فائزة داوود: الأديب مهندس أرواح والرواية فنّ مدنيّ بامتياز يسبح بين الواقع والخيالّ

دمشق- بشرى سليمان

تعتبر الأديبة السورية فائزة داوود أن عديداً من المهتمين بالأدب يخلطون بين الصحافة والتأريخ من ناحية، والأدب على اختلاف تنوعاته من ناحية أخرى، رغم وجود فروق كبيرة بينهما. وتبيّن داوود أن الصحافة تعنى بنشر الخبر وربما التعليق عليه بما ينسجم مع سياسة القائمين على الدورية، ورقية كانت أو إلكترونية، أما التأريخ فله دور آخر يتجلى في تسجيل الحوادث مع الاعتناء الدقيق بالأزمنة والأمكنة، بأسلوب تقريري جاف، من دون أن يفلح المؤرخ غالباً في تجاوز هواه الجغرافي ونهجه الإيديولوجي. أما الأدب فيعنى قبل كل شيء بالفن، ما يستدعي من الأديب العمل على هندسة الحدث والاشتغال عليه ضمن شروط علم الجمال السيمياء.

للأدب بحسب الأديبة داوود هدف، هو هندسة الأرواح، فالأديب كان شاعراً أو قاصاً وروائياً هو مهندس أرواح، ولا يصل إلى هذه المكانة الرفيعة إذا لم يدخل حديقة الخيال ويرى العالم من خلالها الذي يظهر الأشياء وفق رؤية فانتازية وواقعية في آنٍ واحد. أما الرواية فتخضع فوق ذلك لمفهوم تدرج الزمن الكرونولوجيا يجب أن يكون الروائي مرتبطاً بالمكان إلى درجة الحميمية وفق رؤية السيميائي باشلار، فالمكان في الرواية هو الركن الثالث، وفي غيابه لا إبداع روائي، فالروائي محكوم بسلطة تدرج الزمن وتأثيره في الأمكنة والأبطال، وهو متورط بحالة عشقية لازمة وضرورية للفضاء الروائي.

تعتقد مؤلفة رواية «جنة عدم» أن الإبداع الروائي يستلزم من الراوي النظر إلى العالم بعيني النسر، وأن يرى ما يعجز الآخرون عن رؤيته، وفي الوقت ذاته يلمح إلى ما رآه من دون أن يصرح به كي لا يكون المتلقي أمام خبر صحافي، فلا إبداع حقيقياً بلا جذرٍ واقعي، لكن الإسراف في الواقعية يذهب بجماليات النص، روائياً كان أو قصصياً أو شعرياً، كما أن المبالغة في الفانتازيا تذهب بجدية النص. وتعتبر داوود الرواية فناً مدنياً بامتياز، وهو فن التفاصيل والحوادث المتشابكة والفضاء المتنوع، وهي الإبنة الشرعية للمجتمع تردد دائماً للقراء أنا أنتم ومعكم ولن أفارقكم مهما أخطأتم لكنني لن أغفل لحظةً واحدة عن كل ما تفعلون.

الرواية في رأي كاتبة رواية «طريق العودة» مائدة عامرة بكل ما لذ وطاب، يتناولها الجائع المترف بهدوء في حديقة منزله أو أثناء جلوسه على الشرفة، وقد تكون سميرة الجالسين بجانب مدافئهم في ليالي الشتاء الباردة. وعن مواكبة الأدب الحوادث في سورية تقول: «لا أستطيع الجزم بمقولة إن الشعر هو الأقدر على الكتابة عما يحدث في سورية والعالم العربي، لكنني على ثقة من أن ملاحم روائية ستكتب في العقود المقبلة، رغم اعتقادي أن الوقت لم يحن بعد لتحويل التراجيديا السورية أو فوضى العرب الدموية إلى عملٍ روائي أو حتى إلى عمل قصصي، فالحدث لم تتضح بعد ملامحه كلّها وما زلنا حتى اللحظة نردد مفردات عمرها عشرات العقود وجلّها يحمّل الخارج مسؤولية الدمار السوري بجميع تشعباته. إن المصطلحات التي استخدمت للترويج لما يحدث غير مقنعة، فأين هو الربيع الذي روجت له وسائل الإعلام، وأين هي الثورات مما نرى ونسمع. إن التطرق إلى الأسباب التي أدت إلى ما نحن عليه الآن والكتابة عنها أجدى من الكتابة عن الوضع السوري أو العربي الحالي، فالمريض لا يتناول الدواء قبل معرفة الداء، والادعاء بأننا أصحاء ضرب من المكابرة، فالجسم السليم ذو مناعة كبيرة تحميه من الإصابة بأي مرض».

حول الدعم المؤسساتي للأدب تقول كاتبة رواية «رجل لكل الأزمنة»: «يحق لنا أن نسأل عن نوع الدعم المؤسساتي إذا كان المقصود من هذا السؤال الدعم المادي فلنا أن نقارن على سبيل المثال بين الدعم المادي، الذي يقدم إلى روائي احتاج إلى بضعة أعوام لكتابة رواية وبين الدعم المادي الذي يتقاضاه كاتب دراما عن حلقةٍ واحدة، أو حتى الأجر الذي يدفع لممثل من الدرجة الثانية أو الثالثة عن دورٍ ثانوي»، لافتة إلى أن المقارنة ستظهر الفرق الشاسع بين الدعم المادي الذي يقدم إلى الروائي والقاص، ونظيره الذي يقدم إلى الكاتب الدرامي والممثل المغمور، فلو كان الروائي أو القاص صاحب مشروع مادي لما فكر في الكتابة أصلاً، لكن ذلك لا يعني أن تتبع هذه المؤسسات سياسة تجويع صاحب المشروع الإبداعي لأجل تسييس إبداعه وفق رغبة تلك المؤسسات.

تعتبر داوود أن المؤسسات الإعلامية تشتغل وفق تعليمات محددة شأنها في ذلك شأن المؤسسات الأخرى إذ تخضع للتقويم من جهاتٍ متعددة، من دون أن تنجو من مطرقة المحسوبيات وسندان المصالح الشخصية، فالكثير من الروائيين والقصاصين ينتظرون الإضاءة على إبداعاتهم. وترى أن مهمة خلق حالة ثقافية صحية تقع أولاً على عاتق المؤسسات الثقافية والإعلامية كأن تبدأ هذه المؤسسات بإصدار دوريات تستكتب نخبة من المثقفين الذين لم يتم شراؤهم من الخارج ولا ينضوون تحت سلطة المؤسسات.

أما المثقف فعليه، في تقديرها، ان يعتمد في نظرته على خطاب تنويري متحرر من الخطابية والإنشائية التي عمّمت عبر وسائل الإعلام، وتلك اللغة الجافة فرضت على المؤسسات التعليمية خلال العقود الماضية وكانت من أسباب نفور الشباب من الأفكار الإيديولوجية، مؤكدة على ضرورة تقويم الأدب كحالة إبداعية صرفة، بعيداً عن مصطلح الموالاة والمعارضة، وفي الوقت ذاته ان يخوض الأديب مع نصه في أعماق المجتمع ويشير إلى مواجعه ذلك أن ما حدث في سنوات الأزمة أفقد الجمهور الشعور بالوجع وجعله يخلط بين ما له و ما عليه. وتردف قائلةً: «على المؤسسات أن تجسر الهوة بين المثقف والجمهور من خلال خلق خطاب جاد بينهما، والتفاعل مع ما يشير إليه الإعلام والأدب من حالات الفساد، بصورة إيجابية وعبر التحقق من الشكوى، وإذا ثبتت صوابيتها ثمة عقاب يتناسب مع حجم الجريمة كي يلمس الجمهور تأثير ما كتبه ذاك الأديب أو حتى الصحافي على حياتهم وأمنهم، فضلاً عن تجنب تهميش أي اتجاه فكري بناء أو التعتيم على طرف بلا وجه حق، وهذا لا يساهم في خلق حالة ثقافية صحية بل يوقظ الشعور بالمظلومية التي يتم تأجيجها واستثمارها الآن من قبل بعض الجهات التكفيرية».

فائزة داوود روائية سورية تكتب في الدوريات المحلية وتعمل في مجال التعليم، صدرت لها مجموعة روايات، من بينها: «طريق العودة»و «العرمط»و «رجل لكل الأزمنة»و «جنة عدم»ومجموعات قصصية مثل «ريح شرقية»و«رجل الرغبة الأخيرة»و«ثم اعترفت»إضافة لدراسات أدبية متنوعة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى