ما أحوجنا إليك اليوم يا عبد الناصر…

عبدالله خالد

في 23 تموز 1952 قامت ثورة الضباط الأحرار في مصر منهية عهد الملكية ومبشرة بعهد جديد منبثق من الإرادة الشعبية الراغبة في التحرّر من الاحتلال البريطاني والتخلص من الاحتلال الصهيوني في فلسطين وتحقيق العدالة والمساواة والحياة الكريمة للشعب المصري. وسرعان ما ظهر أنّ جمال عبد الناصر هو القائد الحقيقي لهذه الثورة المباركة وليس محمد نجيب.

شرح عبد الناصر في كتابه «فلسفة الثورة» برنامج الثورة ببنوده الستة وحراكها السياسي بحلقاته الثلاث، وهذا ما جعل تلك البنود والحلقات دليل العمل لحركات التحرّر في الوطن العربي وأفريقيا وأميركا اللاتينية بعد أن أصبحت القاهرة مقرّ تلك الحركات التي تتلقى كلّ أنواع المساعدة من مصر عبد الناصر. وجاء جلاء القوات البريطانية وتأميم قناة السويس ليشكلا نقلة نوعية في تاريخ العمل الثوري العربي استوجب رداً سريعاً من القوى الاستعمارية والصهيونية تجسّد في العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الصهيوني على مصر بهدف تثبيت وتوسيع الاحتلال الصهيوني وإعادة احتلال قناة السويس.

ولكن ذلك العدوان فشل في تحقيق أهدافه نتيجة مقاومة عبد الناصر ومعه شعب مصر ودعم العرب وفي مقدمتهم سورية وكلّ أحرار العالم. وبذلك سقطت أسطورة الدول الاستعمارية ممثلة ببريطانيا وفرنسا ومعهما دويلة الاحتلال الصهيوني التي فشلت في تحقيق أهدافها العدوانية، وخرج عبد الناصر شامخاً قوياً يحمل راية القومية العربية ويقود حركة التحرّر الوطني في العالم.

لقد شجع هذا النصر قوى الحرية في العالم على خوض معركة مواجهة الاستعمار وتحقيق الاستقلال. وتتابعت الانتصارات المدوية لعبد الناصر من بناء السدّ العالي إلى قيادة حركة عدم الانحياز إلى جانب نهرو وتيتو ونكروما بعد أن حقق أول وحدة بين قطرين عربيين مصر وسورية في تاريخ العرب المعاصر ليشكلا كماشة تطوق الكيان الصهيوني كمقدّمة لا بدّ منها لتحرير فلسطين واستعادة الكرامة العربية وبناء المستقبل العربي الواعد.

لقد أيقظت الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الوجدان القومي وشكلت رافعة مكنت شعب العراق من التخلص من النظام الملكي الذي تحميه بريطانيا، وأعطت الثورة الجزائرية الزخم المطلوب للتخلص من الاحتلال الفرنسي، وساعدت حركات التحرّر العربية والأفريقية والعالمية على متابعة نضالها لنيل الحرية ودعمت ثوار اليمن على تحقيق الانتصار.

وإذا كانت مجموعة من الأخطاء والخطايا قد ارتكبت في عهد الوحدة إلا أنّ هذا لا يبرّر إطلاقاً قيام الانفصال الأسود الذي قضى على حلم الوحدة وأنعش الرجعية العربية المتواطئة مع القوى الاستعمارية وشكل البداية الموضوعية لهزيمة الخامس من حزيران 1967 التي دفعت عبد الناصر إلى الاستقالة معلناً تحمّله كامل المسؤولية ومؤكداً عودته إلى الجماهير ليتابع النضال معها كمواطن عادي. ولكن الجماهير العربية بحسّها الوطني والقومي أدركت حجم المؤامرة التي تعرّضت لها الأمة ونزلت إلى الشارع تطالب القائد بالرجوع عن استقالته والاستمرار في النضال وصولاً إلى دحر المشروع الاستعماري الصهيوني والانتصار عليه. واستجاب القائد لإرادة الجماهير وبدأ حرب الاستنزاف التي شكلت البداية الموضوعية لحرب تشرين التحريرية المجيدة التي كان مقدراً لها أن تحقق الحلم العربي بالنصر لو لم ينحرف السادات وينسحب من المعركة محولاً إياها من حرب تحرير إلى حرب تحريك تخدم المشروع الأميركي الصهيوني وتجهض الحلم القومي العربي المقاوم.

لقد استفاد عبد الناصر من دروس وعبر الانفصال الأسود وهزيمة حزيران وتابع النضال بعد أن أدرك أهمية الاستفادة من نبض الجماهير المؤمنة بخيار العروبة المقاومة وضرورة تكامل النضال القومي مع النضال الطبقي لتحرير الأرض والإنسان. وجاء بيان 30 مارس ليتبنى هذه المقولة النضالية وهكذا وقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية ودافع عنها حين سعى النظام الأردني لنحرها. ولم يمنعه مرضه من الاستمرار في مساعيه الهادفة لإنقاذها رغم نصائح الأطباء له بضرورة الراحة. وهكذا سقط شهيداً وهو يسعى لحماية المقاومة.

ما أحوجنا اليوم إلى قائد عربي جديد يتقمّص شخصية عبد الناصر يستوعب ظروف وتداعيات المرحلة ويدرك أهمية الاستفادة من الدروس والعبر التي أفرزتها الأحداث الماضية ويركز الجهود لتجاوز ثغراتها وسلبياتها ويعمل على زيادة وتطوير إيجابياتها خصوصاً وأننا نعيش مرحلة دقيقة وصعبة يتمّ فيها تزوير التاريخ وحرف بوصلة النضال العربي نحو أعداء وهميّين جدد بشكل لا يستفيد منه إلا العدو الصهيوني وحماته الأميركيين ومسانديه الرجعين وأدواته التكفيريه.

في ذكرى 23 تموز نشعر بمدى الحاجة إلى عبد الناصر جديد يحمل راية العروبة المقاومة ويتصدّى للمشروع الأميركي الصهيوني- الرجعي التكفيري الذي يغزو المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى