الزيارة «الحدث» لوزير الخارجية الفرنسي للبنان وهذا هو «الإنجاز»!
روزانا رمّال
ليس عادياً بالنسبة للرياض التي تشنّ حملة ممنهجة ومنظمة جداً على حزب الله وحلفائه في لبنان وعلى وسائل إعلامه ومؤسساته الاجتماعية والمالية والاقتصادية بالإضافة الى قطيعة تامة بينهما أن يتراءى لها مشهد اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت بنائب حزب الله علي فياض ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب عمار الموسوي دون أن تستشعر قلقاً مما يلوح بالأفق من الساحة اللبنانية وما يشير اليه هذا التحوّل من انتكاسة لدور المملكة وحضورها وتغيير في مواقف باريس الداعمة لإسقاط الرئيس الاسد وحلفائه بالمنطقة، كما كان مفترضاً.
تشهد السعودية اليوم أول بوادر الاصطفاف الغربي الرسمي وراء ما يتطلبه الاتفاق النووي الإيراني وتداعياته التي ستمتدّ لوقت غير بقليل، فالاتفاق الذي أرسى تعاوناً اقتصادياً ومالياً وانفتاحاً سياسياً رسمياً على إيران، يعني بطبيعة الحال انفتاحاً على الموقف الإيراني ككلّ ومراعاة مصالحها بالمنطقة، ومن بينها مصالح حلفائها الممتدّة من سورية وصولاً لحزب الله في لبنان.
مخاوف الرياض اليوم لا تتوقف على كونها تشهد انتكاسة سياسة أو انعطافة فرنسية ملموسة نحو طهران، إنما تتعدّاها لكونها تدرك انّ مرحلة بأكملها تجسّدت بتصنيف «جناح حزب الله العسكري إرهابياً» قد انتهت، وأنّ التصريحات الفرنسية على مدى خمس سنوات ماضية تختتم اليوم بمواقف وخطوات أشدّ ليونة تجاه الحزب، ما يكشف أمرين أساسيين. أولاً: لم يكن التعديل الذي طرأ على حقيبة وزارة الخارجية في فرنسا وتعيين جان مارك إيرولت بديلاً عن لوران فابيوس نتيجة تحقيق ما أو خطأ ادّى إلى عزل فابيوس، بل إنّ هذا القرار وحده هو إعلان عن نهاية مرحلة الديبلوماسية الفرنسية «الجافة والمتطرفة» والتقدّم نحو ديبلوماسية أكثر انفتاحاً وليونة. ثانياً: يكشف اللقاء بين الوزير الفرنسي وشخصيات حزب الله أنه من غير الوارد بالنسبة لفرنسا التخلّي عما يترتب عليها جراء الاتفاق النووي مع إيران وهو عدم القدرة على الانفتاح معها سياسياً من جهة، واقتصادياً والعمل على تأييد حملات الضغط على حلفاء إيران وحزب الله من جهة أخرى أو على الأقلّ الظهور بازدواجية قد تعيد النظر بين العلاقات الدقيقة بين البلدين.
نجحت فرنسا بالخروج من الاصطفاف التي وضعتها فيه ثورات الربيع العربي وظروفها وهي تعلن اليوم مرحلة اصطفاف من نوع آخر، وهو «تأييد كلّ ما من شأنه ان يساهم في عملية إبعاد شبح الإرهاب عنها وعن أوروبا». وإذا كان الأمر يتطلّب مصالحة جدية مع حزب الله أو انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان أو تحدي الرغبة السعودية و«الإسرائيلية» معاً، فإنّ هذا هو تماماً ما ستقدم عليه باريس، فالمصلحة الأمنية اليوم باتت في سلّم الأولويات الفرنسية.
لم تغب «إسرائيل» عن المشهد بعد تلقي رسالة التحدي الفرنسية وهي تدرك اليوم أنّ الجهد الذي بذلته «إسرائيل» لسنوات طويلة من أجل الحصول على نتائج جدية تعزل حزب الله عن محيطه العربي والدولي بات بخطر، فزيارة بحجم وزير الخارجية الفرنسي تشكل وحدها نقطة جذب والتقاء ممكن بين حزب الله وقوى دولية وعربية استفادت «إسرائيل» عبرها مما أسّست له السعودية من سياسات عزل ومقاطعة وعقوبات على حزب الله وقاعدته الشعبية.
وجهت «اسرائيل» رسائل وانتقادات شديدة اللهجة لفرنسا بسبب اجتماع إيرولت بمسؤولين من حزب الله خلال زيارته لبنان. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية «الإسرائيلية» ايمانويل نحشون لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ «الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية لا تفرّق بين ذراع عسكرية وذراع سياسية لحزب الله الذي تعتبره منظمة إرهابية. ليس هناك ايّ سبب يدعو فرنسا لأن تتصرّف بشكل مغاير».
نجحت فرنسا في إرسال رسالة انفتاح كبرى لحزب الله والجوار، ونجحت بالانعطافة من بوابة الانتخابات الرئاسية، فبدا وبحسب مصادر متابعة لأجواء ونتائج الزيارة لـ «البناء» أن من أبرز أسباب قدوم الوزير الفرنسي الى لبنان هو اجتماعه بحزب الله في وقت كان يزور العاصمة السورية دمشق أيضاً وفد برلماني أوروبي رفيع المستوى، حيث استقبله الرئيس بشار الأسد، فبعد أن ثبت خلو الزيارة الفرنسية من ايّ مبادرة رئاسية ثبت اليوم أنّ «الإنجاز ـ الحدث» من الزيارة كان تعزيز التطبيع «السياسي» مع حزب الله والاعتراف بدوره كشريك في صناعة الحلول.
زيارة وزير الخارجية الفرنسي لبنان ليست زيارة عادية مطلقاً وهي التي استفزت «إسرائيل» لشدة دقتها ودلالتها، فاستدعت رداً فورياً من خارجية تل أبيب وامتعاضاً تحدثت عنه صحف «إسرائيل» بين مخاوف وقلق من تباعد بين الموقف الفرنسي والموقف «الإسرائيلي» بهذا الإطار لجهة تصنيف حزب الله وباقي التنظيمات الارهابية بالمنطقة. وهو الملف الابرز. زيارة مختلفة من حيث «الإنجاز» والقدرة على وضع البلاد امام مرحلة جديدة من جهة ومن جهة ثانية تأكيد النيات الغربية ومن ورائها واشنطن التي باركت او دفعت نحو هذا اللقاء من جهة اخرى، تمهيداً للتقدم نحو المفاوضات الدولية مسبوقة بمقدمات تبعد الموقف الغربي قدر الإمكان عن الضبابية، فيظهر موقف فرنسي «ناصع» او واضح المعالم.