تركيا العثمانية تسقط بالضربة القاضية… وأردوغان ينازع ليربح بالنقاط الجيش يسيطر على أنقرة واسطنبول ولم يبقَ للرئيس التركي إلا الرسائل الهاتفية
كتب المحرّر السياسي
… فاجأ الجيش التركي العالم بنبأ عاجل، إعلان السيطرة على السلطة في البلاد واعتقال رئيس الأركان، وهرب الرئيس التركي من العاصمة متوجّهاً إلى اسطنبول كما قال حزبه، فيما لم يبق للرئيس رجب أردوغان إلا الرهان على ما يستطيعه حزبه في الشارع، بعدما أرسل بواسطة الهواتف المحمولة رسالة صوّرها بهاتفه الشخصي يدعوهم فيها إلى التحرّك السريع، وفيما الجيش يبث البيانات المتتالية من وسائل الإعلام الرسمية، ويؤكد السعي إلى وضع دستور جديد، واعتبر أنّ الحكم الحالي أضرّ بالنظام العلماني وحكم القانون، ما ينفي أن تكون هوية قادة الانقلاب محصورة بأنصار الداعية فتح الله غولن كما قال رئيس الحكومة علي يلدريم، ويأتي الانقلاب تتويجاً لمسار الإحباطات والأزمات والمخاطر التي جلبها الرئيس التركي على بلده والاستقرار فيه ونموّه الاقتصادي، بتوريط الدولة الإقليمية الكبرى التي تمثلها تركيا في حروب صغيرة، بتطلّعاتها، بحجم تسليم الإخوان المسلمين الحكم في دول المنطقة، وصولاً إلى خسارة كلّ الصداقات التي تربط تركيا بروسيا وإيران، وإفساد العلاقات النامية مع سورية والعراق، والعبث بعلمانية الدولة ومؤسساتها وصولاً إلى الجيش والقضاء، وترتيب أعباء اقتصادية أدخلت السوق في ركود والسياحة في جمود، والتتويج كان باللعب مع التنظيمات الإرهابية، وتمكينها من الإمساك بمواقع ومفاصل خطيرة في المجتمع والجغرافيا التركيتين. وتبدو مسارات المواجهة بين الجيش من جهة وأردوغان وحزبه من جهة مقابلة تتجه نحو الحسم لصالح الجيش وفقاً لمؤشرات بعد منتصف ليل أمس، دون أن يعلم مصير أردوغان ورئيس حكومته، فيما توقعت بعض المصادر المقرّبة من أردوغان أنّ أنقرة سقطت بيد الجيش، لكن اسطنبول ستكون ساحة المواجهة، ما يعني أنّ تركيا سقطت بيد الجيش بالضربة القاضية، وأنّ أردوغان يسعى إلى الربح بالنقاط.
قبل الحدث التركي كانت فرنسا مسرحاً للحدث الأهمّ مع حادثة الدهس الدموية التي نفذها أحد المهاجرين المنتمين لأصول مغاربية، وكانت حصيلتها قرابة المئة من الضحايا، حصلت إثرها فرنسا على موجة عارمة من التضامن ضدّ الإرهاب دون أن ترى الضوء في نهاية النفق، في كيفية الفوز في الحرب على الإرهاب، أو تمتلك خارطة طريق لذلك، وسط تعالي موجات عنصرية في الشارع الفرنسي ستتكفل بضخ مناخات من التعبئة لصالح المتطرفين الإسلاميين الذين يشكلون البيئة الحاضنة لتنظيم «داعش» وسائر تشكيلات «القاعدة».
أردوغان خارج القصر والجيش تسلّم السلطة
عاشت تركيا أمس، تطورات دراماتيكية مفاجئة أشبه بزلزال سياسي وأمني أدخلها في نفق مظلم غير واضح متى وكيف تخرج منه، تمثل بانقلاب عسكري أقدم عليه ضباط، بعضهم تابع للمعارض فتح الله غولن في أنقرة، ما يضع تركيا أمام مرحلة من اللاستقرار السياسي والأمني ستترك تداعياتها الاستراتيجية على مستوى المنطقة وعلى مسار الأزمة السورية.
وأعلن الجيش التركي في بيان تولي السلطة في تركيا، مشدداً على أن «الأولوية للحفاظ على سيادة القانون». كما سيطر الجيش التركي على مقر التلفزيون الرسمي الذي توقف عن البث. وأصدرت القيادة العامة للجيش التركي بياناً أعلنت فيه رسمياً السيطرة على السلطة وإصدار الأحكام العرفية وحظر التجوال وإغلاق المطارات، مؤكدة أنه «سيتم إعداد دستور جديد للبلاد في وقت قريب ومجلس السلام سيتولى السلطة في البلاد وحماية مصالح المواطنين». وأفادت المعلومات عن خروج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من القصر الرئاسي إلى منطقة آمنة. وأفادت وكالة «الأناضول» عن احتجاز رئيس هيئة الأركان العامة بالجيش التركي الجنرال خلوصي آكار من قبل الانقلابيين.
وفي المواقف الرسمية إزاء التطورات المتسارعة في تركيا، اتصلت قناة «CNN Turk» بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر موقع «سكايب»، حيث أكد أردوغان أنه القائد العام للجيش والقوات المسلحة، و»إذا حصل شيء فيجب أن يكون بعلمي». ودعا أردوغان الشعب التركي للنزول إلى الشارع للدفاع عن الديمقراطية وأن يكون الى جانبه و»ضد الانقلابيين». وشدّد على أن قوة الشعب ستتصدّى لانقلاب الجيش، متوعداً «محاولي الانقلاب على الديمقراطية بأنهم سيدفعون الثمن»، معتبراً أن «الانقلابيين لم ينجحوا على مر التاريخ في المحاولات التي قاموا بها»، معلناً أنه «سيتوجّه الى العاصمة أنقرة».
وأعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن «عملية عسكرية تتم حالياً من دون موافقة القيادة العامة»، مشيراً الى أنه «لا يمكن أن نسمّي ما يجري بأنقرة بأنه محاولة انقلاب ولن نسمح بهذا». وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو «أننا أصحاب السلطة الديمقراطية ولا يستطيع أحد إزاحتنا».
وفي أولى انعكاسات الانقلاب، أصدرت قيادة الجيش أوامر للقوات التركية للخروج من العراق.
مسلسل الإرهاب حطّ في «نيس»
حطّ مسلسل الإرهاب الذي يضرب أوروبا والعالم في مدينة «نيس» الفرنسية حاصداً معه 84 قتيلاً بعملية إرهابية بأسلوب جديد لم يُستعمل من قبل، كما في هجوم مسرح «باتاكلان» في باريس وأحداث بروكسل والولايات المتحدة وتفجيرات الرياض وتمادي الإرهاب في سورية الذي وصل إلى ذروته الشهر الماضي وغيرها من الأعمال الإرهابية لم تكن كافية ليعتبر الغرب من سياساته على مدى خمس سنوات على قاعدة المكابرة في الموقف السياسي على حساب دول المنطقة وجيوشها لتحقيق غايات جيوستراتيجية. أول من أمس جاء الحادث في مدينة نيس الفرنسية ليعطي دلالة مضاعفة عن فشل السياسات الأوروبية في المنطقة خاصة أن أداة التنفيذ يجب أن تدفع الغرب لاستدراك حالة الانهيار المنهجي في دوله التي تسمح للإرهاب أن يخرق بيئته ومدنه ومجتمعاته. والرسالة الأخطر الذي حملها الحادث هي أن الذئاب المستوحشة، كما يصفها الغرب، أصبحت في قلب مجتمعاته بعد رسالة أبو محمد العدناني في مطلع رمضان الماضي الذي دعا علناً إلى قتل الفرنسيين. أما اللافت فهو ابتكار وسيلة جديدة للارهاب الذي استخدم شاحنة قتلت 84 فرنسياً من دون الحاجة إلى خلية أو منظومة إرهابية ما يؤكد جدية التحذيرات التي وجّهتها دول حلف المقاومة وروسيا منذ سنوات لا سيما العراق وسورية اللذين دفعا ثمن الاستثمار الغربي على الإرهاب.
.. وعلى الغرب التسليم بالحقيقة
آن الأوان لكي يستفيق الغرب من سباته العميق وأن يعي أخطار السياسات التي يتبعها في المنطقة، وتحديداً في سورية، وألا يبقى كالنعامة التي تدس رأسها في التراب. وبالتالي عليه التسليم بالحقيقة التي يعلمها وهي أنه ساهم بتربية الأفاعي وإطلاقها من جحورها واليوم يُلدغ منها، وأول المخاطر هو انهيار مجتمعاته وسقوط ما يفتخر به من قيم التعايش والتنوع في مجتمعاته التي تحوّلت الى بؤر للارهاب.
حادث نيس وضع إرث شمالي إفريقيا وشرق المتوسط على سكة الخطر في ظل إرهاب تكفيري معلّب يُصدّر كتب التكفير من دولة معروفة يصل تأثيره إلى المجتمعات الغربية ليتحوّل مواطنو بعض المدن من شعوب مسالمة أتت للارتزاق إلى قنابل إرهابية موقوته قادرة على تفجير مجتمعاته كلها. هذا كله من أخطاء السياسات الغربية وتحديداً فرنسا التي عليها التقاط لحظة تغيير سياسة الالتحاق المصلحي الرخيص والارتهان للمال الخليجي.
سقوط منطق 14 آذار
بعد حادثة نيس سقط المنطق السياسي لقوى 14 آذار وظهر أن الإرهاب لا يميز بين منطقة وأخرى أو بلد وآخر ولا ينتظر من يستجلبه إلى أراضيه بل يضرب في أي مكان تصل يداه. كما أن الإرهب ليس فعلاً فقط بل منظومة فكرية ومنهجه هو الوهابية ينتج عند حليفة 14 آذار السعودية ويصدَّر إلى أنحاء العالم كافة، في حين شكل الخطاب السياسي لهذا الفريق غطاءً سياسياً غير مباشر للعوامل الإرهابية في أكثر من منطقة، وعرسال نموذج حي. أما الخوف الأكبر فهو أن تتحوّل مخيمات النزوح السوري وبعض المخيمات الفلسطينية إلى عوامل كامنة للإرهاب تحضر إلى لحظة معينة يجري التخطيط لها لضرب الأمن والاستقرار الداخلي تنفيذاً لمخططات خارجية.
العين على عين الحلوة
حادث نيس ثبت بأن الإرهاب في أوروبا لا يختلف عن الإرهاب في سورية أو العراق أو ليبيا أو الإرهاب الموجود في الداخل اللبناني في قلب الحواضن على شكل خلايا نائمة، وسط معلومات وصلت إلى الأجهزة الأمنية الرسمية عن عمليات إرهابية يجري التحضير لها من خلايا في مخيم عين الحلوة التي تراقبه العين الأمنية بدقة، لضرب أهداف داخل المخيم وفي خارجه. وعلمت «البناء» أن الجيش اتخذ إجراءات وتدابير احترازية ووقائية على مداخل المخيم وكثف دورياته في الطرقات والشوارع المؤدية للمخيم.
اجتماع بين حمود واللجنة العليا
وأكدت مصادر في اللجنة الأمنية العليا في المخيم لـ «البناء» أن «هناك توافقاً فلسطينياً بين كل القوى والفصائل على رفض أي عمل إرهابي في المخيم أو منه إلى الخارج»، لافتة إلى أن «وسائل الإعلام عملت على تضخيم هذه المعلومات»، لكنها أوضحت أن «استخبارات الجيش تواصلت أول من أمس مع اللجنة الأمنية العليا في المخيم، للسؤال عن حقيقة هذه المعلومات التي وصلت إليها وعلى الأثر عُقد اجتماع جمع رئيس فرع الجنوب في مخابرات الجيش العميد خضر حمود واللجنة الأمنية العليا وجرى التداول بالمعلومات واتفقوا على زيادة التنسيق واتخاذ إجراءات احترازية في داخل ومحيط المخيم».
وأشارت المصادر إلى أن «القوة الأمنية المشتركة في المخيم ستضرب بيد من حديد أي محاولة لزعزعة أمن المخيم أو استخدامه لضرب المحيط»، لافتة الى أن «اللجنة أخذت تعهداً من جميع الفصائل من بينها القوى الإسلامية في المخيم وأكدت جميعها الحرص على أمن المخيم والجوار». واستبعدت المصادر «وقوع أي عمليات إرهابية في لبنان تنطلق من المخيم، مشيرة إلى وجود حالات متطرفة فردية في المخيم وليس ضمن مجموعات أو خلايا وتنظيمات إرهابية».
.. ومواقف مستنكرة
وأرخى حادث «نيس» بظلاله على الحركة الداخلية واقتصرت على ردود فعل مندّدة ومستنكرة للعمل الإرهابي، معلنة الوقوف الى جانب فرنسا. وفي السياق، أبرق الى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند معزياً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام الذي أكد «أن لبنان الذي هالته هذه الجريمة البربرية يقف بأكمله إلى جانب فرنسا في هذا الوقت العصيب». وفي موازاة ذلك، أفادت وزارة الخارجية والمغتربين أن لا إصابات حتى الساعة في صفوف أبناء الجالية اللبنانية بين ضحايا الاعتداء الإرهابي الذي طال مدينة نيس.
جلسة مالية للحكومة الإثنين
أما الملفات المحلية الساخنة وفي مقدمها المال والنفط، فتنتظر ما ستحمله ثلاثية جلسات مجلس الوزراء الأسبوع المقبل والتي تبدأ بجلسة الإثنين المخصصة لمناقشة الوضع المالي واستكمال دراسة التقرير المالي لوزير المال علي حسن خليل.
وقال مصدر وزاري لـ «البناء» إن «تقرير خليل يتضمن أرقاماً ومؤشرات لتقييم الوضع المالي والاقتصادي في لبنان ستصل اليوم الى الوزراء على أن تصل اقتراحات المعالجة لاحقاً».
دي فريج لـ «البناء»: الملف ينتظره مسار طويل
وعلمت «البناء» أن أعضاء اللجنة الوزارية المختصة بملف النفط «لم يتلقوا حتى الآن أي دعوة من رئيس الحكومة للاجتماع».
واستبعد وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دي فريج «إقرار المرسومين المتعلقين بالنفط والغاز في مجلس الوزراء في القريب العاجل، موضحاً أن هذا الملف ينتظره مسار طويل من الخطوات ولا يمكن التكهن متى سيبدأ استثمار النفط والغاز كما ولا يمكن اختصار الموضوع بمكونين في الحكومة بل يحتاج الأمر إلى بحث ونقاش في مجلس الوزراء ويحتاج أيضاً إلى تواقف سياسي».
وأوضح دي فريج أن إقرار المرسومين في مجلس الوزراء لا يعني أن الأمر انتهى بل على وزارة المالية إرسال قانون الضرائب النفطي الى مجلس الوزراء الذي يرسله بدوره الى المجلس النيابي ويحيله رئيس المجلس إلى اللجان المختصة كلجنة المال والموازنة التي ترسله لاحقاً إلى الهيئة العامة لإقراره». لكنه تساءل: «هل أحد الأطراف التي أعلنت اتفاقها على موضوع النفط مستعدّ للنزول الى المجلس النيابي لإقرار القوانين المتعلقة بالنفط والغاز؟ وهل هو جاهز للتنازل عن شرطه بعدم النزول إلى المجلس النيابي إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية وإقرار قانون انتخاب؟ وبالتالي هل هناك تواقف بين جميع الأطراف على فتح المجلس النيابي؟». وشدد على أن «انتخاب رئيس للجمهورية يحل كل المشاكل في البلد ويسرع وضع ملف النفط والغاز على السكة الصحيحة».