رسالة مفتوحة إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان
علي البقاعي
سماحة المفتي الجزيل الاحترام:
تهنئة قلبية لمناسبة انتخابكم مفتياً للجمهورية اللبنانية، في زمن أصبح انتخاب أي مسؤول في هذا الوطن نوعاً من المعجزة. مهمّات كثيرة تنتظركم في المراحل المقبلة، سواء على مستوى الطائفة السنية الكريمة، أو على مستوى العلاقات السنية-الشيعية والتفاعل مع باقي المكوّنات والعائلات الروحية اللبنانية.
ليس سرّاً أن ثمة خلافات عصفت بالطائفة السنية خلال السنوات القليلة الماضية، وأنّه تم اختيارك لإيجاد حلول لهذه الاختلافات. كما لا نذيع سراً إن قلنا إنّ هناك من يسعى إلى خلق فتنة سنية شيعية يعمل أعداء الوطن على إشعالها ليلاً ونهاراً، سرّاً وعلانية، وهي تهدّد مجتمعنا ووحدته.
فتنة خطيرة يا سماحة المفتي تسري مثل النار في الهشيم عبر جهات تعمل ليل نهار على تأجيجها، مستخدمة تقنيات عالية وخبراء في بث الإشاعات والأخبار، مدركين أن هناك من هو جاهز ليصدّق، من دون التحقق من مصدر الخبر أو حقيقته. ويمكنك بما تتحلّى به من معرفة وحكمة وجرأة العمل على وأدها قبل أن تستعر، بالتعاون والتشاور مع باقي المكوّنات الروحية في الوطن.
الله هو رب الجميع من غير استثناء، والإسلام الذي تربّينا عليه وتعلّمناه في مساجدنا وخلواتنا هو دين العقل والدليل والرحمة والتسامح، دين المعرفة واليقين والبينة، دين يبدأ المؤمن يومه فيه بـ«السلام عليكم» وينادي بالأخوة بين عباد الله «المؤمنين» كافة دونما تمييز بين الناس على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وألوانهم، فهم جميعهم سواسية أمام الله في صلاتهم وسجودهم، يؤمنون بإله واحد، مطبقين الآية التي تقول «إنّما المؤمنون إخوة».
من يطالع كتاباتك ومقالاتك يوقن أنك من المؤمنين بأن المسؤولية تكليف وليست تشريفاً، وأنك مارست هذا الإيمان في المسؤوليات التي توليتها خلال خدمتك في مواقع كثيرة في دار الفتوى. ومن البديهي أن مهمتك كرئيس للمحكمة الشرعية السنية العليا، ومديرًا عامًّا للمحاكم الشرعية السنية، منحتك القدرة على أن تكون صاحب كلمة فصل بين إصحاب الاختلاف وألاّ تقضي بأمر إلاّ بعد أن تدرسه وتراجع مضمونه وحيثياته وتتبيّنه، عملاً بتعاليم الإسلام.
مسؤولياتك كبيرة أمام الله والناس، أن تكون حكماً عادلاً وقاضياً يقضي بالحق، وأن تبيّن الحقيقة للناس، وتبيّن لهم من هو عدو الدين والوطن ومن أين يأتي الخطر، وأن تعمل على إعادة اللحمة إلى مكوّنات الوطن الدينية والإنسانية وتعزيز الدور الوطني والقومي لطائفة كريمة كانت سباقة وشريكة في قيام الكيان والحفاظ عليه، وشريكة في المقاومة التي دحرت الإحتلال «الإسرائيلي» وأذلّته وفي حمل راية فلسطين وثورتها التي نسيها الكثير من الأعراب وتخلّت عنها الكثير من الحكومات التي تحكم باسم الإسلام.
أتمنّى لك التوفيق في مهماتك الكثيرة والصعبة، ولي أمنية ذات أولويّة هي أن تضع حدوداً لبعض أئمة المساجد وهم قلة الذين لا يتبينون حقيقة المعلومات التي يسمعونها أو يقرأونها في وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل الإجتماعي، ويتحدثون عنها كواقع وحقيقة من على منابرهم في خطبة الجمعة، فيكونون سبباً في بث سموم الفتنة المذهبية والطائفية في حين أننا أحوج ما نكون إلى الكلمة الطيبة، عملاًً ًبما جاء في القرآن الكريم:
«ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي ثمرها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلّهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار».