«حبر الآن»… لا بدّ للأمل أن يبقى مغروساً في الروح
دمشق ـ آمنة ملحم
بلغة سينمائية خاصة قوامها الصورة التي تنطق عوضاً عن الحوار، ورفيقتها الموسيقى المدروسة بدقّة والتي استطاعت تفسير الحالة النفسية المرادة من الفيلم، فجاءت عضوية ملاصقة لمراده لا فقط للتعبئة. وبلقطات بنيت بألوان وتركيب ومُدَدٍ زمنية متقنة لطرح حالة والغوص فيها وتحليلها ضمن بنية سينمائية. هكذا اشتغل المهند حيدر على فيلمه «حبر الآن» وقدّمه للجمهور.
«حبر الآن» الفائز بالجائزة الذهبية لأفضل فيلم في مهرجان الشباب الثاني، شارك مؤخراً في مهرجان «إيكور هوليني الدولي للسينما» في جنوب أفريقيا كأول عرض لفيلم للمهند حيدر في أفريقيا غير الناطقة بالعربية، بعدما كان عُرض في إيطاليا. كما سيعرض في عدة مهرجانات أخرى في الشهور المقبلة، في العراق والجزائر ومصر وإسبانيا. وكان له حضور يوم الأحد الماضي في «نادي شام الثقافي الأول»، الذي أقيم في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، وحاز خلاله على حضور كثيف وثناء كبير مع فسحة الأمل التي نثرها في نهاية العرض مع الزوارق الورقية الملوّنة التي فاضت حاملة معها الأمل رغم الأسى، ودموع الأنثى التي تحوّلت إلى حبر تلك الأداة التي تتمحور حياة بطل الفيلم حولها، فمنها ينسج ورقه ويجمعه مراراً منتظراً اللحظة المناسبة لنشره، لكن حالة اليأس والكآبة والعجز التي سيطرت على حياة الشاب في زمن الحرب الطاحنة، تدفعه إلى رمي كل ما أنجزه في مهبّ الرياح، والتخلّص من سطوة الميديا التي اختصرها الفيلم برمي البطل علبة التلفاز من نافذته «إلى الهفا»، في إشارة إلى رفضه كلّ ما يمكنه أن يدخل لغة العنف والدم والدمار إلى حياته. لكن الأمل لا بدّ أن يبقى مغروساً في الروح التي تتحدّى الموت وترفضه في لحظة مفصلية، رغم وحشية الحرب ورعبها اليومي. فقد تنبت قطرة من الماء نخلاً.
مخرج الفيلم ابتعد عن كلّ ما هو قبيح من خراب ومظاهر للموت في لغة فيلمه المنجز في 17 دقيقة، لأنه يرى في الفنّ جمالاً يجب أن يُبعده دائماً عن القبح، وهو ضدّ لقطات الحرب المباشرة والعنف والدم عبر شاشات السينما، كونها تسيء إلى الإنسانية، ويرى في أيّ مخرج يضع الدمار في أفلامه مروّجاً للعنف، فهو لا يريد أن يصل المشاهد إلى مرحلة تصبح معها مشاهد الموت اعتيادية، لأن الموت أمر كارثيّ بنظره، ولن يسعى أبداً إلى تكريس رؤيته ببساطة. علماً أن فيلم «حبر الآن» من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، ومن تمثيل يزن الخليل ورهف الرحبي، ومدير التصوير عمر العيسمي، ومدير الإنتاج: سامر رحال، ومونتاج: سومر جباوي، وغرافيك وألوان نور الكردي، وموسيقى سمير كويفاتي.
المهند حيدر وبعد فيلمه «حبر الآن» واصل مسيرته السينمائية مع «سينما ميكينغ أوف»، الذي نال جائزة أفضل مخرج في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الثالث، وهو فيلم كوميدي بحت قدّمه إيماناً منه بأن البسمة لا بد أن تبقى مرتسمة على الوجوه، والضحكة لا يمكن أن تنسى. أما عن مشروعه المقبل، فيشير حيدر إلى اختلافه، إذ إنّ جيل الشباب هو موضوعه، كون الشباب في المكان الأكثر خطورة حالياً، ذلك الجيل الذي وجد نفسه ومع بداية خطواته العملية في الحياة في موقع استثنائي يعيق أحلامه وتحرّكاته، فمنهم من هاجر ومنهم من انكفأ على نفسه. أسئلة كثيرة سيطرحها عمل حيدر الجديد، وستكون لهذا الجيل من الشباب والذي يعتبر قضيتهم ديناً في رقبته، يريد أن يوفيه بفنّه.