كيري يهدِّد بإنهاء التنسيق مع موسكو في حال كانت عملية حلب الإنسانية «خدعة»
وافقت الحكومة الروسية، على اتفاقية نشر مجموعة جوية من القوات المسلحة الروسية في سورية، وقدمتها إلى الرئيس فلاديمير بوتين، ليحيلها إلى البرلمان للمصادقة.
وقالت الحكومة في بيان، أمس، إنّ اتفاقية نشر المجموعة الجوية في سورية، وقعتها روسيا وسورية في مدينة دمشق يوم 26 آب 2015، و نصّت على أنّ قاعدة «حميميم» وبناها التحتية والأراضي المخصصة باتفاق الجانبين تقدم لاستعمال الجانب الروسي دون أي مقابل. وما يوافق الطرف السوري على تقديمه من قطع الأرض.
في غضون ذلك، أشارت بيانات برنامج مراقبة الطائرات «Flightradar24» إلى أنّ طائرة استطلاع روسية من طراز «تو-214 إر» تحمل حزمة من الأجهزة الإلكترونية المتقدمة، وصلت إلى سورية، أمس. سبق لها أن زارت سورية في شباط عام 2016.
وتحمل كل طائرة من هذا النوع على متنها جهاز استشعار إلكتروني يعمل على ترددات عديدة ويضم رادارات عدة. بالإضافة إلى هذا الجهاز الذي يسمح باعتراض المكالمات بواسطة مختلف أجهزة الاتصال، تزود الطائرة بمنظومة بصرية الكترونية عالية الدقة، تسمح بالتقاط صور رقمية لسطح الأرض بالأشعة المرئية والأشعة تحت الحمراء.
جاء ذلك في وقت، أنطلقت في جنيف، أمس، جولة مشاورات جديدة بين خبراء روس وأميركيين حول التنسيق في ضرب إرهابيي «داعش» و«النصرة» في سورية.
وهذا اللقاء، الذي كشفت موسكو عنه يأتي هذه المرة تلبية لطلب شخصي من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد يوم من إعلان «النصرة» عن تغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام» وفك ارتباطها بتنظيم «القاعدة». وأكّدت واشنطن أنها لا تزال تنظر إلى «النصرة» على أنها تنظيم إرهابي، رغم تبنيها اسماً جديداً.
وأوضح غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي، أنّ الخبراء سيواصلون مقارنة الخرائط والتحقق من المعلومات حول إحداثيات مواقع الإرهابيين، حيث يكمن الهدف الرئيسي للمشاورات ترسيم حدود المناطق الخاضعة لسيطرة «النصرة»، وتلك الخاضعة لـ«المعارضة المعتدلة».
إلى ذلك، أعرب وزير الخارجية الأميركي، عن قلقه إزاء العملية الإنسانية التي اطلقتها روسيا في مدينة حلب، مهدداً بإنهاء التعاون الكامل معها بشأن سورية في حال كانت العملية «خدعة».
كيري قال خلال لقاء أجراه في واشنطن، أمس، مع وزير الخارجية الإماراتي «في حال كانت العملية خدعة هناك خطر انهيار التعاون نهائياً»، مضيفاً أنه «من ناحية أخرى، إذا تمكنا اليوم من تحقيق الأهداف المقررة والتوصل إلى إدراك تام لما يحدث ومن ثم عقد الاتفاق حول الخطوات القادمة، يمكن بعد ذلك فتح بعض الفرص فعلاً».
بدوره، أكد المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، أنّ «إعلان روسيا بشأن الممرات الإنسانية في«حلب» من دون مزيد من التوضيح، يبدو هذا الإعلان أنه مطالبة بإستسلام فصائل المعارضة والإجلاء القسري للمدنيين السوريين من حلب».
كيربي أشار إلى أنّ «أيّ عمليات هجومية ستكون متعارضة مع روح ونص قرار مجلس الأمن 2254 ومع تفاهماتنا مع الروس»، و أضاف «إنّ موقفنا من إيصال المساعدات الانسانية لم يتغير. إذ يجب على روسيا والنظام الالتزام بالمبدأ الأساسي المتفق عليه وهو أن الأمم المتحدة هي من تحدد ما هي المساعدة اللازمة لتخفيف معاناة المدنيين في المجتمعات المحاصرة».
من جهته، أعرب المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أمس، عن دعم المنظمة الدولية لكل مبادرة تهدف إلى مساعدة المدنيين، وأكد ضرورة ترك مسألة الممرات الإنسانية للمنظمة. وقال «هذا هو عملنا، وإيصال المساعدات إلى المحتاجين هو هدف أسست الأمم المتحدة من أجله».
دي ميستورا أضاف «نرحب مبدئيا بفتح ممرات إنسانية في الظروف المناسبة، تتيح حماية المدنيين، ودرسنا باهتمام بالغ المبادرة الروسية، التي أعلن عنها قبل يوم، ونتطلع إلى الحصول على مزيد من المعلومات بشأنها من الجانب الروسي».
وشدد المبعوث الأممي على الحاجة الماسة إلى ادخال تحسينات، بما في ذلك بشأن إعلان الهدنة الإنسانية لـ48 ساعة، موضحاً أنه لا يمكن إجبار المواطنين على مغادرة المدينة أو إيصال المساعدات الإنسانية إليهم عبر ممرات إنسانية، تتعرض للقصف المستمر، مؤكداً أهمية أن تتاح للمواطنين فرصة المغادرة إلى المناطق، التي يختارونها، وتقديم الضمانات للمدنيين الذين يختارون عدم مغادرة الأحياء الشرقية لحلب.
الرد الروسي على دي ميستورا جاء على لسان، أليكسي بورودافكين، مندوب روسيا الدائم لدى مقر المنظمات الدولية في جنيف، حيث أكد أنّ روسيا ستدرس بتعمق مقترحات دي ميستورا بشأن تحسين معايير العملية الإنسانية المشتركة بين موسكو ودمشق في حلب، وستأخذ هذه المقترحات في الحسبان.
وفي شأن متصل، أكّدت وزارة الدفاع الروسية أنّ عملية حلب إنسانية بحتة، معربة عن استغرابها بشأن موقف بعض السياسيين الذين يرون أهدافاً خفية وراء خطوات روسيا.
وقال أناتولي أنطونوف نائب وزير الدفاع الروسي «مستعدون لنفعل كل ما بوسعنا من أجل تقديم المساعدات إلى المواطنين المسالمين وحتى المسلحين الراغبين في إلقاء السلاح».
كما أكّد إمكانية فتح ممرات إنسانية ليس فقط من حلب بل وإلى المدينة، إذا اقتضت الضرورة ذلك، مشيراً في ذات الوقت إلى أنّ الجانب الروسي لن يسمح في أيّ ظرف بتدفق المزيد من الأسلحة إلى المناطق التي يسيطر عليها مسلحون.
نائب وزير الدفاع أضاف أنّ «وزارة الدفاع بالتعاون مع الخارجية الروسية بدأت عملها على جذب منظمات إنسانية دولية من أجل تقديم المساعدات للمدنيين في سورية. وقد وجهت دعوات الوزارتين إلى النظراء في الخارج والدول البارزة لدعم جهود الجانب الروسي الرامية إلى تقديم المساعدات الإنسانية لسكان حلب».
وأكد أنطونوف أن ردود الأفعال الأولية تولّد بعض التفاؤل، مشيراً إلى أنّ ممثلي أطباء بلا حدود، والصليب الأحمر الدولي ومكتب المبعوث الخاص إلى سورية، قالوا إنّ أيّ مبادرة تسمح للمدنيين السوريين بالانتقال إلى مناطق أكثر أمناً قد تكون إيجابية، مشيراً أنّ مسائل تنفيذ مشروع تقديم المساعدات على الأرض تتطلب تخطيطاً وتحضيراً بشكل دقيق.
وفي السياق، قامت مروحيات عسكرية سورية خلال الساعات الـ24 الماضية، بإسقاط منشورات فوق أحياء حلب تتضمن إحداثيات الممرات الإنسانية، لمساعدة السكان المدنيين الراغبين في مغادرة المدينة بشكل آمن.
وأعلنت الدفاع الروسية، أنّ المروحيات أسقطت أيضاً مواد غذائية بما فيها الدقيق، والحبوب، والسكر، ومستلزمات للنظافة الشخصية، إضافة إلى احتياجات أولية، ومستلزمات العناية بالأطفال والمرضى.
إلى ذلك، دانت الخارجية التركية ما أسمته «الحصار» الذي يفرضه الجيش السوري والقوات الرديفة على الأحياء الشرقية لمدينة حلب واستمرار الغارات الجوية على تلك الأحياء.
وطالبت الخارجية التركية، بالوقف الفوري للغارات الجوية التي قالت إنها تستهدف «المدنيين والبنية التحتية المدنية في حلب»، مشيرةً أنّ الغارات والحصار يأتيان «تحت ستار مكافحة الإرهاب واتفاق وقف الأعمال القتالية»، مضيفةً أنّ ذلك يُعد «أمراً مؤسفاً وغير مقبول إطلاقاً».
كما جاء في بيان الخارجية التركية أنّ فرض الجيش السوري الحصار الكامل على الجزء الشرقي لحلب، بعد هجمات مكثفة استمرت منذ فترة، تثير «غضب أنقرة العميق». ودعت الأمم المتحدة وبقية المجتمع الدولي إلى التدخّل بسرعة واتخاذ خطوات قوية وفاعلة لإزالة ما وصفته بـ «وصمة العار على جبين الإنسانية».