سقوط بني زيد حيث ترتاح أرواح شهداء حلب وتفتح طرق جنيف
سعد الله الخليل
بدخول الجيش السوري حيّ بني زيد الحلبي يتنفّس أهالي المدينة بشكل خاص، والسوريون بشكل عام الصعداء بسقوط أكبر معاقل الإرهاب في المدينة، ومصدر رعب القذائف التي حملت إليهم رائحة الموت قبل بارودها المدوي، والتي حاولت أن تجعل من أهل حلب رهينة الموت، وهم الذين اشتهروا عبر العصور بأنهم أبناء الحياة رغم كلّ الظروف.
خرجت المجموعات المسلحة من بني زيد تاركة وراءها اسطوانات الغاز التي استخدمت لقتل المدنيين عبر ما يُعرف «بمدفع جهنم» وآلياتهم وأسلحتهم الثقيلة، بعد فرار من تمكّن من المجموعات المسلحة ليلاً باتجاه حريتان منها إلى ريف إدلب، فمنذ إكمال الجيش الطوق على الأحياء الشرقية لحلب بدا واضحاً أنّ مصير بني زيد والأحياء المجاورة السقوط بيد الجيش والوحدات الرديفة والخروج من دائرة الفعل الإرهابي المسلح، وبالتالي فإنّ عملية الدخول إلى الحيّ لم تكن مفاجئة، فقد بدأت منذ أيام بخطوات متأنية ومدروسة، سعّت لضمان تأمين مخارج آمنة للمدنيّين في الحيّ وهو ما ضمنه الجيش عبر أربع ممرات إنسانية، وكشفت المنشورات التي رماها الطيران السوري والتي أبلغ عبرها المدنيين باتجاهاتها، دقة التحضير للعملية التي أطلقها الجيش في الحيّ والتي تأتي كمرحلة تالية لإطباق الطوق على المجموعات المسلحة في المدينة.
لم يسعف الحظ قيادات المجموعات الهاربة إلى إدلب بنجاح مشروعها بعد استهدافها في مخيم حندرات، حيث نجح الجيش والقوى الرديفة وخاصة لواء القدس بإحكام الطوق على المخيم، فقتل هناك أبرز قادة حركة نور الدين زنكي عمار شعبان القائد العسكري في الحركة، إضافة إلى عمر سلخو أحد المشاركين في ذبح الطفل عبد الله العيسى، وهو ما يكشف عمق الأزمة التي وصلت إليها أبرز الحركات المتواجدة في المدينة، في حين سلّم جزء من القيادات أنفسهم للجيش دون قتال مقابل عدم عرضهم على الإعلام كي لا تنتقم باقي الفصائل وخاصة جبهة النصرة من ذويهم.
وبحسب المعلومات فإنّ حزب الله رفض منح مسلحي حلب طريقاً آمناً إلى إدلب، وهو ما يعني أنّ المعركة في حلب تتجه إلى الحسم في حلب، عبر السعي لقتل وأسر أكبر عدد ممكن من المقاتلين، وزيادة الضغط على المسلحين لتسليم سلاحهم وبقائهم في المدينة كي لا يضطر إلى قتالهم مرّة ثانية في إدلب.
وفي هذا السياق يأتي تزامن العمليات العسكرية في حلب مع مرسوم العفو الرئاسي والقاضي بمنح عفو لكلّ من حمل السلاح وكان فارّاً من وجه العدالة إذا بادر إلى تسليم نفسه وسلاحه، وهو ما يؤكد بأنّ المسلحين أمامهم خيار من اثنين… إما التسليم للدولة ونيل العفو وإما القتال حتى الموت، ما يمنح المقاتلين السوريين طوق النجاة كفرصة لفصلهم عن المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون بخيارات صعبة، فإما الهرب أو القتل، وهما خياران أحلاهما مرّ، حيث أدركت تلك الجماعات أنّ طريقها باتجاه واحد لا مجال فيه للعودة باتجاه الحدود التركية كما جرت العادة، ولا بإمكانية دعم وتنسيق لوجستي تركي بعد أن كشفت التطورات الميدانية الانكفاء التركي عن المشهد السوري، دون أن تحسم التطورات الأسباب الكامنة وراء هذا الانكفاء إنْ كانت كتبعات لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا أم ناتج للتعاون المصالحة الروسية التركية، وفي كلا الحالين فإنّ الانحسار التركي أثبت النظرية السورية بأنّ القضاء على التنظيمات المسلحة ليس بالأمر الصعب، شريطة توفر الإرادة السياسية الغربية ووقف الدعم اللوجستي لتلك الجماعات على الأرض السورية كأقلّ تقدير، وهو ما كشفته معركة حلب التي يبدو أنها لن تتوقف حتى إنهاء التواجد المسلح في المحافظة.
سياسياً ثمة من يترقب معارك حلب بفارغ الصبر لإدراكه منذ سنوات بأنّ معركة حلب ستحسم الحرب في سورية، حيث عمل المستحيل كي لا يحسمها الجيش السوري، فكيف سيتعاطى مع حلول الكارثة بالنسبة له وسقوط ورقة الحرب لصالح الدولة السوري؟ سيلجأ إلى الحلول البديلة حيث المبعوث الأممي إلى سورية جاهز لأداء المهمة بإطلاق الجولة الجديدة من مباحثات جنيف، وما يتردّد عن السعي لإطلاقها خلال الشهر المقبل، وهو ما يعني بالمطلق انتظار قراءة نتائج معركة حلب وما ستؤول إليه التطورات الميدانية على جبهة الحدود التركية، وقياس مدى الالتزام التركي بقطع الإمداد عن الجماعات المسلحة في الداخل السوري لتحسم الأطراف خياراتها.
قبل ثلاث سنوات أطلق الإرهاب معركة حلب لإسقاط دمشق، واليوم بعد إسقاط دمشق مشروع تدمير حلب ونزعها من قلب الدولة السورية، فإنها تعدّ بوابة النصر السوري على المشروع الغربي في سورية، وعلى من وضع الخطط وصاغ المعادلات أن يلتزم بنتائجها، فكما بسقوط بني زيد كانت بداية النهاية لحركة نور الدين زنكي، والتي ثأر الجيش لدماء شهداء حلب ودماء الطفل عبد الله العيسى فإنّ نتائج الأيام المقبلة ستحسم مصير مباحثات جنيف.