لو لم يتحالف روزفلت وتشرتشل مع ستالين!
عامر نعيم الياس
«لو لم يتحالف روزفلت وتشرتشل مع ستالين خلال الحرب العالمية الثانية، لربح هتلر الحرب» تساؤل ورد على لسان الكاتب الأمريكي فريد كابلان، لكن ماذا لو ربح هتلر الحرب العالمية الثانية؟ كيف سيكون شكل العالم؟ هل كنّا لنقرأ عن المعسكرين الشرقي والغربي، ونؤرّخ لعصر جديد بدءاً من سقوط جدار برلين؟ هل كان هناك وجود لحرب باردة؟ هل كنّا أرهقنا أنفسنا في البحث والتنظير والتحليل عن معالم العالم ثنائيّ القطبية، ومن ثمّ الأحادي القطبية، واليوم محاولات تشكيل صورة لعالم متعدّد الأقطاب؟
سورية والرئيس بشار الأسد مأزق لمعضلة ورهان وأزمة وصراع استنزف الجميع عبر حرب الاستنزاف التي أدارتها واشنطن منذ عام بعد سقوط الرهان نهائياً على سقوط الدولة السورية عموماً والرئيس الأسد خصوصاً، هي حرب استنزاف غيّر مجرياتها «داعش». وعلى الرغم من أنّ التنظيم يُدار من قبل الاستخبارات الأمريكية والبنتاغون، شأنه شأن «القاعدة» القديمة التي حاربت السوفيات في أفغانستان، إلا أنّ الرهان على الكمّ في الحالة السورية والهجرات غير المسيطر عليها «للجهاد في الحرب المقدّسة» انقلب على الرعاة.
في سورية لا توجد جهة راعية ومنظمة لتدفق المقاتلين، هناك بازار وسباق بين دول الإقليم والرعاة على توسيع التنظيمات الإرهابية في سبيل إسقاط الدولة السورية. هدف جعلت الحرب مقدّسة من أجله، قدسية سحبت في الإعلام على «المقاتلين الثوار والمتمرّدين والجهاديّين لا الإرهابيّين»، والذين روّعهم ما يجري في سورية بحق إخوانهم من مسلمي الدولة السورية فأتوا لنصرتهم، بعض الساسة الغربيّين وغالبية النخب دافعت عن موجات هجرة الجهاديين إلى سورية معتمدةً على الحجة السابقة.
إضافةً إلى ذلك تمّت شيطنة نظام الأسد بشكل لم يشهده التاريخ سوى في حقبة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث قامت الميديا الغربية بتحميل هتلر والحزب النازي كافة أخطاء الحربين العالميتين، واضعةً الحزب النازي خارج سياق الفكر والموروث التاريخي الألماني، مروّجةً له على أنه بدعة خاصة بشخص مريض نفسياً يدعى هتلر.
بالعودة إلى سورية، ولعنتها التي ضربت كلّ من حاول الاقتراب منها، عادت النخب الغريية لطرح ملف التعامل مع الأسد على الإعلام وعلى العامة، باعتباره السيناريو الأمثل لمواجهة «سرطان داعش» حسب تعبير الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي كان بمثابة ضوءٍ أخضر لتنظيم حملة إعلامية لتعويم هذا السيناريو الكابوس بالنسبة إلى المحافظين الجدد وبعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، وبعض دول الإقليم من السعودية وتركيا مروراً بقطر وحتى الأردن. فما هي مؤشرات الدفع بهذا السيناريو بدءاً من الإعلام وانتهاءً بالوقائع الملموسة:
انخراط الإدارة الأمريكية المباشر في الصراع ضدّ الدولة الإسلامية في العراق وسورية، أصبح واقعاً لا يمكن الالتفاف عليه، خاصةً بعد ذبح الصحافي الأمريكي جيمس فولي، وما أثاره ذلك على صعيد الرأي العام الأمريكي، حيث عنونت لوس أنجلوس تايمز: «عائلات الصحافيين الأمريكيين المفقودين في سورية يعتريهم الرعب».
التحرك ضدّ «داعش» أثار جدلاً داخل الإدارة الأمريكية حول السبل الواجب اتباعها لمحاربة هذا التنظيم، وبغضّ النظر عن الموقف من سورية، طرحت مسألة موقف دول الإقليم من الوضع في سورية ومن السياسات الأمريكية الخاصة بإدارة الصراع في هذه الدولة، حيث لوحظ على امتداد الحرب في سورية تحرك الدول الإقليمية من تركيا إلى السعودية مروراً بقطر على هامش التناقضات في الموقف داخل الإدارة الأمريكية في ما يخصّ الرئيس والنظام في سورية ومسألة بقائهما من عدمه، لكن هل من الممكن اليوم الاستمرار في اللعب على هذه التناقضات؟ ألم يصبح «داعش» بشكل أو بآخر قضية رأي عام أمريكي؟ ألا يوجد قرار من مجلس الأمن اتخذ بالإجماع حول مكافحة تمويل وتمرير المقاتلين إلى تنظيم الدولة الإسلامية ويحمل الرقم 2170؟ في سياق ما سبق تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: «يتوجب على جميع البلدان ذات الأغلبية المسلمة أن تدرك خطر تنظيم داعش، التابع لتنظيم القاعدة سابقاً، باعتباره يشكل تهديداً لمواطنيها ويجب عليها القيام بعمل ما إزاء ذلك، ولكنها غارقة في المنافسات التافهة الخاصة والمناقشات الدينية بين السنة والشيعة، بالإضافة إلى العديد من العلاقات الدنيئة الخاصة بهم والتي تربطهم مع المتطرفين. على سبيل المثال، يحصل تنظيم «داعش» على تمويل من المانحين في الكويت وقطر ومن أماكن أخرى. وبدورها قامت المملكة العربية السعودية بإرسال أسلحة إلى المتمرّدين السوريين، ولا يهمّها إنْ وصلت تلك الأسلحة إلى «داعش» أم لا. وكذلك سمحت تركيا للأسلحة ولمقاتلي «داعش» بالتدفق عبر الحدود التي يسهل اختراقها». أما الإندبندنت البريطانية فهي ترى أنّ «عزل الدولة الإسلامية لا يتمّ عبر الغارات الجوية فقط، لكن يجب أن يتمّ حرمانها من تدفّق المتطوّعين الأجانب إليها والذي يتمّ عبر الحدود التركية بشكل رئيسي».
الاجتماع الوزاري في جدة والذي ضمّ مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن، كيف له أن يجمع المتنافسين على طاولة واحدة؟ هل تجتمع هذه الدول على جدول أعمال بنده الأول «البحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية» من دون ضغط أمريكي يهدف إلى توحيد الموقف من الملف السوري بشكل كامل.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن الأسبوع الماضي عن تدمير الترسانة الكيميائية السورية على متن أحد السفن الأمريكية، واصفاً في بيان له ما جرى بأنه «إنجاز كبير». الرئيس الأمريكي تولّى شخصياً الإعلان عن هذا الأمر ولم يسمح لأيّ مسؤول أمريكي آخر بأن ينوب عنه، وهو ما يمكن تفسيره على أنه غمز من ضرورة الدفع بحلّ سياسي في سورية على قاعدة نجاح التوافق الروسي الأمريكي في تحقيق هدف ما في سورية من دون اللجوء إلى استخدام القوة.
القرار الذي اتخذته السلطات الأمريكية بمنع التحليق فوق الأراضي السورية بسبب «التجهيزات العسكرية المتطورة التي تملكها الجماعات المتطرفة»، يوجّه رسالة إلى الدول التي تدّعي دعمها «للمعتدلين» بفشل هذه الاستراتيجية، فالأسلحة تقع في أيدي المتطرفين الذين باتوا يشكلون خطراً على المصالح الأمريكية والأمن والسلم الدوليين.
الإندبندنت البريطانية نقلت عن مصدر رفيع لم تكشف عن هويته تأكيدات «أنّ واشنطن قامت بالفعل بإمداد النظام السوري بمعلومات استخبارية عن مواقع وجود عدد من قادة الدولة الإسلامية في الرقة»، الأمر الذي يتوافق إلى حدّ كبير مع دعوات بعض النخب الحاكمة في بريطانيا إلى التعاون مع الدولة السورية فرئيس لجنة الاستخبارات والدفاع في البرلمان البريطاني مالكولم ريفكند رأى أنه «في بعض الأحيان يجب أن تطوّر علاقات مع أشخاص سيّئين للغاية من أجل التخلّص من أشخاص أكثر شرّاً». هي معادلة الأمر الواقع… فجميع الخيوط لا بدّ أن تمرّ من يد الأسد، فهل يتحالف أوباما وكاميرون مع الأسد لهزيمة البغدادي والجولاني أمراء الذبح وقطع الرؤوس أم…؟
كاتب سوري