معادلات جديدة… وحاسمة

أحمد شعيتو

تؤشر الوقائع السورية في الفترة الأخيرة إلى مزيد من الأجواء المؤاتية لمحور المقاومة، والضاغطة على المحور المقابل نحو مزيد من فرض معادلات انتصار جديدة، وجاءت أحداث حلب الميدانية لصالح الجيش وحلفائه، والتي وصف الأمين العام لحزب الله أهميتها بأنها لا ترتبط فقط بالأزمة السورية، بل بالوضع الإقليمي، وبالمعادلات وبالمشاريع الإقليمية، وبالأحلام الإمبراطورية الإقليمية لتؤكد أنّ المسألة تبدأ من حلب ولا تنتهي عند تركيا والسعودية.

وفيما تبدو الرياض في موقع المتراجع بعدما ضعفت أدواتها في أكثر من ميدان، وتتلقى الجماعات المسلحة خسائر استراتيجية تلوّ الأخرى، تمنعها من أن تكون في موقع فرض شروط مستقبلية، فإنها تجد نفسها في موقع أكثر حرجاً، أما نظام تركيا الخارج من محاولة انقلاب فقد فشل في العديد من الأدوار، وما خسارة الميدان الحلبي إلا ضربة إضافية. ستكون انتصارات حلب وإقفال الحدود التركية أمام المسلحين بنسبة كبيرة دافعاً جدياً لأن تضع تركيا أمام واقع إضافي لإجراء إعادة حسابات وبالأخصّ بعد الأحداث الداخلية الكبرى التي شغلت أردوغان.

في ظلّ فقدان المزيد من الأوراق يتجه الأميركي إلى إعلان تفاصيل اتفاق عسكري اميركي ـ روسي في الساعات المقبلة تحت وطأة تغيّر المزيد المعادلات، ولكن بشكل يحاول فيه الحفاظ على بعض المكاسب وبعض ماء الوجه، في وقت يبدو فيه ضعيف القدرة على مناورات كبرى، في ظلّ اقتراب نهاية عهد أوباما وانتظار عهد جديد، وستتوضح في المقبل من الساعات طبيعة الاتفاق مع الروس، بينما الأشهر المقبلة ستوضح ما إذا كان اتفاقاً قابلاً للاستمرار استراتيجياً، أم هو ذو أبعاد أضيق من ذلك والحذر يستمرّ دائماً سيد الموقف بين الطرفين…

ولا شك أنّ الحكومة السورية رحّبت وترحب بأيّ اتفاق دولي جدي يستهدف «داعش»، وكذلك «النصرة» مهما اختلفت مسمّياتها، إضافة إلى الجماعات الإرهابية الأخرى.

تطورات حلب ستساعد الجيش السوري في فرض وقائع جديدة والتمهيد لما هو أبعد، وخاصة على صعيد الحدود التركية، وعلى صعيد إضعاف قوة المسلحين، الذين يضعف حضورهم في أكثر من جبهة بما يحمل بوادر معادلات جديدة أكثر حسماً هذه المرة. وجاءت السيطرة على حي بني زيد الذي يعتبر أهمّ نقطة ارتكاز للمسلحين وإحكام الطوق على شرق حلب ليجعل حلب بحكم الساقطة من يد الإرهابيين، حتى أنّ دي ميستورا تحدث عن عدم إمكانية صمودهم لأكثر من إسبوعين إلى ثلاثة ولتشكل هذه التطورات مفترقاً هاماً في التطورات السورية، حيث أنّ كثيراً من الخبراء قبل التطورات الأخيرة، اعتبروا أنّ معركة حلب ترتبط نتائجها بما يشبه الحسم على صعيد الملف السوري برمته، فيما صحيفة «التايمز» قالت أنّ معركة حلب حاسمة في الحرب السورية.

لكن يبدو انّ المسلحين يحاولون لعب ورقة الضغط بالمدنيين، والتضليل القائم على فكرة أنّ النظام يمنع إيصال المساعدات إلى شرق حلب.

وقد كان السيد نصرالله واضحاً في خطابه الأخير حيث أشار عند تطرّقه لحلب إلى أنّ ما يُقال للمدنيين بل حتى للمسلحين هو «هذه البوابات مفتوحة تفضلوا أخرجوا». وفي الساعات الماضية استمرّ التضليل، حيث قال أعضاء في ما يسمّى المعارضة المسلحة «ليس هناك أيّ ممرات في حلب توصف بممرات إنسانية، فالممرات التي تحدث عنها الروس يسمّيها أهالي حلب بممرات الموت». لكن باعتراف «المرصد السوري لحقوق الإنسان» تشدّد الفصائل المقاتلة إجراءاتها الأمنية وتمنع الأهالي من الإقتراب من المعابر.

أتت رسالة الرئيس بشار الأسد إلى الشعب السوري بالتزامن مع تقدّم ميداني ضاغط، يدعو فيها جميع أبناء الشعب للوقوف صفاً واحداً مع الجيش من أجل استئصال الإرهاب، ويناشد الجميع العودة إلى «حضن الوطن وإلقاء السلاح»، أتت لتحمل الثقة بأنّ التطورات لصالح القيادة والجيش السوري، وأنّ زمام المبادرة تشدّ عليه يد الجيش أكثر وأكثر نحو فرض واقع أكثر إيلاماً للمسلحين في الفترة المقبلة.

وقال الأسد إنّ «هذه لفرصة سانحة لكلّ من حملوا السلاح أن يعبّروا عن انتمائهم للوطن، وأن يستمعوا فقط للصوت الوطني الذي يناديهم، وأن يهجروا أسلوب العنف، وأن يلقوا السلاح، وأن ينخرطوا في عملية إعادة إعمار سورية لهم ولأبنائهم، وسيجدون أنّ التسامح هو سيد الموقف»… هو بيان يشكل فرصة كبيرة لمن حمل السلاح ولا نتوقع من أيّ رئيس دولة أن يلجأ إلى ذلك بعد كلّ هذه الممارسات والتدمير من قبل المسلحين، إلا إذا كان يحمل من التسامح الوطني وبعد النظر والحرص على الوطن الكثير، وليكون معطوفاً على سياسات القيادة السورية في المصالحات وفي دعوات تسليم السلاح والانخراط في العمل الوطني الحقيقي، ومعطوفاً على سياسات الاتفاقات الإنسانية، وكلّ ذلك يدلّ على خصائص القيادة الحقيقية.

روسيا تلعب دورها بشكل مستمرّ وفعّال في موضوع ضرب الإرهاب، وموضع تحضيرات أيّ تسويّة محتملة وستستفيد من موضوع الاتفاق مع واشنطن للتضييق أكثر على الإرهابيين، وخلق فُرص حلول حقيقية عبّر الحوار السوري السوري، الذي يحتاج إلى أنّ توقف بعض الأطراف العربية المكابرة والعناد. وكان الكلام الروسي الأخير الذي قيل عن لسان مندوبها الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أنّ موسكو تعوّل على أنّ دي ميستورا سيسرّع إجراء المفاوضات السورية في جنيف بعد بدء العملية الإنسانية في حلب، وأنّ الأمل في أنّ استعداد الرئيس الأسد لمناقشة اقتراحات المبعوث الأممي، وإيجاد قرارات حول حلب سيساعدان دي ميستورا في المضيّ قدماً نحو تسوية الأزمة السورية، ليؤشر إلى مساعي روسيا ونظرتها في هذا المجال بعد التطورات الأخيرة.

إعلامي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى