سلام: حذارِ السقوط في فخ الاستثمار السياسي لملف النزوح
أطلق وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس منهجية «خرائط المخاطر والموارد»، في السراي الكبير، برعاية رئيس الحكومة تمام سلام، وحضور وزراء العمل سجعان قزي والبيئة محمد المشنوق والمهجرين أليس شبطيني، سفير بريطانيا هيوغو شورتر، المنسق المقيم والمنسق الإنساني للأمم المتحدة والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان فيليب لازاريني، وحشد من السفراء والمحافظين وفاعليات بلدية واجتماعية وممثلين عن الدول المانحة.
وألقى سلام كلمة أشاد فيها بالجهود التي تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية والوزير درباس في التعامل مع ملف النزوح السوري، وقال: «عندما اعتمدنا في حكومتنا الموقف الواضح الداعي الى ضرورة دعم المجتمع الحاضن للنزوح كان ذلك بداية للمضي في إقرار سلسلة من المشاريع والتوجهات واتخاذ القرارات المناسبة التي تحقق هذه الغاية. وما مشروع خرائط المخاطر والموارد إلا واحد من المشاريع الطموحة التي نأمل أن تساعد في مواجهة هذا التحدي الكبير».
وشكر الجهات المساهمة في المشروع، خصوصاً السفارة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وقال: «إنّ الأزمة السياسية المستمرة لن تثنينا عن مواصلة التصدي، من موقع المسؤولية، لهذا النزوح بكلّ أبعاده الإنسانية والوطنية».
أضاف: «النازحون السوريون في لبنان إخوة لنا مقيمون بيننا لظروف حياتية شاقة وصعبة وخطرة مروا فيها في بلدهم. وما كان لهم أن يتركوا منازلهم وقراهم ولا أي موقع من مواقعهم في دولتهم لولا وجود خطر كبير عليهم وعلى عائلاتهم».
وتابع: «نحن في لبنان لم يعرف عنا أننا نقصر في الضيافة والعناية بضيوفنا. إنّ اللبنانيين مضيافون يفتحون قلوبهم لكلّ قادم ويقدمون له كلّ ما عندهم. هذا جزء أساسي من تقاليدنا وعاداتنا فكيف اذا كان الأمر يتعلق بأشقائنا السوريين».
وأكد «أننا ماضون في تحمل مسؤولياتنا كاملة وأتمنى أن نبتعد جميعاً قدر الإمكان عن السقوط في أفخاخ الاستثمار السياسي لهذا الملف الحساس والدقيق جداً ليس فقط بالنسبة للبنان وإنما أيضاً للمنطقة والعالم. إنّ المقاربات التي تعتمد هنا وهناك تتفاوت، منها ما هو مؤلم للنزوح وللنازحين وكذلك للمضيفين، منها ما يساعد على التعامل مع هذا الملف بشكل موضوعي بعيداً من المزايدات والاستثمار السياسي».
وختم: «أملي كبير أن نمضي في هذه الطريق وكلنا على ثقة أنه بوجود مسؤولين كالوزير درباس وإخوانه الوزراء وكل المسؤولين في كل المواقع في لبنان، لن نقصر في التعامل مع هذا الواقع بأفضل الوسائل والسبل لنؤمن الإستقرار القوي والمنيع للبنان واللبنانيين في ظلّ سياسات وخطط حكيمة».
درباس
وقال درباس، من جهته: «عندما يمرّ الوطن في أزمة فإنه يترجح بين حالة من اثنتين: الاستسلام والانضمام إلى ضحاياها أو السيطرة عليها وترويضها لتخطيها وتوليد الفرص منها بدلاً من اليأس. دهمنا النزوح على غير توقع منا ومن النازحين أيضاً، وتفاقم الأمر بما لا يظهر معه أي مؤشر للحلّ، وأصبح لبنان معرضاً لمخاطر كبيرة، ولكنه اختار بوعيه وإرادته وحس مواطنيه العالي، أن يواجه هذه الأزمة، وهذا لا يتم بصورة منفردة بل بالتعاون مع الأشقاء والجهات المانحة والدولية وباستيعاب الخطر الناجم عن الانزلاق غير الواعي في اتجاهات غير مجدية، أقلها التذمر والتأفف وأخطرها الوقوع في شرك العنصرية وحملات التحريض».
أضاف: «من هنا كان توجه الوزارة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبتمويل مشكور من المملكة المتحدة، وبرعاية طيبة من سعادة السفير الصديق هيوغو شورتر، لوضع خطط علمية وعملية للمخاطر والموارد، وما إطلاقها اليوم برعاية صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ تمام سلام، سوى تعبير عن إرادة وتبصر. أما الإرادة فهي التصميم على اعتلاء الأزمة، كما أسلفت، وليس بالاستسلام لها، وأما التبصر فصمود لا يتم بالكلام الطري والتمنيات الطيبة بل بالحكمة والخبرة واستطلاع رأي المعنيين، وهذا ما تجلى بهذه الخطط التي نطلقها اليوم بعد بحث معمق مع فاعليات المجتمع المحلي والبلديات، لأننا في الحكومة نعول على الدور التنموي لهذه البلديات وهي الآن قد جددت شبابها ودماءها، الأمر الذي يفضي إلى وجود رؤية واقعية تعين الحاجات وتتقصى الموارد التي تلبي تلك الحاجات».
وأمل «أن يكون هذا الإطلاق، الخطوة الأولى في مشروع صمود يطفىء النار، ويخلق الفرص، ويحكم العقل، ويتمسّك بالثوابت التي أجمع عليها الشعب اللبناني، والتي تتوافق مع رغبات ومصالح إخوتنا السوريين، لا سيما النازحين منهم، وهي أنّ لكل منا وطنه، وهويته، وأرضه، ومؤسساته، واقتصاده، وموارده، وأن الضيافة من شيمنا وأن مؤامرة حرمان الشعب السوري من وطنه هي مؤامرة عليه وعلينا أيضاً. وما نتطلع إليه في عملنا استمرار تحديث هذه الخرائط على أن تشمل في مرحلتها القادمة تجمع قرى وبلديات».
شورتر
وقال شورتر، بدوره: «منذ اندلاع الأزمة في سورية قدمت بريطانيا أكثر من 365 مليون جنيه استرليني دعما لاستجابة لبنان. وفي مؤتمر لندن في شباط الماضي، كررنا التزامنا الاستثمار في شراكة طويلة الامد بين لبنان وبريطانيا عبر بناء الاستقرار وخلق فرص عمل والحرص على ألا يبقى طفل واحد في لبنان من دون تعليم. وكانت بريطانيا ايضا من اولى الدول المانحة التي مولت برنامج دعم المجتمعات المضيفة في لبنان في العام 2013 ونحن، إذ نواصل دعمنا، نشجع الدول المانحة الأخرى على التمويل. لقد دعمت بريطانيا حتى الآن 90 مشروعا وهذه المشاريع ستعود بالفائدة المباشرة على أكثر من 253 ألف لبناني و150 ألف لاجىء سوري في 49 بلدية رئيسية في لبنان في مناطق محتاجة وتشهد توتراً اجتماعياً حاداً».
أضاف: «تحتل البلديات الصدارة في مواجهة التحديات الناجمة عن هذه الأزمة إذ أنها في الخطوط الأمامية، لذلك تشكل العملية التشاورية التي ستجري مع البلديات بهدف مسح المخاطر التي تواجهها المجتمعات والموارد المتاحة لها خطوة ايجابية جداً للتأكد من أنّ الاستجابة المحلية تلبي بالفعل ما يحتاجه الناس على الأرض. إننا سعداء بدعم هذه البلديات. المملكة المتحدة تمول حالياً تسعين مشروعاً عبر تسع وأربعين بلدية، ونحن نفتخر بدعم هذا المشروع».
لازاريني
أما لازاريني فقال: «في حين تعد قدرة المجتمعات على مواجهة الأزمات، أو حتى التنمية، هدفا بعيدا صعب المنال أو التنفيذ في أوقات الطوارىء، إلا أن هذه الأزمة المطولة تقدم فرصة للعمل معا نحو تغييرات منهجية، واعتماد خطوات تحولية قادرة على تحويل المشقات والتحديات إلى فرصة للتنمية الطويلة الأمد والاستقرار. لقد أسست منهجية خرائط المخاطر والموارد حوارا بين رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية وممثلين عن القطاع الخاص والتعاونيات والنساء والفئات الشابة لتحديد مشاكلهم واقتراح الحلول المناسبة. إنّ هذا الحوار الاستباقي الذي يسعى إلى تعزيز الاستقرار الاجتماعي وقدرة المجتمعات على الاستجابة للتحديات والمخاطر التي تواجهها، وبعد أن انطلق الحوار على مستوى البلديات نشجع امتداده على مستوى اتحادات البلديات بهدف وضع استثمارات كبرى في دعم الحاجات المحلية».
أضاف: «أود أن أشكر بشكل خاص سفارة المملكة المتحدة لدعمها هذا البرنامج ولا سيما منهجية خرائط المخاطر والموارد. أود أيضاً أن أهنىء رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية على مشاركتها في تنفيذ هذه المنهجية. وأدعو في هذا المجال رؤساء البلديات الجدد لحمل هذا الارث ومواصلة المسيرة. أتوجه بالشكر والتقدير للدول المانحة التي دعمت مشروع دعم المجتمعات اللبنانية المضيفة الذي من خلاله نقوم بتنسيق استجابة شاملة ومنسقة للأزمة. إن هدفنا هو زيادة الاستقرار ومعالجة التوترات ومنع النزاع وضمان تعايش سلمي في وجه الأزمة وذلك من خلال تحسين سبل المعيشة وتوفير الخدمات. إن البلديات كانت ولا تزال الركن الأساس في الاستجابة لتداعيات الأزمة السورية، وتستحق منا كل تقدير ودعم. وفي حين قدم المجتمع الدولي أكثر من 810 ملايين دولار هذا العام، من الضروري أن نقوم بدورنا وأن نفي بالتزاماتنا بالتركيز على المجتمعات المضيفة».