هل يكفي أن تعتذر تركيا؟
د. خيام الزعبي
أقاويل تتردّد هنا وهناك بأنه يوجد محاولات عديدة للتوسط بين سورية وتركيا، فالأجواء تشير إلى تحرّكات لكننا لا ندري حقيقة ما يحدث، وإنْ كانت المؤشرات تقول إنّ الجزائر تحاول أن يكون لها دور في هذا الملف، وإنها تحاول إزالة الخلافات بين دمشق وأنقرة، خاصة أنّ تركيا لديها مشاريع خاصة بالمنطقة، وترى أنه لن يكتب لها النجاح إلا من خلال وجود توافق بين دول المنطقة الرئيسية وعلى رأسها دمشق، وأنّ محاربة الإرهاب في الإقليم لن يكتب له النجاح إذا استمرّ الخلاف مع دمشق، وتحت عنوان «روسيا وتركيا تعيدان تقييم أدوارهما في سورية»، قالت «صحيفة فاينانشال تايمز» البريطانية، إنّ تركيا مستعدّة لاتخاذ خطوات من شأنها أن تغيّر مسار الحرب في سورية لافتة إلى أنه سيكون هناك تسويات وتنازلات في ما يتعلق بالأكراد والمجموعات المسلحة».
في عالم السياسة لا شيء مستحيلاً، فالرئيس أردوغان تراجع عن مواقفه المتعدّدة تجاه القضايا المعقدة سواء بإسقاط الطائرة الروسية أو شروطه لإعادة العلاقات مع «إسرائيل» بعد حادثة السفينة التركية، فقد جرى بالفعل توقيع اتفاق مع «إسرائيل» وإعادة العلاقات معها، بالإضافة الى مدّ يد المصالحة مع روسيا، فالسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا هو: هل تمدّ تركيا يدها مجدداً مع خصومها خاصة دمشق بعد التقارب الروسي التركي الروسي؟ خاصة أنّ الجميع بدأوا يرتبون أوراقهم من أجل عملية إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
على صعيد متصل ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» أنّ تركيا تخطط لتغيير استراتيجيتها في سورية، بالتخلي عن الدعم المباشر للجماعات المسلحة، كما أنّ هدف أنقرة في سورية الآن هو قمع الحركة الكردية ومكافحة تنظيم داعش، وقالت الصحيفة: «بعد عدة سنوات من الحدّ من التجارة وزيادة الهجمات الإرهابية، أنقرة شعرت بأنها معزولة على الصعيد الدولي، في الوقت الذي كانت تناضل فيه ضدّ الحركة الكردية «داعش» كان ينمو داخل البلاد».
في إطار ذلك قد يكون الهجوم الإرهابي على مطار اسطنبول حافزاً كبيراً لتوثيق العلاقات مع روسيا ولتغيير الاستراتيجية في سورية، وعلى الرغم من تحذير الدبلوماسيين بشأن إمكانية التغيير الحادّ في مسار البلاد، إلا أنّ الصحف الموالية للحكومة التركية بدأت تغيّر مقالاتها تجاه سورية، بمعنى أنّ تركيا استدركت المخاوف من ولادة دويلة كردية على حدودها مما جعلها تغيّر مواقفها تجاه النظام السوري، وأنّ مهماتها الرئيسية ستكون مكافحة الأكراد وتنظيم داعش ولتحقيق هذه الأهداف فإنّ أنقرة ستحتاج إلى دعم موسكو.
وفي الاتجاه الآخر أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أنه يرفض «عداءً دائماً» مع دول مجاورة، بعد أزمات مع مصر و«إسرائيل» وروسيا وسورية في السنوات الماضية، ونقلت صحيفة «حرييت» عنه قوله: «إسرائيل وسورية وروسيا ومصر، يجب ألا يكون لدينا عداء دائم مع تلك الدول المطلة على البحرين الأسود والمتوسط».
اليوم وجدت تركيا نفسها شبه معزولة بسبب صلف الرئيس أردوغان، فبدلاً من سياسة «صفر مشاكل» التى جاء بها رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو فإنّ تركيا توترت علاقاتها مع معظم الجيران ودول المنطقة، وتورّطت فى الحرب على سورية وتوترت علاقاتها مع روسيا بعد إسقاط الطائرة الروسية ـ وقطعت روسيا السياحة إليها ـ وخسرت مصر ومعظم الدول العربية لانحيازها إلى جماعة الإخوان، لذلك تجد تركيا نفسها أمام مأزق حقيقي، خاصة بعد أن أصبحت المنطقة العازلة فكرة غير قابلة للتحقق في ظلّ معارضة حلفاء دمشق، كما أنّ تركيا التي أدارت الصراع في سورية خسرت رهانها على أن تكون هي الراعية وبيدها الورقة الكردية، لكن الرهان الأكبر سقط بعد فشل أردوغان في إعادة خلط الأوراق وإحداث فوضى في سورية لتحقيق أهدافه هناك، ولكن كلّ هذه الأوهام تلاشت وانهارت لأنّ الجيش السوري استطاع القضاء على داعش وطردها من البلاد، وبذلك فإنّ تركيا دفعت ثمناً سياسياً ودبلوماسياً باهظاً لمغامرتها الطائشة في سورية.
لذلك فإنّ السياسة التركية في سورية آخذة بالتغيير، فرحيل رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو عن منصبه والذي كان ينظر إليه على أنه المهندس الرئيسي لسياسة أنقرة سهّل هذا التحوّل، كما أنّ بقاء الرئيس على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلت من أجل الإطاحة به، هذا بالإضافة إلى تحوّل محور اهتمام حلفاء تركيا الغربيّين نحو الاهتمام بداعش والقضاء عليها بدل الاهتمام بتغيير النظام السوري، بذلك وجدت أنقرة نفسها في عزلة متزايدة في طريقها لتحقيق هذا الهدف الذي أثبت في النهاية عدم جدواه في ظل الدعم اللامحدود للنظام السوري من حلفائه الروس والإيرانيين، في هذا الإطار تلعب تركيا على أكثر من سيناريو والمطلوب منها العمل على إغلاق حدودها أمام تدفق الإرهابيين والأسلحة، ووقف التدخل بالشأن السوري، والابتعاد عن سياسات المناورة والخداع والالتفاف، وخلا ذلك ستواصل تركيا حصد المزيد من الخسارات والمخاطر على أمنها الوطني والقومي.
مجملاً… لا يمكن لأحد في العالم أن ينكر الدور الرئيسي الذي لعبته تركيا سياسياً وعسكرياً واستخبارياً بالحرب على سورية ومشاركتها الرئيسية بتدمير سورية، ولكن الآن وبعد ان فشل المخطط الرئيسي لتركيا وحلفائها بتقسم سورية على أساس طائفي وإضعاف جيشها وبعد الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وبالأخصّ في ريف حلب الشمالي، حان وقت الحساب وهنا نتساءل: هل سيدفع أردوغان وتركيا حساب ما فعلوه؟ أو سيغيّر النهج ويعود الى الحضن السوري؟ الإجابة على هذا السؤال ستظهرها الأيام والأسابيع المقبلة والخاسر دائماً هو من يدفع الثمن.
كاتب سياسي
khaym1979 yahoo.com