدّي من خروج الأمور عن نطاق السيطرة في سورية لجهة هذا التجنيد غير المسبوق للإرهابيين من كافة دول العالم للقتال ضد الدولة الوطنية في سورية، في ضوء هجرة قيادات القاعدة من باكستان إلى سورية ومحاولة تأسيس قاعدة خلفية للجهاد تضمً «سوريا الكبرى» بحسب توصيف «نيويورك تايمز الأميركية»، إذ تشمل القاعدة الجديدة كلّاً من سورية والأنبار في العراق، ولبنان.
4 ـ بقاء المحاذير الأميركية على حالها من ملف تسليح الميليشيات المسلحة في سورية، إن لجهة عدم وجود قيادة مركزية لها، أو لجهة الصراعات المستجدة بين السعودية من جهة، وقطر وتركيا من جهة أخرى، حول مناطق النفوذ داخل سورية وقوائم الإرهاب التي باتت عنصر ضغط سياسيّ وإعلاميّ في الحرب المستعرة بين مموّلي الجماعات الإرهابية في سورية.
5 ـ التقدم النوعي الذي يحرزه الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض في سورية، فرض على الإدارة الأميركية التعامل مع الوضع الراهن في سورية على أساس دفاعي يبقي على استنزاف بالحد الأدنى في مواجهة التقدم المدروس والممنهج للجيش العربي السوري على كافة الجبهات.
الرهان على الميدان يبقى العامل الأساس في بلورة استراتيجيات الدول المشاركة في الحرب على سورية ومحور المقاومة في المنطقة، وفي هذه النقطة تحديداً، استعيد زمام المبادرة من قبل الجيش العربي السوري، وفرض إيقاعه على أرض المعركة بما يسقط الوهم الخليجي، ويفشل أي تكتيك غربي لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.