قطر ما بين الخيارين الصعبين
ناصر قنديل
– تدخل المنطقة زمناً جديداً يتمثل بتبلور أولى نتائج الحرب الفاشلة التي قادتها أميركا كتتويج لنظرية الحرب الناعمة، تحت مسمّى «الربيع العربي»، والتي كانت تستهدف تجديد شباب الأنظمة التابعة لواشنطن بعنوان إسلامي منتخَب يقوده الإخوان المسلمون وتتولى زعامته تركيا بمشروع عثمانيتها الجديدة، أملاً بإسقاط القلاع التي فشلت الحروب الأميركية الإسرائيلية المباشرة بإسقاطها أو ترويضها، وفي طليعتها سورية وحزب الله، وبالتالي تحجيم إيران كدولة إقليمية محدودة التأثير في ملفات الإقليم الكبرى، وصاحبة مشروع نووي مبتسر، بلا دسم ولا أظافر. ومن سورية بدأ سقوط الحرب، وفي سورية تعثرت القوى التي حشدت لخوضها، وعبر سورية بدأ يتقرّر مصير هذه القوى، بعدما تيقّنت واشنطن من بلوغها الطريق المسدود، ويبدأ رسم المصائر من تنظيم «القاعدة» بفرعَيْه الرسمي والمضارب، «النصرة» و«داعش»، حيث صار التخلص منهما طريقاً مزدوجاً لحفظ أمن الغرب والخروج ببريق نصر يغطي الهزيمة في الحرب الرئيسية. وها هي واشنطن تقرع طبول الحرب.
– تبدو السعودية كخط دفاع في الحرب الناعمة التي خاضتها واشنطن، مثلها مثل «إسرائيل»، تقفان على ضفة الخاسرين، لكن مع فرص الخروج من أبواب النجاة التي تبقى مهما بلغت كلفتها أقلّ وطأة من الزلزال الذي بدأ يعصف بتركيا، القاعدة المركزية للحرب، والذي لم نشهد إلا موجته الأولى ولا زالت التداعيات والتردّدات على الطريق، وفيما تواجه تركيا مخاطر التشقق، والحرب الأهلية، ويبدو الانكفاء نحو الدولة المتواضعة أقلّ الخسائر المتوقعة، في ظلّ اقتصاد ضمُر ولا يزال يضمر، وينتظره الأسوأ، وجيش همّش ولا يزال يهمّش وينتظره الأسوأ، ومجتمع تشظّى ولا يزال يتشظّى ومع تراجع الدولة القوية والجيش القوي سيزيد تشظياً، لكن في سلسلة الخاسرين تتمركز قطر في اللائحة بعد تركيا مباشرة.
– لم تكن قطر في الحرب الناعمة مجرد لاعب ثانوي، بل كانت في خط الهجوم الأول، حيث شكل موقفها ووزن قناتها الفضائية «الجزيرة»، مصدرَيْن لرصيد شعبي وسياسي ومعنوي، مكّنها من تشكيل طليعة الاختراق المطلوب في صفوف قوى وبيئة حركات ودول محور المقاومة. ومثلما قطفت قطر الموجة الأولى من الصعود في نجاحات الحرب الناعمة فصارت مَن يشكل الحكومات في مصر وليبيا وتونس، ويتطلّع إلى لعب دور من سيرسم مستقبل سورية، كما كانت قد قطفت ثمار موقعها الملتبس في خنادق محور المقاومة منذ غزو العراق حتى بدء «الربيع العربي»، فنالت جوائز بحجم رعاية التسويات والمصالحات في لبنان والسودان، تبدو قطر التي دفعت الأمير الأب في أول موجة هبوط للحرب، مع صمود وثبات سورية وفي الطريق إلى خسارة الإخوان المسلمين للحكم في مصر وتونس، أمام الخيارات الصعب وجودياً بعد الزلزال التركي.
– لم يعُد ممكناً لقطر الاستقواء بمالها ولا بقناتها الفضائية، وهي محاطة في زمن التراجعات والتسويات، بدولتين، واحدة تفتح لها ذراعيها لتتموضع، حيث كانت قبل الحرب الناعمة دولة تسويات ومصالحات، وهنا تقف إيران لكن هذه المرة بشروط مختلفة، فتسويق قطر لدى الحلفاء من روسيا إلى سورية ليس بالأمر السهل، ما لم يكن في السياسة القطرية ما يُغْري، وهي صاحبة الحجم المتواضع في السكان والجغرافيا، وأقلّ الأثمان شق عصا الطاعة على القيادة السعودية لدول الخليج. وعلى ضفة ثانية تتربّص بقطر شهوة سعودية دفينة للانتقام من اللعبة التي تمادت فيها قطر على حساب جارها الأكبر وتقدّمت الصفوف بلا حساب لخط الرجعة، والسعودية اللاعب الخاسر في اليمن والباحث عن تسوية، واللاعب الذي خسر أوراقه في العراق، ويتجه لخسارة قواعده في سورية، ليس أمامها من تعويض معنوي وربما مادي، مع الزلزال التركي، سوى أن تضع عينها على ضمّ قطر، وليس مجرد أخذ الطاعة من قادتها، وهنا يبدو درع الجزيرة بترتيب مرتبط بالبحرين فرصة سعودية، خصوصاً أنّ الأميركيين في المفاضلة بين كلفة حماية قطر والثمن البسيط الذي سيطلبه السعوديون لتسهيل تسويات المرحلة الجديدة، لن يجعلوا من حماية قطر قضيتهم.
– قطر بين خيارَي طلب الحماية الإيرانية، أو الاستعداد للانضواء تحت الجناح السعودي. رحل الأمير فنالت الإمارة فرصة مؤقتة، واليوم يرحل الأمير لحساب أمير يعيّنه السعوديون، أو تسقط الإمارة، ما لم تسارع الدوحة لتموضع نوعي في خندق إيران الخليجي على الأقلّ.