قمة اللاأمل
جاك خزمو
عُقدت القمة العربية يوم الاثنين الموافق 25 تموز 2016 في عاصمة موريتانيا نواكشوط. وكان رقمها الـ 27 في سلسلة القمم العربية العادية والاستثنائية منذ تأسست الجامعة العربية قبل 71 عاماً… وقد وصفها الأمين العام الجديد للجامعة العربية أحمد ابو الغيط بأنها قمة «الأمل». وكان من المقرّر أن تعقد في المغرب، لكن قادة المغرب اعتذروا عن عدم استضافتها لأسباب خاصة.
موريتانيا بذلت جهوداً كبيرة في استضافتها، وقامت بما يلزم من إعداد، ولكن حضور القادة العرب كان ضعيفاً جداً… وقد كانت قمة قصيرة استغرقت يوماً واحداً، ولساعات عدة، نظراً للحضور الضعيف، وللخلافات العربية، ونظراً لما يدور في عالمنا العربي من أزمات نتيجة المؤامرات التي تستهدف أولاً وأخيراً تقسيم العالم العربي.
القمة أصدرت بياناً، كرّرت فيه ما جاء في القمم الماضية، ولم تقدّم أيّ جديد. وهذا البيان تضمّن المناشدات والطلبات والدعوات والإدانات والرغبات، وكلها تعبّر عن «تمني» و «رجاء» و «استرحام»، ولا تعبّر عن قرارات فعلية وجدية.
هذه القمة وللأسف لم تخاطب إلا نفسها، فهي ناشدت الدول العربية بالإيفاء بالتزاماتها لصالح صندوق القدس وغيرها من الالتزامات الأخرى… وطالبت بتوفير الدعم لوكالة الغوث، والعديد من الطلبات من «إسرائيل» حول ما يعانيه شعبنا الفلسطيني.
هذه القمة لم تكن قمة أمل، بل قمة اللاأمل، لأنها لم تقدّم أيّ جديد، ولأنّ المناشدات والطلبات والدعوات هي ذاتها، وكذلك لم تتخذ قراراً جدياً واحداً مفيداً ينفذه «القادة» العرب على أرض الواقع.
كانت كبقية القمم تدين إجراءات «إسرائيل» ضدّ شعبنا الفلسطيني، ولكن هناك مَن يشارك فيها على اتصال وعلاقة حميمة سرية مع «إسرائيل»، مما يعني أنّ هذه الإدانة هي لرفع العتب وليس أكثر من ذلك.
وتطرّق بيان القمة الى «الأزمات» و»الأحداث» في سورية والعراق. ودعت الى حلّ سياسي في سورية، وبعض الدول المشاركة في القمة، وفي إصدار البيان تدعم الإرهاب، وهي عضو فعّال في المؤامرة على الأمة العربية، وعلى سورية بالتحديد.
والغريب أيضاً أنّ رئيس تشاد، ادريس ديبي، شارك في هذه القمة، وهو على اتصال مع «إسرائيل»، وهو يخطط لإعادة العلاقات الدبلوماسية معها في القريب العاجل، وهو الذي قد يعيد «إسرائيل» الى عضويتها كمراقب في «الاتحاد الأفريقي» بعد طردها عام 2002 بضغط من الرئيس الراحل معمر القذافي، لأنه يترأس هذا الاتحاد الآن.
لم تؤكد هذه القمة على أنّ عدو الأمة والعالم العربي هو «إسرائيل»، بل كانوا يتحدثون عن أنّ إيران هي «العدو» للأمة العربية، متهمّين إياها بالتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، علماً انّ بعض الدول المشاركة في القمة تتدخل بوقاحة في شؤون دول عربية أخرى، وخاصة في سورية والعراق واليمن.
وبعض الذين شاركوا فيها يدعون الى دعم حقوق الشعوب الأخرى، وشعوبهم تعيش الذلّ والهوان نتيجة ظلمهم وبطشهم لشعوبهم!
لم يتوقع أحد الكثير من هذه القمة، ولم يتوقع أحد أن تعطي القمة أيّ أمل للخلاص من الضعف العربي الحالي، ولم تعالج أية قضية بصورة جدية بل الاكتفاء بالإشارة اليها، وإصدار تمنيات ومناشدات.
إنها قمة «اللاأمل»، قمة «الفشل» بحدّ ذاته، لأنّ البيانات لا تقدّم ولا تؤخر، بل هي عبارة عن ذرّ الرماد في عيون الشعوب العربية… وهي لرفع العتب، وليس أكثر من ذلك.
إنّ القمة العربية تكون قمة أمل اذا كانت هناك قرارات جادة يقوم بتطبيقها القادة العرب، وإذا كان القادة المشاركون فيها يتمتعون باستقلالية اتخاذ القرار بعيداً عن أوامر السيد في واشنطن، وإذا كانوا رجالاً بمعنى الكلمة.
شكراً لما جاء في البيان عن القضية الفلسطينية وعن قضايا العرب الأخرى من كلمات… ولكن حتى ما جاء في هذا البيان لا يلبّي طموحات الأمة العربية، لقد كان ناقصاً جداً… ولن يخدم العرب إذا لم ترافقه خطوات لرصّ الصفوف وإنقاذ الأمة العربية مما هي عليه الآن.
لا حاجة لعقد قمم عربية مستقبلية اذا كانت نسخة عن سابقاتها… ولا ضرورة لوجود جامعة الدول العربية اذا بقيت رهينة دول خليجية، وتنفذ أجندات خارجية. ولا احترام لهذه المؤسسة التي تغيب عنها دولة مؤسسة، دولة تعتبر السد المتين والمنيع لأمتنا العربية، وهي قلب العروبة النابض… سورية!
ناشر ورئيس تحرير مجلة «البيادر» ـ القدس