ماذا بعد تشظي داعش وخروجها عن السيطرة؟
حميدي العبدالله
التنظيمات الإرهابية، ولا سيما تنظيم داعش، عندما يخسر المعارك في معاقله الرئيسية، يسعى للتعويض عن ذلك من خلال ثلاثة أساليب، الأول، الردّ على خصومه بعيداً عن الميدان، وفي غالبية الأحيان، يكون الردّ من خلال الخلايا النائمة التي زرعها في مناطق عديدة، ومن أجل تحويل الأنظار عن هزائمه، ومن أجل الحفاظ على معنويات المقاتلين في صفوفه، ومن أجل ترسيخ الانطباع بأنّ هزيمته لن تقضي عليه، يلجأ إلى هذه العمليات. في هذا السياق يمكن تفسير هجماته في السيدة زينب وفي مدينة حمص التي استهدف بها المدنيين الآمنين، والتي جاءت رداً على هزائمه العسكرية في مواجهة الجيش السوري في مناطق عديدة، أبرزها هزيمته في مدينة تدمر وفي المناطق الواقعة في الريف الشرقي لمدينة حلب، وكذلك هجماته في بغداد ضدّ الأحياء الآهلة بالسكان رداً على هزائمه، سواء في الفلوجة أو الرمادي أو تكريت، أو المناطق العراقية الأخرى. الثاني، تعزيز معاقله في دول وبلدات أخرى، غير البلدات التي عرفت بأنها قواعد انطلاقه الأساسية، في سورية والعراق، وفي هذا السياق يأتي تركيز داعش على ليبيا وعلى اليمن، ومحاولته السيطرة على مناطق جغرافية واسعة، وتحويلها إلى معاقل له، وقد نجح في ذلك، إذ لا زالت حتى هذه اللحظة مدن ليبية كبرى مثل بنغازي وسرت ومدن أصغر في شرق ليبيا تحت السيطرة الكاملة للتنظيم على الرغم من كلّ ما حققه خصومه من نجاحات في هذا البلد. الثالث شنّ سلسلة من العمليات ذات الوقع الإعلامي في أنحاء متفرّقة من العالم، مثل الهجمات التي استهدفت تركيا وفرنسا وبلجيكا وتونس والسعودية واليمن.
واضح أنّ إرهاب داعش يختلف في شكله ومضمونه عن إرهاب الجيل الأول، من تنظيم القاعدة، وينبع الاختلاف من مصدرين، أساسيين، الأول، عدد المنتسبين إلى هذا التنظيم بالمقارنة مع الجيل الأول من تنظيم القاعدة، فإذا كانت النواة الصلبة للجيل الأول تعدّ بالمئات، فإنّ النواة الصلبة في الجيل الثاني ممثلةً بداعش على وجه الخصوص، تعدّ بالآلاف. الثاني أنّ تصادم الجيل الثاني مع استراتيجيات داعميه أقوى مما كان عليه الحال مع الجيل الأول، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
هذا الواقع يؤكد أنّ استراتيجية مكافحة الإرهاب التي كانت معتمدة من قبل دول وجهات عديدة متضرّرة، كلياً أو جزئياً، من هذا التنظيم، ليست صالحة لمواجهة التنظيم الجديد باستراتيجياته وتكتيكاته المختلفة، وبالتالي إلحاق الهزيمة بداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، يحتاج إلى مقاربة جديدة.