تعايش أم تنسيق مع الأسد؟!
سعد الله الخليل
لم تأت التصريحات المسرّبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قبوله بفترة انتقالية في سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد عن عبث، ولا نتاج صحوة ضمير سياسية مفاجئة عصفت بـ»سلطان القرن»، ولا وفق رؤية ثاقبة لمجريات التطورات في المنطقة والمعادلات الجديدة التي فرضها توقيع الاتفاق النووي، وصلابة الدخول الروسي المباشر على خط الأزمة السورية، واستنفاذ آمال المراهنة على عامل الزمن، لضمان تراجع روسي عن دعم القيادة السورية في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي دعمتها أنقرة بالتنسيق المباشر مع واشنطن، عبر بوابات عدة أبرزها فتح حدودها ومستودعات ذخيرتها لدعم تنظيمات قاعدية الهوى والهوية.
الخطوة التركية وبالرغم من تناقضها مع جملة التصريحات التركية لم تكن مفاجئة بالنظر إلى جملة المعطيات والظروف التي يمرّ بها الرئيس التركي، الذي لم يكن يقدم على خطوة الاعتذار من روسيا لولا إدراكه استحالة الإمساك بطوق نجاة بعيداً عن موسكو، بعد خسارته الورقة الأوروبية والأميركية، ولو كان الثمن استدارة صوب دمشق بثمن التطبيع الروسي اليوم، أفضل من أن تكون مجانية في قادمات الأيام، حين تستكمل القوات السورية وحلفاؤها إحكام الطوق على حلب آخر آمال أردوغان ببناء أحلام في سورية.
من بوابة الحرب على تنظيم «داعش» والتنسيق مع الروس دخلت الإدارة الأميركية مرحلة جديدة من التعاطي مع الأزمة السورية، عنوانها الرئيسي الاستثمار في محاربة الإرهاب والحدّ من مخاطره وتبعاته في المنطقة وانعكاساته خارج نطاق الجغرافية السورية والاقليمية، وبناء عليه أمّنت الأرضية اللازمة لتغيير سلوكها في المشهد السوري، بما يقتضي تحليل مضمون سياساتها ونتائج دعمها مشروع إسقاط سورية على الأرض، وعجز من عوّلت عليهم في إحداث اختراقات ميدانية قادرة على تغيير موازين القوى، بما يسمح لأصدقاء واشنطن بالاستحواذ على مساحات جغرافية تسمح بالضغط على القيادة السورية لتقديم تنازلات، فالدعم الأميركي للأكراد وبقناعة الأميركي يتوقف عند حدود منبج بعد فشله بالوصول إلى الرقة، فيما عجزت قوات ما يسمّى بـ»الجيش السوري الجديد» من إثبات جدوى رغم الدعم الجوي الكبير من قبل قوات التحالف الأميركي ومشاركة أفراد من القوات البريطانية والأردنية بين صفوفه بصفة استشارية، وعجزت عن إقناع موسكو ودمشق بتحييدها الضربات الجوية، وهو ما يعني إبقاء المواجهة في حدودها الدنيا بانتظار فرصة سانحة لإيجاد ظروف أكثر ملاءمة للمضيّ في الحرب على سورية، وفي هذا السياق تأتي التسريبات الأميركية عن تنسيق روسي أميركي لمواجهة تنظيم «جبهة النصرة» ذراع تنظيم «القاعدة» في سورية والحصان التركي في الميدان، مقابل تحييد جماعات أخرى تصفها واشنطن بالثورية ولا تعتبرها الولايات المتحدة جماعات إرهابية.
الخطوة وإنْ بدت في ظاهرها تعاوناً في الحرب على الإرهاب، إلا أنّ التفاصيل تكشف المخطط الأميركي، فالجيش الأميركي لن يزوّد القوات الروسية بالمواقع المحدّدة لهذه الجماعات بل سيحدّد مواقع جغرافية آمنة لن تطالها الغارات الجوية التي يشنّها الطيران الروسي والسوري، وبالتالي تأتي الخطوة كعودة إلى نغمة المناطق العازلة إنما بالتراضي هذه المرة مع موسكو، وهو ما لا يمكن أن تقبل به روسيا ودمشق، في ظلّ القناعة التامة بأنّ واشنطن لا تبدو مستعدّة للدخول في حلّ الآن للأزمة السورية، بل تترك لتداخلات الميدان أن تحدّد ما إذا كانت ستدخل هذا الاستحقاق أو ستتركه لإدارة لاحقة في ظلّ الاستثمار الأميركي الأمثل للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، وبناء عليه تفضل إدارة أوباما البقاء في حالة لا حرب ولا سلم البيئة الأمثل للسياسات الأميركية، وهو ما أبعد مقام الرئاسة السورية عن المداولات الجدية المتعلقة بالشأن السوري.
تروّج الدوائر المقرّبة من مراكز صنع القرار الأميركي ووسائل الإعلام التركية عن تعايش تركي أميركي مع بقاء الرئيس الأسد على سدة الرئاسة، وهو ما يطرح تساؤل متى خرجت العلاقات الأميركية السورية والتركية السورية خارج نطاق التعايش؟! وهل وصلت في يوم من الأيام على مدى عقود إلى التنسيق المباشر في أيّ من الملفات؟