الجديد في سباق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة

تتوجه أنظار النخب السياسية والإعلامية والفكرية في واشنطن صوب انعقاد مؤتمري الحزبين، الجمهوري والديمقراطي على التوالي، الأسبوع المقبل للجمهوريين يليه مؤتمر الحزب الديمقراطي على الفور.

سيستعرض قسم التحليل تقلبات نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، والتي تدلّ على تقدّم ترامب مقابل تراجع منافسته كلينتون. الجمهور العام عبّر عن استيائه من قرار مكتب التحقيقات الفيدرالي بعدم ملاحقة السيدة كلينتون قضائياً، مما يفسّر الانعطاف الحادّ في شعبيتها وعدم الوثوق بصدقيتها.

ايضاً، سنلقي نظرة سريعة على اختيار ترامب مرشحه لمنصب نائب الرئيس، حاكم ولاية انديانا مايك بنس، ودلالاتها على صعد متعدّدة.

التحديات أمام حلف الناتو

أعاد معهد كاتو الاهتمام بقمة حلف الناتو معتبراً «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وروسيا» على رأس سلّم أولويات التحديات المقبلة، ومن ضمنها «سحابة داكنة في أفق الناتو، جنباً الى جنب مع الانتخابات الرئاسية الأميركية». واشار الى انّ المرشحة هيلاري كلينتون «ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن للحلف، أما منافسها دونالد ترامب فهو بعكس ذلك، وذهب بعيداً في تصريحاته متسائلاً ما الحكمة من الإبقاء على الالتزامات الأميركية وسخر من حلف الناتو كإطار عفا عليه الزمن». واعتبر المعهد أنّ إدارة ترامب، في حال فوزه «ستطالب بإدخال إصلاحات جذرية على الحلف، وليس بعيداً احتمال مطالبتها بانسحاب الولايات المتحدة». وختم بالقول انّ الدول أعضاء المؤتمر «أبدت مؤشرات ضعيفة بالكاد تدلّ على مجرد إدراكها لعلامات التحذير المنتشرة ويقف الحلف على عتبة تبلور أزمة داخلية».

التطرف الجهادي

حث معهد أبحاث السياسة الخارجية صنّاع القرار الاقتداء «بقدرات قوى الأمن والشرطة وتطبيقها على الجهاديين المتشدّدين، نظراً لتقاطع مهام التصدّي للجريمة المنظمة وعنف المجموعات الجهادية وخصوصاً تلك التي تطبّق أساليب عصابات المدن». وأوضح انّ كلا النمطين، الجهادي ومنظمات الجريمة، يستقطبان أعضاء من شريحة المهمّشين اقتصادياً، وتوظيفهما لوسائط التواصل الاجتماعية لعرض العضلات». وختم بالقول انّ تقاطع مهام المجموعتين «يشكل دليلاً لضرورة دراسة منظمات الجريمة وسبل التصدّي لها وتوفر مدخلاً لمكافحة الجهادية».

ليبيا

أعرب معهد كارنيغي عن اعتقاده بأنّ ليبيا «على عتبة كسب الحرب ضدّ تنظيم «الدولة الاسلامية ـ داعش»، اذ انّ العمليات العسكرية الأخيرة فرضت تراجع مقاتلي التنظيم في سرت باتجاهات الغرب والجنوب والشرق». أما على منطقة الساحل الليبي فقد استطاع «اسطول صغير من القوارب ومراكب الصيد مسلحة بصواريخ غراد وأسلحة مضادة للطيران إطلاق نيرانها على مواقع التنظيم وحرمان مقاتليه من فرصة الهرب والنجاة».

سورية

لفت معهد المشروع الأميركي الأنظار إلى ما يعتقده «جسراً جوياً يربط إيران وسورية» لتبرير خطأ قرار الحكومة الأميركية برفع العقوبات عن مؤسسة إيران للطيران. وطالب المعهد «بإعادة تقييم جادّة» للقرار أسوة بصفقات محتملة بيع طائرات مدنية، أوروبية وأميركية، للمؤسسة الإيرانية. وأوضح أنّ «المسار الجوي من إيران إلى سورية ينطوي على ثغرة هامة»، مناشداً صنّاع القرار في واشنطن «المضيّ قدماً في الضغط على إيران للحدّ من دعمها للرئيس الأسد … ، مما سيحرم طهران من تعزيز قدرتها لمواصلة الجسر الجوي».

إيران

في الذكرى السنوية الأولى لإبرام الاتفاق النووي حذّر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إدارة الرئيس أوباما من «الإبطاء الملحوظ في العقوبات المفروضة على إيران»، رغم إعلان أميركا عن عزمها «الدفع بقوة لفرض عقوبات على النشاطات الإيرانية التي تتمّ خارج إطار الخطة العامة للعمل المشترك…» وزعم بأنّ ايران «لم تقلع عن مسلكها الاستفزازي طيلة العام الماضي، اذ بلغ عدد الأفراد المصنّفين في عداد المقاطعة نحو 20 تقريباً مقارنة بتصنيف مائة ونيّف» في الفترة السابقة.

كما انضمّ معهد المشروع الأميركي الى جوقة المحرّضين على إيران «لانتهاكها بنود الاتفاق النووي». واستند في هجومه على تقرير صحافي يشير الى «تحذير المستشارة الألمانية انغيلا ميركل للبرلمان بأنّ إيران «تستمرّ في تطوير برنامجها الصاروخي مما يتعارض مع أحكام قرار مجلس الأمن الدولي» برفع العقوبات. وزعم المعهد انّ الرئيس أوباما وإدارته «يرفضان الإقرار بالمخالفات، بل تنظر لدعم جهود إيران الانضمام لمنظمة التجارة العملية، بل دعم وصول إيران للعملة الأميركية، وطائرات بوينغ، وشراء الحكومة الأميركية الماء الثقيل من إيران». وختم بالقول إنّ تصرفات الرئيس أوباما في هذا المجال «ستعيق سياسة الرئيس الأميركي المقبل وتكبّل يديه».

أفغانستان

حث مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الإدارة الأميركية الراهنة إجراء «تقييم شامل موسع لاستراتيجيتها في أفغانستان، ووضع شروط محدّدة لتقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية في المستقبل». وناشد صنّاع القرار «عدم تكرار الشروط السابقة المطلوبة من أفغانستان بتقديم ضمانات اتخاذ إجراءات وتطبيق إصلاحات، وإبلاغ الأفغان نية الولايات المتحدة تأجيل تقديم الدعم انْ لم يتمّ الامتثال وتطبيق الشروط المحددة».

ضبابية الحسم

لا تلبث المرشحة هيلاري كلينتون أن تتمسك ببصيص أمل ولو رفيع يدلّ على تقدّمها حتى تعود وسائل الإعلام المختلفة إلى إصدار إحصائيات وبيانات واستطلاعات رأي للدلالة على شبه تعادل او تقدّم منافسها ترامب عليها. الأمر الذي جرى بوضوح مطلع الاسبوع الحالي.

بيد انّ أشدّ ما أقلق حملة السيدة كلينتون هو نتائج استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك، المشهود لها بنزاهتها ودقتها، منتصف الأسبوع يشير الى تراجع شديد في شعبيتها لا سيما تدهور مصداقيتها لدى العامة، وتراجعت حظوظ كلينتون 8 نقاط مئوية أمام منافسها في ولاية فلوريدا بالغة الأهمية، وشبه تعادل بينهما في ولايتي أوهايو وبنسلفانيا.

أهمية الاستطلاع انّ توقيته يعتبر شديد الحساسية كونه جرى عقب إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي عدم ملاحقتها قضائياً، وأيضاً قبل بضعة أيام من انعقاد مؤتمري الحزبين، اذ كانت تتطلع السيدة كلينتون الى دفعة إضافية عقب انفضاض المؤتمر بما يعزز موقعها المتقدّم على ترامب.

يشار الى انّ الفارق النسبي بين المرشحين المحتملين بلغ 8 نقاط مئوية الشهر المنصرم لصالح كلينتون. اما في الاستطلاع الأخير في ولاية فلوريدا فقد تقدّم ترامب عليها بنسبة 42 مقابل 39 لكلينتون. وحافظ ترامب حسابياً على تقدّمه ان جرت الانتخاب بين ثلاثة مرشحين، اذ حاز على 42 مقابل 39 لكلينتون، وكذلك الأمر في ولايات اخرى.

تراجع شعبية كلينتون أضحى مقلقاً لقادة الحزب الديمقراطي لإدراكهم انّ نتائج كوينيبياك دقيقة، ضمن مجال الخطأ الحسابي. وتتصدّر كوينيبياك المؤسسات الأخرى لنزاهتها ووصفت «بمعيار الذهب» حين يتعلق الأمر بالاستطلاعات والقراءات السياسية. ميزة كوينيبياك البارزة تكمن في استقلاليتها عن ايّ مؤسسة أخرى وتجري الاستطلاعات بمهنية عالية، فيما الآخرون يتمّ تكليفهم بالمهمة من قبل مؤسسات صحافية وإعلامية في معظم الأحيان.

تقاطعت نتائج كوينيبياك مع أخرى اجرتها مؤسسة راسموسن مفادها تقدّم ترامب بنسبة 44 مقابل 37 لكلينتون. بينما أسفر استطلاع آخر، جرى لحساب شبكة سي بي اس للتلفزة بالاشتراك مع صحيفة «نيويورك تايمز»، تعادل المرشحيْن بنسبة 40 .

قرار مكتب التحقيقات الفيدرالي اف بي آي بعدم التوجه لملاحقة كلينتون قضائياً، على خلفية بريدها الالكتروني، أثار موجة جديدة من الغضب الشعبي، بصرف النظر عن الانتماء او التعاطف السياسي، مما يفسّر جذر تراجع شعبيتها بهذه السرعة وتقدّم ترامب بكلّ ما يحمله من أثقال، وتأجيجه التوجهات العنصرية ضدّ الأقليات والمهاجرين. وعزت جامعة كوينيبياك التدهور الى قضية بريدها الالكتروني تحديداً، واعتبار العامة بأنها غير كفوءة ولا تتحلى بالصدق لتبوؤ منصب رئيس البلاد.

تعتبر ولايات فلوريدا وأوهايو وبنسلفانيا فاصلة في السباق الانتخابي لما لها من مكانة مميّزة في التوازنات السياسية، يبلغ مجموع مندوبيها 67. كلينتون تراجعت فيها جميعاً حين تعلق السؤال بالمصداقية والثقة والكفاءة: 59 في فلوريدا 60 في اوهايو و65 في بنسلفانيا. في المقابل تقدّم منافسها في الولايات الثلاث: 54 في فلوريدا 59 في اوهايو و 57 في بنسلفانيا.

نستطيع القول انّ ثبات تراجع شعبية كلينتون، بسبب انعدام صدقيتها، يضع نتائج الانتخابات الرئاسية في خانة التكهّن في أفضل الأحوال، وربما ستفرز دعماً لترامب يعادل كلينتون في المحصلة النهائية.

ترامب ونائبه

استطاع ترامب إشغال المؤسسات الاعلامية والنخب السياسية لفترة غير قصيرة للتكهّن بشخصية نائبه الذي سيعلن قبل المؤتمر الحزبي. برع ترامب ايضاً في اقتناص الفرص لصالحه، اذ أعلن عن تأجيل الكشف عن هوية اختياره بسبب الهجوم الإرهابي في نيس بفرنسا، ولم يشأ إهمال تصدّره للعناوين السياسية او مزاحمته لقضايا اخرى.

وما لبث أن أعلن اختياره حاكم ولاية انديانا، مايك بنس، الذي كان يقف على عتبة انتخابات قاسية لتجديد ولايته، وتزامن الإعلان مع الموعد النهائي لتقديم طلب إعادة الترشيح، والا سيعتبر منتهي الصلاحية.

نظرة سريعة على بنس قد تدفع البعض لاعتباره «الوجه الحضاري والمسؤول» لتقلبات ترامب ويسدّ ثغرات أساسية في نواقصه، وذلك لطبيعته الهادئة نسبياً وطول سجله كعضو مجلس نواب سابق مكث فيه 12 عاماً وميوله المتشدّدة للمحافظين، كونه من أبرز أعضاء «تيار حزب الشاي » ومعارضته المبدئية لقدوم المهاجرين فضلاً عن قسوة أحكامه بالسجن على ايّ جنحة ترتكب، فما بالك بالجرائم الكبيرة.

المرشح بنس عرف الجمهور عن نفسه دون مواربة، أحدثها لصحيفة رئيسة في ولايته انديانابوليس ستار، مطلع الشهر الحالي. وقال: «انظروا، لقد قضيت 14 عاماً في المناصب العامة: سنة ونصف السنة كحاكم للولاية ، و 12 عاماً في مجلس النواب ممثلاً لولايته في الكونغرس ، يسعدني القول «انني من المحافظين».

ابان خدمته في الكونغرس، عارض بعض برامج الرئيس بوش من باب أنها «لا تمثل مصالح المحافظين وتخوّل الدولة المركزية صلاحيات أوسع». وصوّت لصالح مشروع قانون عام 2004 «يحرم الدولة الفيدرالية من تعويض المستشفيات التي تقدّم خدمات طوارئ للمهاجرين دون وثائق قانونية». وتبنّى عام 2006 خطة متشدّدة ضدّ الهجرة وصفها بنفسه بأنها «لا للعفو في إصلاحات قوانين الهجرة»، التي رمت لتحصين الحدود الأميركية المشتركة مع المكسيك.

في منصبه الحالي كحاكم لولاية انديانا، اشتهر بنس بالاصطفاف ضدّ قوانين تحرّر المرأة من تدخل السلطة في خصوصياتها، منسجماً مع خلفيته الدينية المتشدّدة «المسيحية الانجيلية » واصدر أوامره لسلطات ولايته بالكفّ عن تقديم ايّ مساعدات لتوطين المهاجرين السوريين الذين سيتمّ فرزهم أمنياً من قبل وزارة الأمن القومي.

في الشأن الاقتصادي، صادق بنس على قوانين تخفيض الضرائب عن الشركات والمصالح الكبرى والأثرياء في ولايته وحليف موثوق لحملات «تخصيص التربية والتعليم»، الذي من شأنه حرمان الشرائح الاقتصادية الوسطى والدنيا من فرص التعليم والتقدّم، وخاض مواجهة قاسية مع مفتش التعليم العام الديمقراطي في ولايته لتحقيق هدفه وصفها بأنها «معركة من أجل السيطرة».

وعليه، يمكن القول انّ ترامب استدار نحو المؤسسة الحاكمة لدعمه انتخابياً ولم تبخل عليه بترشيح بنس «لإنقاذ حملته»، وهو الحارس الأمين لبرامج الحزب الجمهوري الإقصائي للآخرين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى