تركي الفيصل: هكذا يلاحقنا طيف «الخميني»
روزانا رمّال
لا تبذل المملكة العربية السعودية جهداً من أجل تبرير أمرين أساسيين بالتعامل مع الجوار سياسياً وأمنياً، نظراً إلى حجم المخاوف التي تبثها الضبابية بإطارهما منذ اندلاع شرارة أزمات الربيع العربي. الاول: نفي حقيقة وجود اتصالات بين أمراء ومسؤولي أمن سعوديين وبين مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، وما يعني هذا من تأسيس لمنطق التطبيع الجدّي مع الكيان الإسرائيلي، والثاني مؤخراً وهو ما صدر عن الأمير تركي الفيصل في باريس والمتعلّق بدعم المعارضة الإيرانية بوجه النظام الحالي، وهو ما لم يعرف اذا كان ترجمة لسياسة الملك سلمان بن عبد العزيز وإدارته أم أنه استكمال لإدارة الملك عبدالله بشكل معلن هذه المرة، أم أنه لا هذا ولا ذاك ويتصل بكونه ارتجالاً من الأمير تركي كـ»فاعل خير» من أجل المساهمة في مساعدة المعارضة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق وبالوقوف عند استخلاص الفوارق بين الإدارة الملكية الحالية لسلمان والإدارة السابقة للملك عبدالله، فإنّ الاختلاف واسع بشأن التعاطي مع امور دقيقة من هذا النوع، فمثلا لدى اندلاع الأزمة السورية صدر تقرير في صحيفة «سانداي تايمز» البريطانية اتهم فيه وقتها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بلقاءات سرية مع مسؤولين إسرائيليين والتنسيق في ما خصّ الخطوات المفترَضة لإسقاط النظام في سورية وما يترتّب على الطرفين عسكرياً وسياسياً ليتبعه تقرير تحدّث عن هبوط طائرة سعودية لأول مرة في مطار تل أبيب تحدثت عنها «يديعوت احرونوت» ايضاً. وهنا انتفض سعود الفيصل وسارع لنفي الكلام جملة وتفصيلاً، معتبراً أن ما تنشره الصحيفتان البريطانية والإسرائيلية كلّ في توقيتها هو «كذب».
هذا الأمر لم يحصل اليوم وموقف المملكة من مشاهد حية لمصافحات علنية واتهامات بالتعاون مع إسرائيل لا يُجبرها على تبريرها، ما يعني أنها لم تتوقف منذ سنوات وأنها رغبة سعودية قديمة، لكن بأسلوب معالجة جديدة.
منذ عام 2010 حتى 2014 وصولاً الى 2016 بإدارتين مختلفتين للمملكة لقاءات ومصافحات متكرّرة بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين سعوديين على هوامش مؤتمرات دولية حيناً وفي ندوات ومحاضرات لمعاهد دراسات حيناً آخر، شوهد منها لقاء لافت بين تركي الفيصل ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق لنتنياهو يعقوب اميدرور خلال حضورهما ندوة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط في شهر أيار الماضي من هذه السنة 2016.
السنوات القليلة الماضية شهدت أيضاً بعض المتفرّقات المريبة بين مصافحة داني ايالون لنظيره سعود الفيصل وزير الخارجية الراحل ولقاءات بين تسيبي ليفني وتركي الفيصل وتبادل ابتسامات وتحيات ورسائل على المنبر بينهما إضافة إلى لقاءات له مع مسؤولين استخباريين كرئيس الاستخبارات الأسبق عاموس يدلين في بلجيكا عام 2014.
تركي الفيصل إذاً، بدوره الثابت والمشهود يبرز استعداداً وتمسكاً مضاعفاً بالحفاظ على ما يعتبره قناعة بدت واضحة من خلال خطابه الموجّه للمعارضة الإيرانية في باريس، وهو ما لا يمكن اعتباره كلاماً عرضياً. وهنا ليس الحديث عن قدرة السعودية القيام بإسقاط النظام الإيراني كما قال، او ربما الفيصل وحده ومجموعته الجديدة، إنما عن تبرير عداء الفيصل لإيران وهو الذي وضعه باطار اعتبار ان «مؤسس الثورة الإيرانية الإمام الخميني أسّس لمبدأ «تصدير الثورة» الإيرانية إلى الدول العربية والإسلامية، وهو ما خلّف نزاعات كبيرة في دول العالم الإسلامي»، معتبراً أنّ «النظام الإيراني يدعم جماعات طائفية لزعزعة الاستقرار في دول عدة».
كلام الفيصل هنا، يضع نصب عينيه ثابتة اساسية تشرح كلّ ما في الأمر، ربما من كراهية نابعة من قلق على اسقاط النظام السعودي فهو يعتبر انّ تجربة الامام الخميني ناجحة لدرجة تهديد نظام المملكة العربية السعودية والجوار. فهي اصبحت واحدة من مرتكزات البناء على ثورات الشرق الاوسط المعاصرة والناجحة، وهي أحد أبرز ما يقلق العائلة المالكة. يدرك الفيصل انّ خطر اندلاع ثورة كبرى بالبحرين هو احتمال شديد الخطورة، وقد يصبح واقعاً في أي لحظة تشتدّ فيها الأمور ويدرك ايضاً ان ثورة من الناحية الشرقية بالسعودية قادر على نشر المشهد على كافة الأرض السعودية. يعرف تركي الفيصل انّ المخاطر المحدقة بالسعودية من جهة اليمن باتت أكثر خطراً من أي وقت مضى ويعترف ايضاً انّ ثورة اليمن نجحت في خلق واقع جديد سحب التفرّد والبساط من تحت أرجل السعوديين، فدخلت إيران على خط الأزمة وكلّ هذا كلام صحيح ومخاوف مشروعة بدون شك.
السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه اليوم هو التالي «طالما انّ الفيصل يعلم قدرة إيران وتأثيرها ونفوذها والعقيدة التي أرساها الخميني في المنطقة، فلماذا لا ينطلق من اعتبار أنّ هذه الوقائع والمخاوف في البحرين واليمن والناحية الشرقية في السعودية هي أبرز ما سينسف حديثه وخطابه «الثوري» باعتبار أنّ شيئاً غير قادر على ضمان ردّ فعل إيران في البحرين والسعودية وما سينعكس على باقي بلدان الخليج من إمارات وممالك، بالتالي كان من الأجدر أن يرتكز كلام الفيصل على وقائع محسوبة أكثر بالنسبة للمعارضة الإيرانية اليتيمة.
ماذا يقول الفيصل عن عجز الرياض سنة ونصفاً من حسم حرب اليمن لصالحها؟ ماذا يقول عن توقيع الاتفاق النووي مع الغرب أي عن إيران القوية اليوم؟
روح الخميني تطارد آل سعود وتصيبهم بالهذيان السياسي.