تركيا: صراع الأخوة الأعداء

هدى رزق

ما معنى أن يستبعد رجب طيب أردوغان الرئيس عبدالله غُل عن رئاسة حزب العدالة والتنمية؟ ويأتي بأحمد داود أوغلو كرئيس للحزب؟ هل هو انقلاب على رفيق الأمس الذي خاض معه الانفصال عن حزب الفضيلة وأسسا معاً العدالة والتنمية؟ هل تغيرت سياسة ومبادئ الحزب أم مبادئ أردوغان هي التي تغيرت؟ بعض المراقبين للوضع السياسي التركي يرون أن سياسة العدالة والتنمية تغيرت منذ 2010 وأن كل المبادئ التي حكمت علاقته بالأحزاب في الداخل وتحالفاته السابقة داخلياً وخارجياً. البعض يرى أنه ومنذ تولي أردوغان رئاسة الوزراء 2007 بدأ التحول التدريجي إلى أن وصل إلى قمة في 2010 .

قد يكون الانقلاب على الحليف الأساسي الداعية غولن مقدمة للتخلص من التحالفات الماضية وتغيير وجهتها، لقد تحالف أردوغان معه لتثبيت وضعه ووضع حزبه سانده غولن في التخلص من سلطة الجيش وتدخله في الحياة السياسية وبدأ يتناقض معه منذ حادثة مرمرة مافي، إذ اتضح لغولن أن أردوغان ضحى بالناشطين الأتراك التابعين لمنظمات المجتمع المدني غير الموالية لرئيس الوزراء من أجل الوصول إلى أهداف سياسية بدأت تظهر مفاعيلها تباعاً.

موقف أردوغان من عبدالله غل لم يظهر إلى العلن إلا بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية كان مستاء من مواقف هذا الأخير خلال تظاهرات «حديقة غزي». لقد انتقد غُل خلالها الاستعمال المفرط للقوة ضد المتظاهرين بينما كان أردوغان يعرب عن اعتزازه بالشرطة، وبتهم قوى أجنبية بالوقوف خلف هذه الاعتراضات. تميز غل في مقاربته للاتهامات التي أسبغها أردوغان على جماعة «الخدمة «وفضل اعتماد الطرق القانونية للتحقيق بالأمر. بينما شدد أردوغان على اتهامها بالتآمر مع الأميركيين ضده. لقد صرح الإعلام التابع له أنه سيحارب جماعة غولن أينما كانوا واتهمهم بأنهم يشكلون «الدولة الموازية» وهذه ستكون من ضمن أولوياته. كما أنه سيلاحق المنخرطين منهم في الوظائف العامة والتعليم بكل فروعه ومستوياته .

شكل اعتراض غُل على منع وسائل التواصل الاجتماعي ومنها تويتر توتراً لدى أردوغان الذي أعرب عن عدم الاهتمام برأي المجموعة الدولية من الأمر. اخترق غُل المنع وغرد على تويتر مما اعتبره أردوغان تخط لمواقفه. ربما تكون هذه المواقف هي الشعرة التي قصمت هذه العلاقة لكن المؤكد أن أردوغان كان يعمل مع داود أوغلو وهاكان فيدان على أكثر من ملف داخلي ويستبعد غُل في ما يخص ملفات خارجية لها علاقة بسورية ومصر وتونس وأخرى داخلية لها علاقة بالأكراد. يعتبر غُل بعيداً من ملفات الفساد وهو أقرب إلى الاعتدال في علاقاته مع الداخل التركي والخارج الغربي والعربي.

يأتي قراره بالعودة إلى العمل السياسي عبر إعادة انخراطه في الحزب، بعد توليه الرئاسة وابتعاده من الحزب بحسب الدستور التركي، ليطرح أسئلة على بعض الذين اعتبروا تصريحاته السابقة بمثابة تراجع عن ممارسة العمل السياسي. لكن تصريحاته لم تش بذلك، بل هو رفض أن يكون وضعه مع أردوغان شبيهاً بوضع روسيا مدفيديف – بوتين. يعتقد غُل أن تركيا لا تخضع لحكم سليم وأن قانون الانتخاب يفرض على الأحزاب الجديدة شروطاً تعجيزية حيث يفترض أن يكون لها فروع في البلاد قاطبة قبل ستة أشهر من الانخراط في الانتخابات البرلمانية. ما يمنع هذه الأحزاب الجديدة من المشاركة ويبقي على الأحزاب نفسها وذات موازين القوى السائدة هذا الأمر يساهم في إضعاف الديمقراطية .

يريد غُل أن يعود إلى السياسة الفاعلة ولن يترك «العدالة والتنمية» لجماعة أردوغان. هناك ضغوط عليه من جانب الحزبيين من أنصاره. هل سينتظر إلى ما بعد انتخابات؟ ويراقب نجاح أو فشل داود أوغلو ليكون هو المنقذ إذا ما فشل هذا الأخير؟ في هذه الأثناء سوف يكون عضواً في الحزب ونائباً في البرلمان. لكن في هذا الوقت سيضع أردوغان يده على كامل الحزب بعد أن يكون قد هيأ الأرضية لنواب جدد من اتباعه سيكونون قدوة لمن ينتمون إلى الحزب تحت الراية «الأردوغانية». هل سيسعى إلى تأليف حزب جديد بعد أن اتضح له أنه لا يمكن الوثوق بأردوغان. لديه الكثير من المؤيدين ربما الأفضل له تأليف حزب جديد ولكن المشكلة هي ماكينة أردوغان الإعلامية التي يمكنها تحويله إلى خائن للاستقرار الاقتصادي وعميل للقوى الأجنبية بعدما حول فضيحة الفساد إلى صراع على السلطة بينه وبين غولن يمكنه أن يفعل الأمر نفسه مع غُل.

لن يأتي التحدي الكبير لأردوغان من حزب الشعب الجمهوري ولا من حزب الحركة القومية سيأتي من داخل العدالة والتنمية ولكن بعد حين .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى