أميركا تخسر أوراقها… وأوباما يستعدّ للرحيل
د. خيام الزعبي
دعم الطيران الأميركي «جيش سورية الجديد» في معركة مدينة البوكمال السورية المتاخمة للحدود العراقية لمواجهة تنظيم داعش، لكن في ذروة المعركة واللحظة الحرجة ترك حليفه الأميركي ساحة المعركة وتوجه إلى الفلوجة في العراق، واضطر مقاتلو هذا الجيش للانسحاب بعد فشل العملية، مما شكل هزيمة قاسية وضربة قوية لخطط وأهداف أميركا بشأن تشكيل وحدات محلية قادرة على مواجهة الإرهابيين، بعد أن درّبتها في الأردن، وزوّدتها بأحدث الأسلحة والتقنيات المتطورة الجديدة.
برهن هذا الجيش أنه غير قادر على تحقيق أيّ انتصار في المستنقع السوري، بل على العكس مُني بخسارة فادحة في أولى معاركه ضدّ تنظيم داعش وأدواته من المجموعات المسلحة حيث قتل أكثر من 200 مقاتل منه في منطقة البوكمال وجرح واعتقل العشرات منه، لكن التساؤل المهمّ يبقى: لماذا غامرت أميركا بهذه الحرب الفاشلة؟ خاصة أنّ قدرات قوات سورية الجديدة، لا تقاس بالقدرات العسكرية التي توافرت لدى تنظيم داعش المتمرّس في الحروب، والمستعدّ دوماً للموت، والهجوم على خصومه بالعربات المفخخة والأحزمة الناسفة، فضلاً عن العدد القليل من المقاتلين الذي يملكه جيش سورية الجديد.
إذاً هدف أميركا الأساسي من هذه المغامرة هو وضع يدها على أهمّ المعابر على الحدود السورية العراقية، واستدراج الجيش السوري ليدخل معها في سباق بعيد عن الحدود العراقية، لقطع الاتصال بين العراق وسورية، وبين إيران وسورية ولبنان، بعد أن عملت أميركا أكثر من مرة على تأجيل معركة تحرير الفلوجة لمنع الجيش العراقي من الوصول إلى الحدود السورية وتطويق داعش، ومنع وتقطيع خطوط إمداده، وعلى صعيد آخر أنّ ما تريده أميركا من» جيش سورية الجديد»، هو أن يكون لها أداة على الأرض تستطيع من خلاله أن تظهر نفسها أنها من يسعى لتحرير المنطقة من تنظيم داعش خاصة أنّ أول عنوان طرحته هو تحرير مدينة الرقة، وفي حال حققت هذا العنوان فتكون بذلك قطعت الطريق على الجيش السوري وحليفه الروسي بأن ينطلق من مدينة تدمر باتجاه الرقة، والهدف الآخر هو التنافس مع روسيا التي تنسق بشكل مباشر مع الجيش السوري في عملياته على الأرض والتي تصرّح دائماً بأنّ القوة الوحيدة التي تقاتل داعش هي الجيش العربي السوري، فكان لا بدّ من إيجاد هذه القوات الجديدة كورقة تستخدمها أميركا في أيّ تسوية للأزمة السورية.
في سياق متصل تؤكد معركة البوكمال أنّ التحالف الأميركي ضعيف على الأرض، ولا يمكنه منافسة التحالف الروسي الإيراني السوري العراقي، ومعهم حزب الله اللبناني، فقد فشلت أميركا في حربها على سورية، والبديل الوحيد الذي كان متاحاً لها هو تشكيل قوات برية من دول التحالف تجتاح الأراضي السورية، لكنها رأت أنّ هذا الخيار قد يؤدّي إلى صدام مع سورية وروسيا وإيران، لتتحوّل الحرب بالوكالة إلى حرب عالمية لا يمكن التكهّن بنتائجها، وكان الاختيار الأخير لأميركا هو اللجوء إلى أكراد سورية ودعمهم ببعض العناصر القبلية، لكن أكراد سورية ليس لديهم العدد ولا الدافع للإقدام على مغامرة فاشلة لا تحقق أي إنتصار.
إنّ نجاح الجيش السوري وحلفائه في تحرير مزارع الملاح بالكامل، وقطعهم نارياً طريق الكاستيلو خط الإمداد الوحيد للمسلحين إلى حلب، بالإضافة الى خطط تركيا لتغيير استراتيجيتها وأولوياتها في سورية، بالتخلي عن الدعم المباشر للجماعات المسلحة المعارضة للحكومة السورية، وإعتذار أردوغان عن إسقاط السوخوي الروسية، وما سيتبعه من تعديل في الموقف التركي من الأزمة السورية سيقرّب من نهاية داعش وأدواتها في سورية، التي أصبحت عبئاً ثقيلاً على داعميها، وليس لديهم ما يقدّموه لها في ظلّ الظروف الاقتصادية العصيبة التى تمرّ بها المنطقة.
ها هو الرئيس اوباما يستعدّ للرحيل وجملة أوباما الشهيرة «على الأسد أن يرحل» تبخرت في الهواء، وأصبحت فرص الجيش السوري فى دحر التنظيمات المتطرفة على الأرض تزيد يوماً بعد يوم، وهو ما يقلق الإدارة الأميركية بوضوح، فالتقدّم الكبير للجيش فى ميدان القتال وخاصة حلب سينعكس بالضرورة على طاولة المفاوضات المعطلة، سيعزز موقف الدولة السورية في أي مفاوضات دولية مقبلة، لأنّ من يسيطر على الجغرافيا ميدانياً هو الأقدر على فرض شروطه، وبالتالي تجاوز عقبتين أساسيتين فى ميدان المعركة الدبلوماسية، الأولى استبعاد خيار الأسد خارج المعادلة بالحرب أو بالمفاوضات، والعقبة الثانية هى سقوط خيار الكونفدرالية الذي لوّحت به بعض الفصائل المعارضة التابعة لواشنطن، بمعنى أنّ انتصار الجيش السوري وتحريره المناطق من الدواعش أسقط ورقة تقسيم سورية وأسقط المشروع العدواني على سورية ومن يقف وراءه من قوى عربية وإقليمية ودولية.
مجملاً… إنّ جهود الجيش الأميركي لمواجهة داعش في سورية تواجه انتكاسة وهزيمة جديدة، بعدما تغلّبت داعش المتطرفة على المجموعة الوحيدة الباقية من برنامج وزارة الدفاع الأميركية الفاشل لتدريب وتسليح «جيش سورية الجديد»، لكنها خسرت الرهان أمام الجيش العربي السوري منذ ان دقت ناقوس العداء والكراهية والحقد للشعب العربي السوري، لذا مصيرهم مثل من سبقهم من القاعدة، لأنّ الجيش السوري المرابط في ساحات القتال يمرّ بأعلى مراحله وسيتمكّن من خلال تكاتف الجميع من هزيمة داعش وإعادة الأمن والاستقرار لوطننا، بما يؤكد القدرات النوعية التي يمتلكها جيشنا الذي أكد حضوره الفاعل في ميادين القتال، والذي يشكل الدرع الحصين لحماية الشعب والوطن مما يدبّر له من مؤامرات عبر حرب مفتوحة تحاول استلاب سورية موقعها ودورها وتأثيرها في المنطقة.
كاتب سياسي
khaym1979 yahoo.com