لم يعودوا يطالبون برحيل الأسد… ولكن؟؟
د محمد بكر
لم تعد واشنطن تطالب باستقالة الرئيس الأسد فوراً، وبات محط اقتناع، بأنّ رحيل الأسد حالياً سيقود سورية إلى سيناريو شبيه بليبيا أو العراق، بهذه الكلمات وصّف مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة بورودافكين التحوّل المُتلمّس روسياً حيال السلوك الأميركي في الملف السوري، هذا التوصيف وإنْ بات مدعوماً بما أفرزته جملة الحراك السياسي الذي قام به كيري في موسكو لجهة الإيذان ببدء مرحلة تعاون عسكري بين البلدين لمحاربة الإرهاب، إلا أنّ المحطات الذي اصطدم بها كانت متعدّدة، كما هي العادة دوماً في التكوين الذي تقوم عليه السياسة الأميركية، المحطة الأولى كانت مع أشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي الذي باتت جلّ ما تصوغه «عبقريته» العسكرية هو البحث في فرص الضغط على «داعش» من الجنوب، إذ وجد في حراك كيري سبيلاً لإقناع الروس لاتخاذ ما سماه بالموقف الصائب في سورية الذي يفضي إلى انتقال سياسي يتخلى فيه الأسد عن السلطة، مضيفاً أنّ ايّ اتفاق لا يلغي أنّ الروس ما زالوا بعيدين كلّ البعد عن مواقفنا، المحطة الثانية كان بطلها مدير الاستخبارات الأميركية الذي أبدى تحفظاً لتقاسم المعلومات الاستخبارية مع الروس، بدوره كان رئيس أركان الجيوش الأميركية سيد المحطة الثالثة، والأكثر صراحةً عندما أعلن أنّ الاتفاق مع الروس يقوم على عدم الثقة، وأنّ أيّ شيء من التعاون سيقتصر على إجراءات محدّدة فقط تحفظ الأمن الأميركي.
نعلم بأنّ المراد الأميركي في سورية أصيب في محطات كثيرة بالفشل، إذ لم تتوقع الولايات المتحدة ذلك التنامي فوق العادة للسلوك الروسي في جبهة سورية، وإذا سلّمنا بأنّ كلّ التصريحات الأميركية تلك، هي من باب التغطية على الانتكاسات الأميركية المتتالية، وعدم القدرة على فرملة الإطاحات الروسية للمشروعات الأميركية، سياسياً وعسكرياً، لكننا نقف لنسأل؟ هل كان طلب دولة عربية من جبهة النصرة إخلاء مواقعها في الجنوب تحسّباً لعملية عسكرية واسعة هناك من قبل قوات التحالف الدولي، بعيداً عن العين الأميركية، أو حتى عن الضوء الأخضر الأميركي، ولماذا لم تُوضع استراتيجية أميركية حاسمة وواضحة المعالم حتى الآن، لمحاسبة أو بالحدّ الأدنى ممارسة ضغوط حقيقية على دول بعينها جاء ذكرها على لسان ساسة أميركيين كبار، عدّوها الداعم الرسمي والمولد الرئيس للجماعات المتطرفة، هل كان حراك السيد أنور عشقي للقاء مسؤولين «إسرائيليين»، وإنْ جرت محاولات لتجميله بأنّ الزيارة كانت لفلسطين وليس لـ«إسرائيل» وانه يمثل نفسه ولا يمثل الحكومة السعودية، هل كان ذلك بعيداً عن الأنظار الأميركية، إذ يدرك الجميع وهذا ما تمّ إعلانه بالفم الملآن وخلال لقاء سابق بين عشقي ووكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد بأنّ هدف اللقاءات هو لوضع استراتيجية لمواجهة أعداء مشتركين ووقف النفوذ الإيراني في المنطقة، وكذلك أيضاً الانتصار منقطع النظير الذي رسمه الأمير تركي الفيصل خلال مؤتمر للمعارضة الإيرانية في فرنسا لجهة الإرادة والمساندة السعودية لإسقاط النظام الإيراني، هذا الانتصار الذي جاء ربما كترجمة أولى لمناظرة الأمير السعودي مع عميدرور الجنرال الإسرائيلي المتقاعد على قاعدة ما سماه تركي الفيصل العقل العربي والمال اليهودي، وربما الأحداث الأمنية الأخيرة في الداخل الإيراني تشي بالكثير حول ذلك، ألا يشكل كلّ ذلك أساساً لبناء هدّام تشرف في هندسته الإدارة الأميركية نفسها غير المكلومة والمأزومة بخلاف خصومها الذين يطول مسلسل إطفائهم للنيران الأميركية الإسرائيلية في عقر دارهم هذا البناء الذي لن يجلب إلا المزيد من الحروب والفوضى والدماء، تتجاوز في أبعادها مسألة المطالبة بجزئية رحيل الأسد من عدمها، والتي بات فيها بقاء الأسد أو حتى رفعه لراية النصر، أنما سيكون فوق الركام والخراب والكوارث الإنسانية المصنوعة على العين الأميركية.
نعم نعتقد أنّ جملة من التطورات السياسية والميدانية طفت على السطح خلال الفترة القليلة الماضية، كلها تصبّ في صالح الدولة السورية، ولكن يبقى الكلام الأميركي المعسول يخفي الكثير من المكر والسوء.
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.
Dr.mbkr83 gmail.com