الخديعة الأميركية مستمرّة في خدمة المشروع… القلق من هزيمة الأدوات وليس على سلامة المدنيين
محمد ح. الحاج
مرة تلو مرة يعلن وزير الخارجية الأميركي قلقه من الأوضاع في محيط حلب وإدلب، كما يتمنّى على القيادة الروسية العمل على استمرار «وقف العمليات العدائية»، بمعنى آخر وقف قصف تجمّعات وقواعد ومخازن العصابات الإرهابية العاملة في خدمة المشروع الأميركي في المنطقة المشرقية وعلى أساس أنّ هؤلاء من المعارضة التي تعتبرها الولايات المتحدة والغرب سورية معتدلة رغم عدم التزام أيّ من فصائلها المختلفة بوقف النار باتجاه المدنيين في حلب وغيرها، كما استمرارهم في مهاجمة القوات العسكرية النظامية والمصالح الحكومية، وقد انطلت الحيلة في المرة الأولى عندما اقتربت هزيمة هؤلاء فأوقفت روسيا هجماتها وكذلك طلبت من القوة السورية وقف هجومها ما أتاح للعصابات التقاط أنفاسها وتجميع قواها، كما أتيح للدول الداعمة شحن ذخائر وأسلحة حديثة تحت رقابة القوة الروسية الجوية التي اكتفت بالمراقبة والتصوير.
العصابات مختلفة التسميات ومنها التركستاني والشيشاني وكلّ المسلسل…، بالاعتبار الأميركي سوريين معتدلين، وهؤلاء بعد تجميعهم وتوفير احتياجاتهم وتأمين دفعات من المرتزقة أعادوا تكرار الهجوم على مواقع الجيش في كثير من المناطق ومنها جنوب وشرق حلب، في محاولة لقطع طرق إمداد الجيش ومنع تزويد حلب باحتياجاتها من المواد الغذائية والطبية، وعندما جاء الردّ على هذه الخروق الموثقة بدأ الإعلان عن القلق الأميركي وتوابعه، في الوقت الذي سقط المئات من المدنيين بين قتيل وجريح في شوارع حلب وانهارت البيوت فوق رؤوس أصحابها، ولم يقتصر الأمر على حلب بل تعدّاها إلى مناطق عديدة في وسط البلاد وجنوبها، واستخدمت العصابات أسلحة حديثة شديدة الخطورة ومنها الصواريخ العنقودية، والقنابل شديدة الانفجار وكلها تمّ توريدها عن طريق تركيا ودفع أثمانها أعراب الخليج ومن معهم.
لقد اعترف الروس سابقاً بتعرّضهم للخديعة، وأنهم بذلك حالوا دون تحقيق الجيش السوري لأهداف هجومه الأول بعد أن كان زخم الهجوم في أشدّه وعلى وشك الانتصار، وهكذا أفسحوا المجال لاستعادة العصابات لقواها والتزوّد بكلّ جديد وفتاك، في المقابل لم يصدر عن الإدارة الأميركية ولا أيّ من دول الغرب، ولا مجلس الأمن أية إشارة إلى الضحايا المدنيين، على العكس من ذلك عملت الماكينة الإعلامية للمعارضات على قلب الحقائق واتهام الجيش السوري بقتل المدنيين ومحاصرة حلب… وهذه الماكينة تجد مئات المنابر والأبواق مسخرة لها، الأشدّ إيلاماً معرفة العالم كله بأنّ عصابات المقاتلين الأغراب استخدموا السلاح الكيميائي ضدّ المناطق المأهولة والنقاط العسكرية، ويعلم الجميع أنّ مصدر السلاح كان الأراضي التركية، وصمت العالم، في المقابل، بعض اركان المعارضة اتهموا الجيش السوري ولو كان الأمر صحيحاً لسمعنا الصراخ الغربي والتهديدات والتلويح بمعاقبة سورية، لكنهم كما الروس يعرفون أن لا سلاح كيميائي بحوزة الجيش السوري، وإنْ وجد افتراضاً فإنّ الجيش لا يستخدمه مستهدفاً مناطق تواجد وحداته والمدنيين الذين تحت حمايته…
كيري، وقبل يومين أبدى رغبته في استمرار وقف الأعمال العدائية، قاصداً إلزام الجيش السوري بعدم الردّ على هجوم العصابات، أو التقدّم باتجاه مواقعها أو تطويقها، وهي رغبة تضمن تحقيق ذات النتائج كما في المرة السابقة، لكن – وعلى ما أعتقد – فإنّ القيادة الروسية لن تقع في نفس المطبّ مرتين، وإنْ رغبت بذلك فإنها ستشعر بالحرج لو طلبت من الجيش السوري أن يتوقف حتى لو أوقفت طلعاتها الجوية، القوى الجوية السورية تقوم بواجباتها، والجيش في حاضره يتمتع بكلّ الأهلية للردّ وإلحاق الهزيمة بالعصابات في كلّ المواقع، يبقى أنّ على السوريين الذين يعتقدون بأنّ من يسقط على الجانب الآخر هو من المدنيين الأبرياء إعادة التدقيق والتأكد بأنّ أغلب هؤلاء من المسلحين، ومنهم غرباء من جنسيات مختلفة، والقليل من الضحايا المدنيين هم من الذين تتخذ منهم العصابات المسلحة دروعاً بشرية وتمنعهم من المغادرة، أو من عائلات المسلحين إياهم وأنصارهم.
الرهان على نجاح الانقلاب في تركيا ليس تشفياً بالحكومة أو الشعب التركي، وإنما للخلاص من بوابة الشرّ المفتوحة على مصراعيها وعنوانها: الموت الآتي من الشمال… أوَليس عاراً على حكومات الغرب وعلى مجلس الأمن، وبعض السوريين المتاجرين بالوطن اعتبار هذا الخليط الغريب من أكثر من مائة جنسية… معارضة سورية معتدلة…؟ إذاً أين هي المعارضة السورية غير المعتدلة؟ ومن هم قادتها؟
الإدارة الأميركية في آخر أيامها تمارس السياسة خبط عشواء، ولو أنّ المخططات الموضوعة والمقرّرة مسبقاً لا تصيبها العطالة، بعض الرتوش أو قليل من الالتفاف حول الهدف لمواءمته بما يخدم الاستمرارية، هذه الإدارة ضدّ داعش بالمطلق في العراق وقد أشكّ بذلك لكنها ما زالت تستثمر داعش في المناطق الأخرى خصوصاً في الشام، وحتى في السعودية والخليج، وتحت شعار أنه الخطر الداهم تسوّق أسلحتها، وتستنزف الخزائن ثمناً للذخائر التي تقتل شعب اليمن، وكذلك في الشام والعراق، النصرة كما داعش وكلّ التوابع يستخدمون أسلحة وذخائر حديثة تقوم قطر والسعودية ومنظمات رديفة بتسديد أثمانها لقتلنا خدمة للمشروع الصهيوني، وهذا هو جوهر المعتقد الإيماني للعدو.. قتلنا بأموالنا وبأيدي بعضنا بعضاً وهي «قمة المتعة… والفائدة».
تركيا التي افتعل رئيسها مسرحية توقعها البعض قبل أشهر، ودفع بنتيجتها الشعب التركي ثمناً ليس بالقليل… مئات القتلى، وعشرات الطائرات، وآلاف الموقوفين، وتهديد المنظومة الأخلاقية المعنوية للجيش، واغتيال القضاء بهذا الحجم الفاضح انتقاماً لفضيحته المعروفة، تركيا هذه لا يمكن الركون إلى تصريحات رئيس وزرائها القائل باستعادة العلاقات الطبيعية مع دول الجوار والوصول إلى «صفر مشاكل» ولا تصديق هذا الادّعاء بوجود واستمرارية أردوغان، مع العلم أنّ الرهان خاسر أيضاً على الجيش التركي، فهو أداة من أدوات الحلف الأطلسي الناتو ولم يكن صديقاً في مرحلة من مراحل التاريخ… وهو يحتلّ أجزاء من أرضنا الوطنية والقومية.
ما تمّ نشره عن خفايا الفعل الأميركي، ومسلسل لجوء أردوغان وعدم قبوله ألمانياً، واضطراره لطلب موافقة الرئيس الأميركي للهبوط في قاعدة «أنجرليك» وهي على أرضه الوطنية، ثم تدخل سلاح الطيران الأميركي لإسقاط عشرات المروحيات التركية، وإنذار القادة المرتبطين بأميركا وبالتالي إفشال الانقلاب، انّ كلّ ذلك هو درس خطط له ونفذه الأميركان في عملية تحجيم لهذا الرأس الذي تطاول على أسياده الأميركان في عدد من المواقف والحالات وربما صبروا عليه قليلاً… لم يستبدلوه اليوم لعدم تجهيز البديل الأفضل، لكنه لن يستمرّ طويلاً، ربما شهرين أو ثلاثة كما ورد على لسان روبرت فيسك.
المضحك حتى الغثيان إعلان دولة كالسعودية أو حتى السودان إصدارها الأوامر لقواتها لإعادة الشرعية التركية ونصرة أردوغان، المضحك المبكي… وقمة السخرية، رفع الأعلام التركية في ساحات «عربية» مرفقة بصور «السلطان» وكأنهم ما زالوا يعيشون حال التبعية للسلطنة العثمانية…! وأنّ الحرية والتحرّر لهم عبودية من نوع آخر… عبودية الفكر والنهج!