بيروت تتذكّر ياسين رفاعية
بدعوة من «دار الندوة» و«النادي الثقافي العربي» و«اتحاد الكتّاب اللبنانيين» و«الحركة الثقافية ـ أنطلياس» و«دار نلسن للنشر»، وفي قاعة «دار الندوة»، تذكّرت بيروت الروائيّ القاصّ الراحل ياسين رفاعية وأحيت ذكراه، وسط حضور كثيف من الأدباء والمفكرين وأهل القلم والإعلام.
بدايةً، رحّب سليمان بختي بالحضور وقال: لو قدّر لي أن أختصر حياة ياسين رفاعية بأربع كلمات لقلت: الحبّ، الحزن، الصبر، الكتابة في كل وقت، في كل حين حتى تحتمل الحياة. حياة ياسين رفاعية كانت ثمناً فادحاً لكل ذلك. كتب الكثافة والقيم والجديد المختلف. كتب شهادته على الحياة والمكان. كتب ليؤجل الموت. رأى تلك الزهرة الفريدة في نهاية الرحلة. وما بين الألم والأمل وجد أن لا مكان سوى للكلمة فكتبها ثم غاب.
ثم كانت كلمة «دار الندوة» ألقاها النائب السابق بهاء الدين عيتاني وقال فيها: أعجب ياسين رفاعية بمنطقة رأس بيروت، ببيئتها وثقافتها وتنوّعها وجمالها. وانسجم بجوّها الثقافي المميّز، واختارها مقرّاً لإقامته لأكثر من 50 سنة. وحكى بأعماله الكثير عن الحرب اللبنانية والحبّ والهجرة والمرأة والحنان والأمل.
ثم تحدّث الروائي والأديب والدبلوماسي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي في كلمته عن عمر من الصداقة مع ياسين رفاعية، منذ مجلة «المعرفة» السورية ومجلة «الأقلام» العراقية، مروراً ببيروت ولندن. ولم تنقطع الصداقة ولا المراسلات حتى وفاته. وأضاف: كان ياسين إنساناً شفّافاً وفنّاناً لم يعرف غير الصحافة مهنة ووسيلة عيش. وهو كاتب قصّة وصاحب منجز مميّز فيها. كتابه الأجمل «العصافير»، ولا أزال أذكر الشاعر الكبير نزار قباني كم احتفى بصدور كتاب رفاعية «أنت الحبيبة وأنا العاشق». وإلى جانب مناجياته النثرية كانت هناك رواياته السيرية ورواياته القصيرة مثل «الممرّ» و«مصرع الماس» وغيرها. وتابع بتأثّر: فاجأني نبأ رحيله عندما طلب صديق أن أكتب عنه كلمة في إحدى الصحف في لندن. برحيله فقدت صديقاً قريباً أطمئنّ إليه ويطمئنّ إليّ، وحزني عليه كبير وسيظلّ. لقد الأدب العربي ركناً من أركانه البارزين.
وألقت كلمة «الحركة الثقافية ـ أنطلياس» إقبال الشايب غانم وقالت فيها: أهدى ياسين رفاعية كتابه «العصافير» إلى روح معلّمي الكبير فؤاد الشايب، والدي، الذي غدر به الموت وهو في قمّة العطاء. وشاء القدر أن أتكلم في غيابهما معاً. كنت أغبط ياسين لأنّ والدي يشجّعه وينشر له.
واعتبرت غانم أنّ قصص ياسين رفاعية قاسمها المشترك الغصّة والمرارة والمآسي العائلية. كانت الكلمة غايته وسبب بقائه. وختمت: استطاع ياسين رفاعية أن يصنع من شجونه أغنيات كثيرة.
كلمة «اتحاد الكتّاب اللبنانيين» ألقاها الدكتور وجيه فانوس وكانت بعنوان «بيروت عبر ياسين رفاعية وبه» وقال فيها: لم تكن الكتابة عنده وسيلة أو مسرحاً أو هواية، بل العيش بذاته، وخارجها ليس سوى الموت. ياسين رفاعية واقعيّ الرواية المتّسق بيانه مع فاعلية السرد. جذبته بيروت وشكّلت صدى لنفسه في حيوية حرّية الفعل والتفاعل والانفعال مع الآخر. ترى، هل بدأنا نقول ونحن نودّعه وداعاً يا بيروتنا الجميلة المعطاء القادرة على الاستقطاب والبذل والاعتراف بالآخر المختلف.
وختم: تحية الى ياسين رفاعية وتحية إلى بيروت ياسين رفاعية.
وتحدّث الدكتور ميشال جحا عن حضور أمل جراح في أعمال ياسين رفاعية ومن خلال رواياته «رأس بيروت»، «وميض البرق»، و«الحياة عندما تصبح وهماً». قلائل هم الكتّاب الذين يستوحون زوجاتهم. وصورة أمل جراح في أدب رفاعية صورة امرأة شاعرة جميلة حنون حيّة في وجدان زوجها. واستطاع رفاعية تصوير حضورها في الذاكرة والغياب وفي المعاناة والحبّ وفي الأمل والمثال. ارتاح ياسين رفاعية بعدما جمعه اللحد بزوجته. وهو بفضل ما ترك من نتاج أدبي، على رغم غيابه، يظلّ حاضراً.
وختاماً، كانت رسالة من الناقد العراقي ماجد السامرائي قرأها بختي وكانت بعنوان «ياسين رفاعية ذلك الصديق من الزمن الجميل»، وتذكّر فيها السامرائي الرسائل المتبادلة بينهما منذ زمن مجلة «المعرفة» السورية وفي الستينات من القرن الماضي وحتى الأمس القريب. ورأى أن الكتابة كانت قَدَر رفاعية، والمحبة حالة متأصلة فيه. كان ياسين رفاعية ذلك الشخص الهادئ بفعل ما يمتلئ به من كبرياء. هذا الهدوء تحوّل إلى صبر على ما هو أمرّ من الصبر. سلام عليك أيها الصديق المبدع الذي تجلّى بكتابات ستظلّ حاضرةً في واقع الإبداع العربي المعاصر، وسلام على السنوات التي عشتَ فيها وكافحتَ لتكون وكنت. سلام على ذكراك الطيّبة الباقية في أعماقنا وضمائرنا بعضاً من الوفاء.