قالت له

قالت له: أتعلم وتشعر بما أشعر أنّ في الحبّ فصولاً كالصيف والخريف والربيع والشتاء؟ وأنّ الحبيبين الجاهلين يحكمان على الحبّ بينهما إذا تمادت بهما موجات الخريف للافتراق من دون انتباه؟ أن ثمة تناوب فصول ربما يكون وراء الغيوم والعواصف؟ أم هو إحساس مبالَغ فيه للدفاع عن الحبّ بعدما استنفد قوة الاندفاع ولكنّه بقي الأفضل بالقياس والمقارنة بخيارات تتراءى لأعيننا؟ وعندما ندقّق نعود إلى حبّنا خائبين أو خائفين، أو نحتمي به قانعين؟

فقال لها: ربما في كلّ ما تقولينه بعض من حقائق. لكن نصف الحقيقة ونصف الحقيقة لا يصنعان حقيقة كاملة. فلو أردنا الغوص في نفوسنا لعرفنا أنها مفطورة على تناقض بين الرغبة بشريك يحمل كلّ الصفات المتضادة، فنريده مطيعاً ولا يعجبنا إلا صاحب النفس الكبيرة، ونريده خاضعاً ولا يعجبنا إلا الشجاع والمدافع عن استقلال نفسه، ونريده محتاجاً إلينا ولا يعجبنا إلا المتفوّق القادر، ونريده ضعيفاً ولا يعجبنا إلا القويّ، ونريده جباناً ولا يعجبنا إلا الشجاع، ونريده صامتاً ولا يعجبنا إلا المتدفّق في الحديث الجاذب في سلاسة المنطق، ونريده جميلاً بعيوننا لا يلفت عيون الغير ولا يعجبنا إلا من تلاحق العيون فتنته وجماله، ونريده من تمرّ عليه مناوراتنا الكلامية وينخدع بتذاكينا ولا يعجبنا إلا من لا يمرّ عليه تذاكٍ ولا تخدعه مناورة. لذلك، يعجب كثيرون من الرجال بالمرأة التي يقرّرون في اللحظة الأخيرة أنها لا تصلح زوجة لهم. وتعجب المرأة القوية المثقّفة متفتّحة العقل والروح برجل ولا تستيطع تحمّله زوجاً وشريكاً.

فقالت: أنت هنا تقول إنّ الحبّ مستحيل.

فقال لها: على العكس تماماً. أنا أقول إنّ الحبّ هو ذكاء اكتشاف متى نمنح الحبيب غباءنا، لأنه في لحظة ضعف منطق لا يحتمل هزيمة الجدل. ومتى نبهره بذكائنا في مرح الحوار وفرحه. ومتى نجعله ينبهر بعطر فوّاح من فتنة الجمال وندعه مطمئناً إلى سوء الأحوال الجوية لانتقال فوح العطر وبوحه، ونتقبل في المقابل الصعود والهبوط في المزاج والفصول وتبدّل الأحوال. ونبني على الثقة المزيد من الثقة وعلى الإعجاب المزيد من الإعجاب. وننظر إلى خلفية الصورة. فتعالي نتخيّل تمريناً تنظرين إلى مجادلاتنا عن بعد، كأنك لست الطرف المقابل. وتأملي لتقولي كم هي جميلة تلك العبارات وكم هو لافت سيل الكلمات وشلال المفردات. ودعيني أنظر إلى تجوال العيون حولك بعين غير عيني، فأفترض أنني أب أو أخ او إبن وأتباهى. وفي النهاية أنت تحتمين من سيل منطقي وشلال الكلام بالثقة إنّ الحبّ هو السلام. وأنا أحتمي من عيون الغيرة بالثقة أنك تلاعبين العيون ولا تلعبين معها، فملعبك هو هنا حيث الدفء الدائم الذي تلجئين إليه وتثقين أنك عندما تسألين ستجدينه مرحّباً ولو كنت في أضعف ما تكون المرأة عليه، وكان لا يملك ما يجدر بالرجل أن يقدّم أو ينتظر منه أن يفعل.

فقالت: الحبّ هو إذن؟

قال: الحبّ هو الثقة وما لا تحلّه الثقة لا يحلّه إلا المزيد من الثقة.

فقالت: والغيرة؟

فقال: هي خلفية المرآة التي تعيش عليها الثقة. وهي الصورة السلبية للمشهد قبل التظهير، وبداية جدل الذات مع الذات الذي تكون الثقة خاتمة الرواية فيه. وأصل الثقة ثقة بالنفس التي تتّسع لمن تحبّ أن يكونوا ما شاؤوا، وأن يبدّلوا صفاتهم وفصولهم. فهم هنا ولن يخرجوا.

فقالت بحنوّ وصوت خافت: كن حبيقي حبيبي وصديقي! وعانقته ببريق عين يختلط الفرح والحبّ فيها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى