تقرير
تناولت برديس مهدوي، رئيسة قسم «الأنثربولوجيا» في كلّية «بومونا» في كاليفورنيا، في تقرير نشرته مجلة «فورين آفيرز» الأميركية، قضية عديمي الجنسية «البدون» في دول الخليج العربي، ومن بينها الإمارات العربية المتحدة والكويت.
التقرير استعرض قصة اثنتين من الحالات التي يعتبر فيها الشخص غير معترف به كمواطن من قبل أيّ دولة بمقتضى تشريعها الوطني، وهما حالتا «سيميرا» و«رانيا».
وفقاً للتقرير، فإن الإمارات العربية المتحدة كانت قد سلّمت «سيميرا» 19 سنة السنة الماضية جواز سفر جديداً لدولة جزر القمر، وهي واحدة من أفقر دول العالم، وكان عليها مغادرة البلاد في غضون 11 شهراً.
وعلى رغم أنها كانت بلا جنسية طوال حياتها، فقد ولدت «سيميرا» ونشأت في دبي واعتنقت تماماً ثقافتها العالمية فهي مدينة لا يشعر فيها الإنسان بالغربة .
لم تطأ «سيميرا» بحسب التقرير- بقدميها أبداً تلك الجزر الصغيرة الاستوائية، التي ما كانت لترغب في أن تكون وطنهاً لها لأنّ لا جذور أو عائلة لها هناك. ومع ذلك، لم يكن لديها الكثير من الخيارات. فإذ إنها لم تكن من مواطني دولة الإمارات، لم تسنّ لها أن تواجه الحكومة الإماراتية التي حثّت جزر القمر التي تعاني ضائقة مالية، لاستقبال عديمي الجنسية.
وأشار التقرير إلى أن «سيميرا» أصبحت عديمة الجنسية نتيجة لسياسة «حق البكورية» حق مكتسب بالولادة في بلد معين الملتبسة في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تفهمها هي، فقد جاءت والدتها إلى دبي من الهند للعمل في المنازل، ولكنها أصبحت حاملاً بعد اغتصاب صاحب العمل لها. وبعد ولادة «سيميرا»، نفى صاحب العمل أبوّتها وحوّل والدتها إلى الشرطة.
يأتي ذلك في وقت تُعتبر ممارسة الجنس خارج إطار الزواج في دولة الإمارات العربية المتحدة، غير قانوني مهما كانت الظروف.
بعد الولادة، حُكم على والدة «سيميرا» بالسجن لمدة سنة واحدة، والتي انتهت مع ترحيلها إلى الهند. ولكن لأن المواطَنة تمر عبر الأب في كل من والإمارات العربية المتحدة التي لا تعترف بحق المواطَنة المكتسبة والهند، فلم تكن والدة «سيميرا» قادرة على الحصول على جواز سفر لابنتها لتتمكن من إحضارها إلى الهند. وكان عليها أن تتركها وحدها بالإمارات.
وأضاف التقرير أنه لولا إحدى حارسات السجن، والتي كانت صديقة لوالدة «سيميرا»، لانتهى بها الأمر في دار الأيتام المحلية، ولواجهت حياة فقيرة. بدلاً من ذلك، اقترحت الحارسة إرسالها إلى أحد أفراد أسرة «زايد بن سلطان آل نهيان»، الرئيس السابق لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ووفقاً لمدير إحدى دور الأيتام في رأس الخيمة، ينشأ نحو 30 في المئة من الأطفال من دور الأيتام في القصور الملكية ويتم منحهم التعليم والغذاء والسكن، والدعم. وتعتبر العائلة المالكة ذلك عملاً من أعمال الخير الإسلامية، وتسمّي هؤلاء الأطفال عادة «أطفال الأمير».
وفي كتابها الذي نشر مؤخراً، «عبور الخليج»، فقد قامت مهدوي بتوثيق قصص عديمي الجنسية مثل «سيميرا» في شبه الجزيرة العربية، والتي تضمّ بعضاً من أكبر البلدان المستقبلة للمهاجرين في العالم.
إحصاءات رصدها التقرير، أفادت أن في دولة الإمارات العربية المتحدة، يشكل العمال المهاجرين 80 في المئة من سكانها. وفي الكويت المجاورة، يفوق المهاجرين عدد المواطنين بمعدّل ثلاثة إلى واحد. ومع ذلك، فإن معظم دول الخليج ترفض تقديم حقوق المواطنة والحماية لهم، حتى لأولئك الذين ولدوا داخل حدودها.
وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من مئة ألف شخص من عديمي الجنسية في دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، وأكثر من 130 ألفاً في الكويت.
التقرير ذكر أنه في العقد الماضي، شهدت منطقة الخليج زيادة في وصول المهاجرات من آسيا وأفريقيا، الذين يعملون في وظائف الخدمة المنزلية، تربية الأطفال، والتجميل، والخدمات.
وبموجب نظام الكفالة الذي يستخدم من قبل عدد من دول الخليج لتنظيم العمالة الوافدة، يحظّر على العمال الدخول في علاقات جنسية مدة عقودهم. وغالباً ما تتم معاقبة النساء فقط على خرق قواعد الكفالة والشريعة، التي تجرّم الزنى أو ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، في حال تم مخالفة ذلك الشرط والدخول في علاقات جنسية.
ولأن معظم النساء اللواتي يهاجرن إلى الخليج يقمن بذلك خلال سنوات الخصوبة، ويمكن أن يقضين خمس إلى عشر سنوات في البلدان المضيفة لهم، فإن هذا الشكل من أشكال التعقيم التعاقدي من المستحيل الالتزام به.
ونتيجة لذلك، وبحسب ما ذكر التقرير، فإنه من الشائع ـ للأسف ـ لنساء مثل أم «سيميرا» أن تلد في السجن، ثمّ يتم إرسال أطفالهن إلى دار للأيتام، بعد أن يتم ترحيل النساء. ناهيك عن أن كلاً من الإمارات العربية المتحدة، وعدد من البلدان المرسلة، تسمح بنقل الجنسية عن طريق الأب.
ولكن إذا لم يقرّ الأب بأبوّته، وهذا هو الحال في كثير من الأحيان بسبب أن ذلك يعني مواجهة عقوبة الزنى، فإن الطفل يصبح عديم الجنسية.
ومع مئات الآلاف من المهاجرين القادمين إلى الخليج كلّ سنة، التي يعود تاريخها إلى الثمانينات، من أماكن، مثل بنغلادش، والهند، ونيبال، وباكستان، وسريلانكا، فإن البلدان التي حتى وقت قريب كانت تسمح فقط بنقل المواطنة عن طريق الأب، فقد ولد المئات والآلاف في بعض الأحيان من الأطفال للنساء المهاجرات وتركوهم من دون اصطحابهم إلى بلادهم الأصلية.
وفي السياق ذاته، ذكر التقرير أن الأطفال من النساء المهاجرات ليسوا وحدهم الذين يعانون من مخاطر انعدام الجنسية.
فهناك أكثر من مئة ألف شخص عديم الجنسية معروفين بِاسم «البدون» في الكويت، الذين لا يحملون الجنسية، إما بسبب السقطات البيروقراطية، عندما أصبحت الكويت دولة قومية عام 1961 أو التمييز طويل الأمد ضدّ أولئك الذين كانوا مواطني دول مجاورة، ولكن تم استيعابهم من قبل الكويت بعد تغيير الحدود.
من هؤلاء تأتي رانيا 21 سنة التي ولدت في مدينة الكويت لعاملة منزل من «إثيوبيا» تم ترحيلها بعد الولادة بفترة وجيزة. وقد أمضت حياتها تعيش في دار للأيتام في ضواحي المدينة، ولكن كشخص عديم الجنسية.
التقرير نقل عن «رانيا» قولها إنها لم تتمكن من العثور على وظيفة أو استئجار شقة. ومع ذلك، فإن «رانيا» ترى الكويت موطنها. وكانت قد مرّت بحالة نفسية شديدة حينما حصلت على جواز سفر لجزر القمر الشهر الماضي.
بحسب التقرير، فإن «سيميرا» و«رانيا» هما جزء من الصفقات التي وقّعتها الإمارات العربية المُتحدة والكويت مع جزر القمر خلال عامَي 2008، و2016. ففي مقابل بناء الطرق وتقديم مساعدات تنموية للجزيرة المنكوبة بالفقر، تقوم الإمارات والكويت «بشراء» الجنسيات لسكانها غير الحاملين لوثائق رسمية.
وكانت تلك الصفقات في بادئ الأمر تتعلق فقط بإصدار جوازات سفر جديدة، من دون اشتراط انتقال حامليها من دول الخليج ولكن في الأشهر الأخيرة صار من الواضح أن عدداً متزايداً من هؤلاء سيضطر إلى الانتقال إلى جزر القمر.
وأوضح التقرير أنه، على رغم أن السياسة الرسمية لا تزال غير واضحة، فإن بعض المسؤولين يقولون إن جزر القمر قد بدأت في مطالبة الحاصلين الجدد على الجنسية بالانتقال إلى البلاد، فيما يعتقد البعض أن دول الخليج تحاول ببساطة أن تتخلص من سكانها عديمي الجنسية.
في المقابل، رصد التقرير إدانات النشطاء لهذه الممارسة مشبّهين إياها بالعبودية ـ التي يقصد بها بيع أحد الأشخاص وإضفاء صبغة اقتصادية على ما هو حق من حقوق الإنسان. حيث يقول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إنه «لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، كما لا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته بشكل تعسفي، ولا من حقه في تغيير جنسيته».
ومن ناحية أُخرى، قامت الفيليبين التي ينتقل عدد من مواطنيها للعمل في بلدان الخليج، بإصدار قوانين بديلة لمنع حالات انعدام الجنسية. ففي عام 1987 مرّرت حكومتها قانوناً من شأنه السماح لمواطني البلاد بالحصول على الجنسية من خلال كلٍّ من الأم والأب.
وأخيراً، قال التقرير: «وبدلاً من إلقاء مشكلاتها على عاتق جزر القمر، كان بمقدور دول الخليج على الأقل أن تتفاوض مع الدول المرسلة في شأن نقل جنسية المواطنين أو تشجيعهم على اللحاق بالنموذج الفيليبيني كبداية. وبعد كل شيء، فإن تكتيكها المُتّبع بإخراج سكانها الذين لا يحملون جنسيات، غير قادر على الاستمرار على المدى الطويل».
حتى أن جزر القمر أدركت في مرحلة ما أنها صفقة سيئة، فهناك ما يقارب مليون شخص بلا جنسية في الخليج، فيما يبلغ تعداد سكان جزر القمر 730 ألف مواطن فحسب وحجم البلاد يساوي تقريباً حجم ولاية رود آيلاند ، وبافتقارها إلى الجاهزية للتعامل مع تلك الزيادة الهائلة لتعداد سكانها في غضون سنين قليلة، قد تجد دول الخليج نفسها قد عادت مجدّداً إلى المربع الأول.