منى الصفّار: الحياة قصيدة طويلة تنتظر أن نكتشف شعريّتها

كتب عبد الحاج: لا يبدو الشعر لدى الشاعرة البحرينية منى الصفار من دون تعريف، بل تحاول الابتعاد عن طرفه الحاد. بهذا المفهوم فحسب نستطيع أن نفهم قصدها من ديوانها الأخير «على قدمين عاريتين» وقبله «غائب ولكن ـ عندما كنتَ صامتاً»، وكانت تجربة مشتركة مع الشاعرة سوسن دهنيم.

بدءاً، وعن الخلفية الأدبية التي انطلقت منها إلى عالم الشعر، تؤكد منى الصفار: «أتتني الكتابة بطريقة ما. ليست لديّ خلفية أدبية واضحة، لكنني ولدت في منزل يقدّس القراءة كثيراً. أحببت الكتب منذ الصغر، منذ مجموعة المكتبة الخضراء. للشعر دوماً مكانة عندي، خاصة منذ طفولتي، ورغم أن ما كان يشجعني والدي على قراءته هو النص الديني تحديداً، إلا أنني سريعاً ما خرجت من العلبة، لتتنوع قراءاتي. هذا ما حدث ببساطة».

حول قدرة الشعر على خلق الحياة والتغيير وتقديم الجمال ودافع الكتابة تعتبر الشاعرة أن الشعر حالة تجلّ إنسانية تنبثق من صدرك نحو العالم، وتؤمن بأن الشاعر ليس بالضرورة مصلحاً، وأن الجمال نسبي، يقدم بوسائل مختلفة، ففي رأيها، نحن جميعاً حبيسو الشعر في الحياة، في الحياة اليومية، في الوردة على الرصيف، في ابتسامة المتعب، والحياة قصيدة طويلة تنتظر أن نكتشف شاعريتها. وتضيف الصفار: «الشاعر ليس ملزماً بتغيير هذا العالم، هو ملزم فحسب بأن يقدم القصيدة، أن يعزف الشعر، أن يقتنص الحياة ليحوّل العادي واليومي إلى شيء مختلف، أن ينفخ فيه من الدهشة ويطلقه في الفضاء. وما يدفعني شخصيا إلى الكتابة حالة تشبه الإدمان، إذ تحتاج إلى تفريغ نص على ورقة، تحتاج إلى تفجير الطاقة المخبأة في صدرك على هيئة كلمات. الشعر بالنسبة إليّ حياة كاملة. تثيره مستفزات معينة للبروز. ولكني أؤمن بأن الشاعر يولد شاعراً، فهو أمر لا يخلق من عدم ولا يستحدث من فراغ. الكتابة هي ببساطة أنا».

فخ الشعر أنك تقع في الحالة الوجدانية التي يمكن أن يتحدث عنها شخص آخر بالطريقة نفسها.

عن حضور القارئ في ذهنها عندما تشرع في كتابة القصيدة، ترى الشاعرة أن القارئ لا يحلّ في المرتبة الأولى عندما تكتب، بل الحالة الشعورية في التعبير، ودافعها للكتابة ذاتي بحت. إلا أنّه مع التوغل في القراءات، ومع تغيير المفهوم العام لحقيقة الشعر، والتأثر بالمدارس الشعرية والمحيط والشعراء والقراءات المتفرقة، يختلف الوعي في طريقة تقديم الدهشة. فالقارئ، في اعتقادها، حاضر دوماً، لكنه غالباً ما يظهر في الصورة بعد كتابة النص وليس قبل. لذا، رغم إيمانها بأهمية القارئ، لا تكتب تحديداً لأجله. تقع في فخ الذاتية عندما تكتب، وغالباً ما يكون القارئ في الانتظار على ضفة أخرى. إلاّ أنه بالتأكيد ليس مغيباً، ولا يقل أهمية عن فعل الكتابة. الأمر في اعتبارها أنها تقدم نفسها هي، وليس ما ينتظره منها قارئ ما.

بعد رفض البلاغة التقليدية واللجوء إلى استخدام غامض للاستعارة والمجاز، وهذا من أهم ما يميز شعراء الحداثة، تتحدث منى الصفار عن الحداثة في الشعر، معتبرة إياها، في زمن ما، صنيعة اللغة والعبث بالمفردات واستحداث العبارات والصياغات الجديدة المختلفة، لكنها تؤمن بأن الحداثة هي تقديم الدهشة وأن تستطيع تحويل العادي والمعروف والملموس إلى قطع من الغيوم، وأن تصنع صورة جديدة، وأن تترك العنان للخيال يتنفس بعيداً عن القوانين التي تعارف عليها الناس وتناقلوها. الحداثة أن تكون بسيطا إلى حدّ الدهشة في المفردة والصورة والتقديم. أن تستطيع أن تحوّل كرسياً مثلاً إلى قصيدة.

في مجموعتها «على قدمين عاريتين» تُحيلنا منى الصفار على آثار لشعراء آخرين مثل نازك الملائكة، آنا غريكا، مرام المصري. وتفسر هذا التناصّ بأنه تشابه عفوي ربما، فهناك في رأيها من الهواجس الإنسانية ما هو مكرر ومستنفد على مرّ الوقت، وهناك الفكرة التي يمكن أن تتوالد على طرفي العالم في الوقت نفسه. هناك شخصيات تتشابه جوهرياً وتختلف ظاهرياً ربما، ولعلّ فخ الشعر أنك تقع في الحالة الوجدانية التي من الممكن أن يتحدث عنها شخص آخر بالطريقة عينها.

وتضيف الشاعرة: «لا أنكر أيضاً أن القراءات تصنع أحيانا شعراً متشابها، وإن كنت راهناً في المرحلة التي أحاول فيها أن أكون أنا، ذاتي الخاصة، أن أتحرر من إعادة صوغ قراءاتي لقصائد جديدة. أن أفتح جناحين للطيران، وأن أرسم حدود شخصيتي الشعرية على نحو صحيح ومختلف. أن أخرج الشاعرة التي هي أنا إلى النور على نحو مغاير ومختلف عما قدمته أخريات».

في تقويمها حقل الكتابة الشعرية النسائية في الخليج، وإلى أي منحى تتجه القصيدة النسائية في البحرين، تعتقد منى أنهن يسرن على الطريق الصحيح، وتؤكد أن ثمة العديد من الأسماء الجميلة، إلا أنهن في حاجة إلى المزيد من الوقت ليصلن إلى المعنى الجوهري وتقديم المختلف. فعجلة الشعر في الخليج، خاصة قصيدة النثر، تسير في بطء شديد بعد قاسم حداد الذي اتبع مدرسته شعراء وشاعرات أيضاً. تضيف: «هناك أسماء لا يمكن أن ننكر تميزها وشعريتها الحق، وقدرتها على تقديم شعر جميل يمثل الشعر النسائي. إلاّ أنني لا أزال أعتقد أننا في حاجة إلى المزيد من الوقت لبلوغ لما بلغته الشاعرات في العالم العربي. عزائي أننا الآن في الطريق الصحيح، وهذا يبعث على الأمل. فوضع القصيدة النسائية في البحرين مع ظهور جيل جديد قارئ ومثقف ومطلع على تجارب متطورة في الشعر وضع مبشر جداً. آمل حقاً في أن تستطيع الأجيال المقبلة تقديم شعر حقيقي واضح وملموس على نحو متميز على مستوى العالم العربي والعالم».

لو عاد بها الزمن إلى الماضي، أيّ قصيدة كانت لتكتب؟ تؤكد الشاعرة أنها كانت قصائدها ذاتها مرة بعد مرة، ولتعيد كتابة قصائدها البسيطة والمتعثرة والمختلفة، لأنها قصائد تشبهها مذ أمسكت بالقلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى