من «النصرة» إلى «فتح الشام» والأساس إرهاب القاعدة
جمال محسن العفلق
سبق إعلان الجولاني عن تغيير اسم «جبهة النصرة» الإرهابية إلى اسم جديد وهو «جبهة فتح الشام»، وجاء ذلك الإعلان بعد خبر أوردته وكالة «رويترز» عن تنظيم «القاعدة» يقول لـ«جبهة النصرة» أنّ بوسعها اتخاذ أيّ خطوات لازمة للحفاظ على المعركة في سورية ، وإعلان «القاعدة» هذا جاء لإبقاء الاستقرار في «النصرة» ولضمان عدم حدوث انشقاقات عنها، وهو بنفس الوقت رسالة لإنقاذ المفاوض الأميركي الذي يحاول التملص من قرار محاربة الإرهاب، وبهذا سيقول الأميركي اليوم تريدون قصف «النصرة» وهي لم تعد موجودة و«فتح الشام» لم تدرج على قوائم الإرهاب، إذاً هي «معارضة معتدلة».
لم تكن مشكلة السوريين مع الأسماء التي أطلقها المشغّل ومموّل الإرهاب على الجماعات الإرهابية التي تعمل على قتل الشعب السوري ليل نهار، فمشكلة السوريين هي مع أفعال تلك الجماعات، ولا يعني تبديل الاسم شيئاً أمام تاريخ حافل بالجرائم، فهل يعتقد الجولاني أنّ تغيير اسم جماعته سيعفيه من الملاحقة القانونية على جرائم طالت كلّ أطياف الشعب السوري؟ وهل إعلانه أنّ اسم جبهته الجديدة الغير مرتبطة حسب تعبيره بأيّ جبهة أخرى في الخارج، يعني إعفاء الجولاني من المحاكمة على جريمة جلب قطعان المرتزقة من الأردن والسعودية وتركيا وتونس وباكستان إلخ… من الدول التي دفعت بالمحكومين بالمؤبد والإعدام إلى الجبهة السورية.
وإذا كان الجولاني صادقاً وهو لم يكن كذلك في أيّ يوم ولن يكون فهل سيكون قادراً على إخراج المرتزقة من غير السوريين وإعادتهم إلى بلدانهم بما انّ جبهته غير مرتبطة بأيّ جبهة في الخارج؟ لا أعتقد أنّ هذا سيحدث، فجميعنا يعلم أنّ أغلب القادة الميدانين لـ»النصرة» ومن يُقال عنهم إنهم «قضاة شرعيون» من غير السوريين، فجريمة جبل السماق في إدلب ما زالت حاضرة ومنفذها التونسي الذي قتل عشرين شخصاً هو من «جبهة النصرة»، وفي الجنوب حيث يقود «جبهة النصرة» أمراء الإرهاب من الجنسية الأردنية، ويتحكّمون بأهالي القرى في مدينة درعا ومحيطها، وحدث أن هدّد أمراء الإرهاب وجهاء القرى في درعا بالموت إذا ما فكروا أن يعقدوا أيّ اتفاق مع الدولة، فكيف يقول الجولاني أنّ جبهتة الجديدة ليست مرتبطة بأيّ جبهة في الخارج؟ هل سيتوقف عن أخذ التمويل من قطر والسعودية و«إسرائيل»؟ أم أنه وجد مصادر تمويل ذاتي تبقي جبهته الجديدة عامل قتل على الأرض السورية؟
إذا كان صانع «النصرة» والجماعات الإرهابية يعتقد أنه قادر على خداع الشعب السوري بمجرد تغيير اسم جماعة هنا وجماعة هناك، فهو واهم وغارق بالوهم، الشعب السوري يقف خلف جيش يحارب الإرهاب ويحارب فكراً ظلامياً يريد الشرّ بالعالم بأسره، ومجرد تغيير الاسم لا يعفي أصحاب الجرائم من العقاب.
فهناك مئات العمليات الإرهابية بالمفخخات، وهناك عمليات خطف بالجملة وقتل بالجملة، وهذا بحدّ ذاته يكفي لإبادة هذه الجماعة وسحقها. قد يكون ما حدث هو لإعفاء الأميركيين من الحرج وإخراجهم من دائرة المناورة الضيقة التي وقعوا فيها نتيجه دعمهم العلني للإرهاب الدولي، بداية من تنظيم «القاعدة» و«طالبان» واليوم «النصرة» و«داعش» و«جيش الإسلام» و«الزنكي» وكلّ من له علاقة بالقتل والتخريب والتدمير، ولكن «النصرة» تزيد على تلك الجماعات أنها على علاقة علنية مع قطعان الصهيونية في فلسطين المحتلة، وما زال جرحى تلك الجماعة يتلقون العلاج في مشافي العدو الصهيوني.
إنّ الحرب اليوم في سورية بين الإنسانية والإرهاب، بين النور والظلام، بين الحق والباطل، وليست حرباً على الأسماء، فقد جرّب أصحاب مشروع تدمير سورية تغيير العلم السوري ونشره تحت اسم «علم الثورة»، فتمسك السوريون بعلم بلادهم ورمز دماء الشهداء والسيادة الوطنية. جرّب أعداء سورية عزل سورية من المحافل الدولية بتقديم مجموعة من المارقين تمّ تصنيعها في الخارج، فكانت النتيجة أنّ العالم اليوم وبعد ست سنوات لا يعترف إلا بالشرعية السورية التي يدعمها الشعب السوري، حتى الجامعة العربية فشلت في إبقاء ما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن حاضراً في القمة العربية الأخيرة ورفع العلم السوري برمزيتة في مؤتمر القمة، فكانت سورية الحاضر الغائب في قمة لم يُكتب لها النجاح كسابقاتها من القمم.
إنّ ما فعلتة أميركا اليوم رغم قباحتة بتغيير اسم «جبهة النصرة» إلى «جبهة فتح الشام» هو دليل على دور أميركا في صنع وتشغيل الجماعات الإرهابية في العالم، ولن يكون غريباً أن نسمع البغدادي غداً يعلن عن تغيير اسم جماعته ليصبح اسمها عصافير الجنة بعد بحر من الدماء امتدّ من العراق حتى باريس. وسيقوم الإعلام بتلميعها وتلوينها لتصبح مقبولة، ويطلب إلينا نسيان الضحايا والمخطوفين واليتامى.
ولكي نريح من يدير اللعبة ويعتقد أنه بتغيير اسم جماعة سيغيّر التاريخ، نقول سننسى كلّ الأسماء وسنكتفي بإطلاق اسم قطعان الإرهاب على كلّ من يقتل الشعب السوري ويعتدي عليه وعلى ممتلكاته وأرضه، وسنبقى متمسكين ببنادقنا ما دامت تلك القطعان تعبث بأمن السوريين وممتلكاتهم. فغيّروا كما تحبّون وبدّلوا لا يهمّ فلعبة الموت أنتم من اختارها وليس نحن…
كم هو سخيف هذا الإعلان وكم هو مؤلم أن يعتقد خصومنا أننا نحمل هذا الكمّ الكبير من السذاجة لنقبل بهذا الواقع الجديد، وكم سيكون العالم بكلّ ما فيه من عبارات إنسانية وقلق واستهجان غبياً، إذا قبل أن يشاهد ممثل عن «النصرة» أو أيّ جماعة إرهابية في مطار جنيف يُشارك في المفاوضات، لم نسمع بعد أيّ تصريح رسمي حول هذا التبديل والتغيير ولكننا مصمّمون على محاربة الإرهاب وليحلم الجولاني بدخول الشام فقد عاش قبله كثيرون على هذا الحلم، فمنهم من أراد الصلاة في الجامع الأموي، وها هو اليوم يعاني ولا يستطيع الصلاة خارج منزله، ومنهم من رفض العودة إلى بلاده إلا عبر مطار دمشق وعاد مجبراً عبر مطار آخر، حتى من يعتقد أنه سيكون ضيفاً في دمشق عليه أن يأخذ الإذن بالدخول فدمشق لا يدخل إليها معتدً وإنْ دخل فمسألة وجوده هي مسألة وقت، فمهما طال هو قصير جداً قياساً بعمر دمشق.