شوقي كريم يعبر روائيّاً بين «كهف البوم… ممرّ الياقوت»
كتب قاسم ماضي: بشكل مبرمج، واضح ومتميز، تسير حوادث رواية كريم «كهف البوم … ممر الياقوت»الصادرة لدى دار ضفاف»، في 341 صفحة قطعاً وسطاً. الطباعة الأنيقة لدى هذه الدار، إلا أننا نقع على الكثير من الأخطاء المطبعية في الرواية، وعلى الدار أن تنتبه إلى مثل هذه الاخطاء وأن تهتم بجهود النخبة وغير النخبة من المبدعين، وترصف كلماتهم التي دّونها الكُتاب بعد جهد جهيد وصبر ومثابرة وتأمل، بعيداً عن الأخطاء المطبعية التي تشتت القراءة أحياناً، وقد تغير المعاني وتدخلنا في تفسيرات أخرى لم يردها الكاتب.
يقول سكوت: على المرء ألاّ ينسى أن في بيت الفن مساكن عديدة. وأجد اشارات عديدة غير مباشرة في الأسلوب الذي اعتمده كريم وهو اسلوب القناع، إذ يدخلنا في عوالم متعددة، فيها ثيمات مختلفة، بوصف سحري ولغة عالية متمرنة. قلمهُ لا يكل ولا يمل عبر خطابه الروائي والقصصي والمسرحي، من حيث تشظي الشخوص، كأننا في دهاليز من الضيم والقهر والموت، متجولاً بنا في سياحاته المتفرقة التي جلبت له هذا الكم الهائل من الوجع والتصدي حيال كل زائف في بلدٍ مختلف عن بلدان العالم مثل بلداننا، مع شخوصه المعذبة التي دمرتها الظروف. شخوص تتقمص كريم ومشاكله وما اختبره في حياته التي اتعبها الجو المغطى بأ دلجته الساخنة التي اعتلت روحه المفعمة بالحياة والضوء والثقافة التي أوصلته إلى هذا النفق المظلم، فحطّم الجدران المرفوعة في مجتمعاتنا التي لا تطاق من كيفية التعامل مع الناس من قبل الجالسين في سدة الحكم، واصفاً رحلته الطويلة المضنية التي أججتها أسلحته الثقافية عبر شريط ذاكرة متعبة من السجون طوال عقود.
تشييد بناء الثقافة والحضارة التي عمل عليها منذُ صباه في المسرح والتشكيل والقراءة أخذ عمره في مجتمع لا يبالي وحاله مثل حال الفلاسفة والمفكرين الذين سبقوه متخذين من هموم مجتمعاتهم نقطة انطلاق لبناء هيكلية تخدم مسار الحياة المليئة بهذا العذاب النفسي. يكتشف القارئ خطوط الرواية عبر رحلة صراع فكري بل حتى «عسكري».
يقول عنه الناقد الكبير علوان السلمان الذي يغطي الساحة الثقافية العربية والعراقية بمواضيع وهموم نقدية تلامس عمق الواقع المعاش، إنها تجربة متميزة في تكنيكها السردي عبر تجرية ذاتية «عاطفية واجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية»، إذ تشتغل على طاقات مستوحاة من واقع تاريخي، مع قدرة متقنة في إخراج الأفعال من حيزها الزمني «الماضي»لتضفي عليها حركية تمتد حتى اللحظة الراهنة. ألف سنة من مصر إلى بغداد في سرد يسير بخطين متلازمين، أولهما تخيّلي وثانيهما حكواتي مستمر من تقنيات السيرة الذاتية. السرد الروائي يقدم مقارنة تاريخية مكتوبة في حدود الواقعية التاريخية المستندة إلى الحلم وتمثل الواقع وأنماطه وظواهره وسلوكياته، فترسم فراشات لواعجنا سماء ملونة مكتظة بشعاعات تقطع مدائح الشمس المائرة بعصافير الحي ودروبه. يموت ببطء الراغب نازفاً وجع يومه الملغوم بالأوامر والنواهي.
يرصد شوقي واقعنا المؤلم، محاولاً تجاوزه ُواضاءة الطريق الذي يحلم به عبر شخوص عايشها وتصارع معها. سيل وصفي من المفردات التي تدخلنا في فضاءاته يخفف على القارئ ثقل الحياة والمعاناة التي عاشها الكاتب.