تقرير

كاتبة المقال مضاوي الرشيد، أكاديمية من أصل سعودي، تعمل أستاذة للأنثروبولوجيا في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية. ونُشِر المقال في موقع «Al-Monitor»:

منذ تعيين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لولي العهد وولي ولي العهد في 2015 لإدارة المملكة، يحاول عدد من المراقبين اختراق الستارة الحديدية حول من يخلف الملك، ويتنافسون على فهم ـ أو على الأقل توقع ـ منطق الخلافة الملكية، وما يخلفه من منافسة محتملة.

لاحظ الجميع تنامي سلطة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي طغى على ابن عمه، ولي العهد الأمير محمد بن نايف، والتي تحدثت تقارير حديثة عن مرضه وقرب وفاته، في حين يقول البعض أن ولي ولي العهد يسعى إلى زيادة سلطته في ظل وجود والده على قيد الحياة، لتأمين منصب الملك مستقبلاً.

خلافة الملك في السعودية هي من بين الأمور الغامضة، إذ تعدّ من صلاحيات الملك تحديد من يخلفه في الحكم، ويقتصر العلم بالأمر على الدائرة المقربة من الأمراء والمقربين المطلعين على خباياها. وعلاوة على ذلك، وبينما حقق محمد بن سلمان ظهوراً بارزاً بفضل حرب اليمن، وزياراته المنتظمة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وخطته الاقتصادية بعنوان «رؤية 2030»، يظل محمد بن نايف، والذي يشغل منصب وزير الداخلية، بمثابة الدولة العميقة الحقيقية في السعودية.

ربما لن يرغب سوى أمير صغير أخرق في اختراق تلك الدولة العميقة، والتي تعدّ عبارة عن امبراطورية من أجهزة الاستخبارات، والمؤسسات الشرطية، وقوات الطوارئ، إضافة إلى عدد كبير من العاملين في الخدمة المدنية، والقضاة، ومسؤولي السجون، ورجال الدين الوهابيين. وربما أيضاً لا يغير تلك الدولة العميقة سوى مرض خطير أو وفاة زعيمها. ولن يتنازل بن نايف عن هذه الامبراطورية إلا إذا أصبح ملكاً. ونظراً إلى عدم وجود أبناء يخلفونه، سيكون عليه إعداد وزير بديل قريباً.

لم ينشغل السعوديون كثيراً بقضية خلافة الملك، فدائماً ما كانوا مجرد مشاهدين للدراما الملكية في هذه القضية. بعد وفاة كل ملك، يُستدعى السعوديون من مختلف الطبقات لقسم يمين الولاء «البيعة» وفقاً لشريعة الإسلام.

في كانون الثاني من عام 2015، لم يكن تولّي المَلك سلمان الحكم استثناءً، فسرعان ما جاءت الجموع لتعلن ولاءها له. اليوم، لم يعد على السعوديين إعلان الولاء للملك فقط، بل لعدد من كبار الأمراء أيضاً، وهذا الأمر يعتبر بِدعة في الدين بالنسبة إلى الوهابيين الذين يمثلون كبار رجال الدين في الدولة.

يسرع السعوديون في إعلان بيعتهم قدر الإمكان، خوفاً من أن يموت أحدهم قبل أن يبايع الحاكم فيموت «ميتة جاهلية» أي أنه «مات وليس في عنقه بيعة». مهما كان الحاكم ظالماً، فالأفضل هو الإسراع والقسم بالولاء له. حتى وإن كان سارقاً، أو يجلد الناس من دون سبب، فأنت ملزم بالولاء له وعدم الخروج عليه.

يستند كل ذلك إلى أحاديث موضع اختلاف تُنسَب إلى النبي محمد، لكن ليس هناك مجال للطعن أو النقاش. في السعودية، يروّج الوهابيون لضرورة الولاء للمؤسسة السياسية التي تدفع رواتبهم، وتُعتبر سبباً في استمرارهم. في الوقت الذي لدى أغلبهم علاقات بالأمير محمد بن نايف كدعاة وقضاة ومعلمين وأفراد الشرطة الدينية، إلا أنهم انزعجوا بشدّة ـ وربما شعروا بأنهم أقل ولاءً- عندما قام الملك بالحدّ من صلاحياتهم، فقد منع الملك سلمان الشرطة الدينية مؤخراً من القبض على المواطنين بتهمة انتهاك الآداب العامة. لكن هذا المرسوم لم يُطبّق بنجاح تام، فقد ألقت الشرطة الدينية القبض على شباب في مكة مؤخراً بسبب قصات شعرهم التي وصفوها بالمخالِفة للإسلام.

بالنسبة إلى من لا يستطيع الذهاب إلى قصر الملك من أجل البيعة، فقد قدّمت التكنولوجيا الحديثة حلاً لذلك، فهناك البيعة الإلكترونية، و«هاشتاغ» نشِط على موقع «تويتر». كل ما عليك فعله هو إعلان ولاءك من خلال المشاركة ببضع كلمات تدعو فيها لأولياء أمور المسلمين بدوام الصحة وبالسداد والتوفيق. عندما تولّى الملك سلمان الحكم، صنع بعض المعلمين نماذج من الورق المقوى عليها صورة الملك سلمان مع وجود فتحة حول مكان يده ليتمكن الأطفال من مصافحته وإظهار الولاء له. هذه الأساليب الحديثة لهذا التقليد القديم هدفها تعليم الأطفال الصغار الخضوع طواعيةً، والتي يراها البعض نوعاً من العبودية.

لا يريد أحد أن يكون آخر من يعلم عن تطورات الخلافة. ولكي لا يشعروا بالحرج، يقول السعوديون إنّ الذين يعلمون أسرار الخلافة لا يتحدثون، ومن يتحدثون لا يعلمون. إنها وسيلة بارعة لتبرير التهميش والحرمان من حق التصويت. وإذا ما تحدّثوا إلى مراسلين أجانب عن الخلافة والصراع عليها فإنهم يفضّلون عدم الكشف عن هويتهم.

لا يمكننا إلقاء اللوم عليهم، فمن يتكهن علناً من السعوديين بموت وشيك للملك، أو يتحدّث عن مرض أحد كبار الأمراء، يمكن أن يُسجن، أما المراسلون الأجانب فيتم إعطاءهم 48 ساعة للخروج من البلاد. على الرغم من ذلك، لم تتوقف التكهنات بشأن الخلافة الملكية أبداً في المحادثات التي تتم في السر داخل السعودية.

كانت هناك طرق عقلانية للتعامل مع عدم إمكانية التنبؤ في شأن الخلافة في السعودية. ففي عام 1992، قدّم الملك فهد ـ الذي تُوفّي عام 2005 ـ النظام الأساسي للحكم، وهو نظام يشبه الدستور في الدول الأخرى، ليتم استخدامه إلى جانب القرآن الذي يُعتبر هو الدستور السعودي. وقد أكد هذا النظام على حق آل سعود في الحكم، وأن الأصلح منهم للحكم والأكثر حكمة يُبايَع ملكاً. لكن «الأصلح» كلمة غامضة، وبسببها يتم استبعاد أمراء كبار ويتم إحضار آخرين لخلافة الملك. والأكثر حكمة تعبير غامض كذلك، فهي لا تعني الأقدم، بل تعني الأصلح للمنصب.

تسبب هذا الغموض في بقاء عدد من الأمراء الكبار الساخطين من دون منصب. في عام 2007، أسس الملك عبد الله هيئة البيعة، والتي تتكون من 33 من كبار الأمراء والتي تختار الملك المقبل. قام الملك عبد الله أيضاً بتعيين سلمان ولياً للعهد، كما أوجد منصب ولي ولي العهد، واستقرّ في النهاية على جعل الأمير مقرن ولياً لولي العهد، وذلك في السنوات الأخيرة من ملكه. توقّع الملك عبد الله أن يحترم الأمراء أوامره الملكية، لكن عندما تولّى الملك سلمان الحكم، ما لبث أن قام بعزل الأمير مقرن، وتعيين أميرين أصغر منه سناً، وبالتالي استبعاد باقي إخوته، وأبناء إخواته، وأبنائه الآخرين.

ما الذي نستخلصه من ذلك؟ أن الخلافة السعودية لا قاعدة أو نمط محدّداً لها، فلا نستطيع التنبؤ بالملك المقبل على أساس السنّ أو أي عامل آخر. الملك هو من يضع القوانين، وقد يفعل ذلك متجاهلاً جميع النصوص المكتوبة واللجان القائمة المعنية بشؤون الخلافة. لذلك، ما دام الملك سلمان على قيد الحياة، فهو المتحكم في السياسة الداخلية للمملكة، بما في ذلك المنافسة بين الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان.

إن المنافسة علناً مخاطرة كبيرة لكلا الأميرين، فهناك أسلوب للعمل بينهما، لكن يظل الملك هو الحكم الأخير. لن يخاطر الأميران بالتنافس في العلن حتى لا يؤدّي ذلك إلى حدوث زعزعة بين آل سعود قد تؤدي في النهاية إلى زوالهم. في الوقت الحالي، لا تزال الستارة الحديدية قوية، في حين يحاول المراقبون السعوديون والأجانب تفسير الأمر وتوقّع ما يمكن حدوثه، إلا أن هذه التوقعات تستند على معلومات محدودة للغاية وغير موثوقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى