كيف عاش العالم لحظات محاولة الانقلاب على أردوغان؟
شارل أبي نادر
لم يحدث في التاريخ الحديث وربما حتى القديم أن حبس العالم أنفاسه بهذه الطريقة غير الطبيعية، والتي جمعت لدى أغلب المعنيين من دول أو مجموعات أو حتى أفراد مراقبين أو باحثين، مزيجاً كاملاً من تناقضات الخوف والدهشة والترقب والفرح والحزن والمفاجأة والتوقع والدهشة، وذلك نتيجة ما سبّبته لدى هؤلاء متابعتهم لمحاولة الانقلاب الفاشلة على السلطة الحاكمة في تركيا والتي جرت ليل 15 – 16 تموز/ يوليو الحالي.
للوهلة الأولى، ذهب المراقبون باتجاه أنّ هذا الانقلاب هو في طريقه للنجاح، حيث هو مبدئياً، ودائماً حسب هؤلاء المراقبين نتيجة تراكمات كبيرة من الخلافات والاختلافات بالرأي وبالنظرة الداخلية والإقليمية والدولية بين الجيش التركي قيادة وضباط وأفراداً وبين أردوغان، وذلك على خلفية ما يعتبره هؤلاء العسكريون أنّ الرئيس المذكور قد ورّط الدولة والشعب والجيش فيه، وأقله التدهور الاقتصادي وضرب السياحة التي هي عصب الاقتصاد، ونشوب أزمة خطرة مع روسيا، وبالتحديد مع الرئيس بوتين، وما يعلمونه عنه من عناد وإصرار، ومن غرام وعشق للسيادة الروسية ولمصالحها، أو لناحية الدور المشبوه لرئيس دولتهم في رعاية ودعم وتقوية الإرهاب، وتسهيل انتقاله بين العراق وسورية ودول الاتحاد الأوروبي، وما خلفه ذلك من توتر في العلاقات مع هذه الدول، أو لناحية الأزمة الوجودية لدول الاتحاد المذكور والتي سبّبها النزوح السوري على خلفية الحرب على سورية، والتي كان للرئيس التركي الدور الفاعل في نشوبها واستمرارها بعد أن خلق وتبنّى شعار «رحيل الرئيس الأسد».
مع مرور الساعات القليلة، وبعد أن تضاربت المعلومات وفي أكثر من اتجاه عن بيانات رقم واحد للجيش حول توليه السلطة وحول توجهه نحو العالم عن محافظته على السياسة الخارجية لتركيا، وكأنه ضمن امتلاكه للقرار أو للسياسة الداخلية مثلاً، وبعد توافر معلومات غير دقيقة أو غير واضحة عن ضربات جويّة طالت مجلس النواب ومكان وجود الرئيس التركي أو مكان وجود رئيس الحكومة وبعض الوزراء، ليتبيّن لاحقاً وبعد انجلاء الصورة أنّ أردوغان وحكومته والقسم الأساس من وحداته العسكرية ومن قادة تلك الوحدات، يمسكون جميعاً بالوضع وبزمام الأمور وبالمبادرة وهم يسيطرون على الدولة ومؤسساتها وعلى مكامن القرار فيها بالكامل.
لقد تبيّن أيضاً أنّ المجموعة المؤثرة والفاعلة داخل الجيش والتي هي قد تكون وبنسبة مرتفعة، غير موافقة على سياسة أردوغان ولا تدعمه في قراراته وفي استراتيجيته، وهذا طبعاً ما يجمعها مع الجناح المتواضع الذي قاد أو مشى بالحركة الانقلابية، لا تريد الذهاب نحو المجهول في ظلّ الضغوط التي تعيشها الدولة وفي ظلّ التوتر الذي تعيشه المنطقة وأوروبا والعالم، وحيث ترى هذه الجهة الفاعلة في الجيش أنّ الوضع الداخلي في تركيا سيكون دقيقاً وحساساً مع الانقلاب الذي، حتى في حال نجاحه لن يضع الدولة بسرعة في خانة الاستقرار والتوازن، وترى هذه الفئة التي تلقفت الموضوع سريعاً أنّ الجميع خارجياً يتربّص بتركيا، على خلفيات مختلفة تدور جميعها حول ما ذُكر أعلاه كما رأى المراقبون لوهلة أولى.
تبيّن ايضاً، وبالإضافة لما يتمتع به أردوغان من تأييد واسع من قبل المخابرات العامة وأجهزة الأمن على اختلاف فروعها، والتي سهّلت وبسرعة لافتة تدفق المدنيّين المؤيدين لحزب العدالة والتنمية إلى الساحات وإلى المفاصل الرئيسية في المدن الكبرى، تبيّن أنّ خوف وخشية الجهات السياسية والحزبية حتى المعارضة لأردوغان من الأخير في حال ثبّت أقدامه وأفشل الانقلاب، أو من سلطة الجيش ومن تسلطه في حال نجح الانقلاب، دفعها للوقوف مع أردوغان بطريقة غير مباشرة من خلال عدم تبنّيها حركة الإنقلاب أو عدم دعمها الإنقلابيين، وهذا ساهم أيضاً مع موقف القسم الأكبر من الجيش، كما ذكرنا في إفشال هذه الحركة الانقلابية.
من جهة أخرى وأساسية، لم تحظ كما ظهر، أقله في المواقف العلنية، هذه الحركة الانقلابية بأيّ دعم دولي، حيث اختار قادة هذه الدول وتقريباً أغلبهم، عدم اتخاذ قرار واضح وصريح في تأييد أردوغان أو في تأييد الانقلابيين، وكأنهم كانوا غير ملمّين بتاتاً بالوضع الداخلي في تركيا لناحية حجم وقوة نفوذ هؤلاء الانقلابيين، أو لناحية مستوى ما يتمتعون به من قدرة أو من إمكانية للقيام بحركة احتجاجية تصل إلى مستوى انقلاب عسكري ناجح على سلطة متشدّدة يعلمون جميعاً قدرتها وبطشها، فاختاروا الانتظار ومراقبة ما يجري والتحضّر للسير بدعم من يفرض نفسه، وكانوا في النهاية جميعاً مع أردوغان يهللون لانتصار الديمقراطية والحكومة المنتخبة شرعياً، بعد أن حضّر أغلبهم بيانات كانت جاهزة للتهليل أيضاً للانقلابيين في حال فوزهم وللإشادة بقرار الجيش والشعب المتضامن في وجه طاغية وظالم.
وأخيراً… لا شك أنّ ما بعد محاولة الانقلاب ليس كما قبلها، فصحيح أنّ أردوغان سوف يكون حاسماً مع الانقلابيين ويجعلهم يدفعون ثمناً باهظاً وذلك لمجرد تفكيرهم بإزاحته وبالطريقة الانقلابية كما حدثت، وأيضاً ليكونوا عبرة لمن ستسوّله نفسه لاحقاً القيام بأيّ حركة تصحيحية اعتراضية على السلطان، ولكنه سوف يعيد دراسة ما حدث لناحية محاولة الوقوف على الأسباب الحقيقية التي دفعت قسماً من الجيش لاتخاذ القرار بتنفيذ انقلاب ضدّه، كما أنّ محاولة الانقلاب هذه سوف تغري بعض الدول الفاعلة في محاولة التفتيش عن جذور أكثر قوة وثباتاً، ومن الممكن أن تشكل أسساً معينة لتحضير انقلاب أوسع ظهرت إمكانية معقولة في المحاولة الأخيرة لأن ينجح لو تمتع من قبلهم بدعم أكبر وبتحضير اوسع واكثر تنظيماً وتركيزاً، أو لو حظي بمتابعة حنونة أكثر من قبل ديبلوماسييهم أو من قبل أجهزة مخابراتهم.