موسكو تقرّر الانتقام لطيَّاريها وتعتبر أنّ «المعارضة المعتدلة» سقطت بري يحمي الحوار بسقف منع الفشل ويراهن على تحسينه من الداخل

كتب المحرّر السياسي

أدّى انضواء الفصائل المسلحة التي كانت تحسبها واشنطن على المعارضة المعتدلة إلى صفوف جبهة النصرة وتسليمها قيادة الجبهات، وإلغاء الهوامش التي كانت تفصل الفريقين إعلامياً وميدانياً، رغم تمسكهما بعدم قبول أيّ عروض لفك التشابك، إلى إنهاء كلّ فرص أميركية لدعوة موسكو إلى التروّي في معركة حلب وإدلب وريفيهما، خصوصاً بعدما أعلنت النصرة أنّ للحرب هدفاً محورياً هو ضرب الدور الروسي في سورية، وترجمت ذلك بالتعاون مع الفصائل المنضوية تحت إمرتها بإسقاط طوافة روسية ومقتل طاقمها المكوّن من خمسة عناصر هم ضابطان وثلاثة فنيين.

في موسكو كان نقاش سابق لبدء هجوم النصرة ومَن معها في حلب على محاور الريف الشمالي الغربي والريف الجنوبي ولسقوط الطوافة، يدور حول مساعدة واشنطن في مخاطبة الحلفاء وبالتالي توفير شروط مناسبة من التبريد العسكري مع مواصلة الحصار وسياسة المعابر الآمنة، ريثما تتمكن واشنطن من إحداث الفصل الذي تأمل بتحقيقه بين النصرة وسائر الفصائل المسلحة، ولكن منذ ما بعد ظهر أمس تجهّمت موسكو وطغى عليها الغضب، وخطاب الانتقام وتلقين الدروس، ورفض الرواية الأميركية عن معارضة معتدلة صار محور التعليقات التي يُدلي بها الإعلاميون الروس على الفضائيات العالمية التي تابعت الحدث، وإشارات إلى أنّ الطوافة الروسية أسقطت وهي تقوم بمهمة إنسانية، وإسقاطها تمّ فوق مناطق يفترض أنها خاضعة لـ «المعارضة المعتدلة» وفقاً للتصنيف الأميركي حسب خرائط تسلّمتها موسكو ضمن خطط التعاون.

غاب الحديث عن التهدئة وعدم نية القيام بعملية برية واسعة في حلب، وحضرت الخرائط على موائد كبار القادة والمستشارين. وصار الهمّ الأول وضع ضوابط يصنعها الميدان ولا يضمنها الكلام الأميركي لحركة القوات الجوية الروسية، ويجري الحديث عن بحث روسي معمّق بمنح الموافقة على توفير تغطية جوية استثنائية من القاذفات الاستراتيجية إذا استدعى الأمر، لخطة عسكرية عرضتها القيادة العسكرية السورية، لفصل الأحياء التي يسيطر عليها المسلحون عن بعضها بمربعات تبدأ نارية ويتلوها تقطيع أوصال وضرب خطوط الإمداد، بعدما نجح الجيش السوري رغم ضراوة الهجمات التي شنّتها النصرة، بالحفاظ على مواقعه في ظلّ تعمية إعلامية تولّتها قنوات وصحف ومواقع تموّلها السعودية وقطر، تابعت التحدث

عن نجاحات وهمية لهجمات النصرة بينما أكدت مصادر عسكرية متابعة لـ «البناء» أنه إذا صحّ التحدث عن إنجازات ميدانية فهي في خانة الجيش السوري وحلفائه، حيث شهدت محاور القتال في مخيم حندرات المزيد من التقدم، وشهدت جبهات خلصة في الريف الجنوبي وكنسبّا في ريف اللاذقية الشمالي تقدّماً مشابهاً، واضافت المصادر أنّ الجيش السوري وحلفاءه بعد الإنجازات المحققة يعتمدون تكتيكات امتصاص الهجمات المرتدّة وتعزيز خطوط الدفاع، وتثبيت المواقع، وتحويل المواقع التي جرى تحريرها كأفخاخ لاستجلاب المهاجمين بغرض إبادتهم، وصولاّ إلى استنزاف القدرة القتالية لنخبة وحدات النصرة، ما يسهّل مهمات الانتقال للهجوم لاحقاً، ولذلك تجري عمليات التقدم ببطء في الجبهات الرديفة للمواقع المحررة حديثاً.

لبنانياً، يبدأ اليوم الحوار الوطني تحت قبة مجلس النواب في خلوة سعى رئيس المجلس نبيه بري لتكون محطة إيجابية فاصلة تطلق فرص إحداث اختراق في جدار الأزمة المقيمة منذ استعصاء إجراء الانتخابات النيابية صيف العام 2013، وما تلاها من فشل مشابه في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في ظلّ ترابط ملفي قانون الانتخابات النيابية ورئاسة الجمهورية، وترابطهما معاً مع الاصطفافات الإقليمية والتجاذبات المترتبة عليها وانعكاسها على مواقع ومواقف الأطراف اللبنانية، وعشية الحوار مع تدنّي نسبة التفاؤل بحدوث مثل هذا الاختراق في ظلّ مناخات إقليمية يطغى عليها التشنّج، سعى الرئيس بري لشراء بوليصة تأمين للحوار عبر لقائه مع الرئيس سعد الحريري وتعطيل استباقي لما يمكن أن يصدر في الجلسات الحوارية عن رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة يؤدّي إلى صناعة توتر وتشنّج يهدّد الحوار بالفشل، وبضمان عدم الفشل بكوابح حريرية للسنيورة، وفقاً لمعادلة أنّ انفراط عقد الحوار في ظلّ غياب رئيس جمهورية ووجود حكومة مشلولة سيعني وضع البلد على شفا كارثة لا يحتملها الوضع الأمني والمالي معاً، وهما آخر رساميل اللبنانيين، وعلى مَن يعبث بتعريض الحوار للفشل تحمّل مسؤولية هذا الانكشاف، وتأسيساً على ما بات في جعبة بري من ثقة بعدم إعلان فشل الحوار أو انفراط عقده، يسعى لتحسين سقوفه من الداخل، فيبني على ثلاثية، السعي لتوافق على إقرار الموازنة تحت بند تفعيل العمل الحكومي من بنود الحوار، والبحث في وضع إطار لقانون انتخابات نيابية يطبق اتفاق الطائف انطلاقاً من بحث صيغة مجلسي النواب والشيوخ، والبناء على هذين البعدين في الحوار ما يمكن بناؤه بحدود عقلانية في بند رئاسة الجمهورية، خصوصاً أنّ هناك توافقاً على ربط إقرار أيّ مشروع لقانون الانتخاب بانتخاب رئيس للجمهورية، حتى لو تمّ التوافق على القانون وتفاصيله.

خلوة آب في يومها الأول

تنعقد خلوة آب الحوارية في يومها الأول في عين التينة على وقع التطورات الإقليمية المتسارعة على الجبهتين السورية واليمنية وعلى الساحة التركية، ويعود المتحاورون الى قواعدهم حول الطاولة والجمود والشلل يلفان الاستحقاقات الداخلية والمؤسسات الدستورية لا سيما رئاسة الجمهورية باستثناء الجيش اللبناني الذي لم يتوانَ عن القيام بواجبه في حماية السلم والاستقرار الداخلي ولا في مكافحة الإرهاب على الحدود. وكما العامين الماضيين مر عيده هذا العام في غياب الاحتفال التقليدي بسبب الشغور الرئاسي.

قد يبدو الحكم على نتائج أعمال طاولة الحوار من الآن تسرّعاً، لكن يبدو واضحاً أيضاً أن لا مؤشرات حقيقية داخلية وخارجية تشي بقرب اتفاق الأطراف على حلول للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين.

الحريري التقى جنبلاط

وفي إطار اللقاءات التي تسبق انعقاد طاولة الحوار، استقبل الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط يرافقه وزير الصحة وائل أبو فاعور وجرى عرض للأوضاع العامة وآخر التطورات.

بري يحبّذ الحلّ الكامل

وأشارت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لــ «البناء» إلى أنّ «الملفات التي سيطرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري على المتحاورين هي البنود نفسها التي طرحت في الجلسات السابقة أي رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب وتفعيل العمل الحكومي، وسيسأل بري الأطراف عن أجوبتهم عما طرحه عليهم في الجلسة السابقة على أن تناقش هذه الأجوبة ويوضع تصوّرات معينة تكون مقدّمة أو مدخلاً للحل، واحتمال التوصل الى مخارج هو ملك المتحاورين وصفاء النيات والإرادة لحل هذه الأزمة السياسية الكبيرة».

ونقلت المصادر عن بري قوله إنه يحبّذ الحلّ المتكامل، وليس المجزأ، «فالأزمة ليست وليدة اليوم وقد وصلنا الى الفشل في حلّ كلّ ملف من الملفات على حدة، وكلها توضع تحت عنوان كبير هو الخلاف السياسي بين اللبنانيين»، لذلك سيطرح بري كل المواضيع الخلافية على بساط البحث، خصوصاً أنها مترابطة في ما بينها، فلا حكومة من دون انتخاب رئيس وإقرار قانون انتخاب بوجود رئيس للجمهورية أفضل من إقراره بغيابه، لذلك الحل المتكامل أفضل».

ولفتت المصادر إلى أنّ «بري سيتابع اتصالاته خلال أيام الخلوة التي ستشهد اجتماعات ثنائية وثلاثية جانبية وسيطرح بري تفعيل العمل الحكومي والانطلاق في معالجة الملفات الوطنية الخلافية لا سيما مراسيم النفط وإقرار الموازنة ومعالجة الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي».

إنجاح الحوار بعدم خروجه عن الثوابت

وترى مصادر في تيار المستقبل في حديثها لـ «البناء» أنّ «الحوار مطلوب وهو الوسيلة الوحيدة لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية اللبنانية، لكن إنجاحه يكمن بأن لا يخرج عن الثوابت الوطنية للدولة اللبنانية والنظام اللبناني أي الطائف والدستور وأي تجاوز لذلك يُعرّض البلد للاهتزاز. الجميع في غنى عنه». وتؤكد المصادر أن «تيار المستقبل سيرفض السلة الكاملة للحل»، وتشدد على أن «النقطة الأساس التي يجب أن ينطلق منها الحل والذي يجب أن تناقش هو انتخاب رئيس للجمهورية والسبيل الى ذلك وباقي الأمور تحل بحسب الدستور». وتؤكد المصادر رفض المستقبل للمقايضة والمحاصصة «لأن المشكلة هي غياب الرئيس واستمرار تعطيل حزب الله وحلفاؤه النصاب بضغط من إيران».

وعن الخيارات البديلة في ما لو فشل الحوار في الاتفاق على رئيس، قالت المصادر: «نحن نلبي دعوات بري للحوار والحل بنزول جميع الأطراف الى المجلس النيابي في 8 آب المقبل وانتخاب رئيس»، وتؤكد المصادر «إيجابية اللقاء بين بري والرئيس سعد الحريري وترى أن تفعيل عمل الحكومة والمجلس النيابي ضرورة في هذه الظروف، لكن المدخل الأساسي للمشكلتين هو انتخاب رئيس، وتشدّد على أن «المستقبل لا يزال متمسكاً بترشيح الوزير سليمان فرنجية ولم يتغيّر شيء حتى الآن».

درباس لـ «البناء»: لا نتوقع تقدماً خارقاً

وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ «البناء» إنّ «رئيس الحكومة تمام سلام وأنا سنحضر الجلسات وسننتظر ماذا سيعرض الرئيس بري على المتحاورين، ولن نستعجل بإبداء أي حكم عليها، لكن في الوقت نفسه لن نتوقع تقدماً خارقاً منها». وينقل درباس عن سلام عدم تفاؤله حيال تعامل الحكومة مع الملفات ولا في نتائج طاولة الحوار، ويرى صعوبة في توصل الأفرقاء لاتفاق على السلة الكاملة التي تحدث عنها الرئيس بري والحل المجزأ ربما يكون أسهل، مستبعداً أي اتفاق على الرئاسة حالياً فالأمر سابق لأوانه، كما يتمنى درباس أن «يخرج الحوار بشبه إجماع حقيقي وجدي على تفعيل العمل الحكومي لا سيما إقرار الموازنة، لكن ذلك غير ممكن في ظل هذه الحالة المشحونة».

لا حلّ في ظل الصراع في المنطقة

وتستبعد مصادر سياسية وديبلوماسية لـ «البناء» إمكان التوصل الى حلّ للخلاف في جلسات الحوار الوطني ولا ترى أيّ تغيير أو تعديل أو تقارب في مواقف الأطراف السياسية، معتبرة أن هذا «دليل على ارتباط الحلّ اللبناني بالحلول في المنطقة وتحديداً بالصراع السعودي الإيراني المستمرّ على مستوى المنطقة، وطالما هو قائم فلا أفق لأيّ حلول داخلية، ولن تقدّم طاولة الحوار أي جديد رغم سعي الرئيس بري الدؤوب والحثيث على إيجاد طاقة للنفاذ منها الى الحلول، لكن الأمر أكبر من الجميع والأطراف الداخلية متموضعة في الأحلاف الإقليمية».

وإذ اعتبر أنّ التطورات في سورية تؤثر على الحل في لبنان لا سيما بالملف الرئاسي، تشدّد المصادر على أنّ «الأثر الحقيقي هو الصراع السعودي – الايراني الذي يمنع انتخاب رئيس».

بروجردي: سنساعد إن طُلب منا

وعشية انعقاد طاولة الحوار والتطورات الإقليمية الساخنة، جال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني علاء الدين بروجردي، الذي وصل بيروت صباح أمس، بين «الخارجية» والضاحية، وأعلن من قصر بسترس أنه «إذا كان هناك من مساعٍ سياسية من شأنها أن تساعد على حلحلة هذا الفراغ السياسي في لبنان، وإذا طلب هذا المسعى منا، فلن نتردّد في القيام به». مضيفاً: «لا نتدخل في شؤون أي دولة، لكننا نعتقد أن النخب السياسية اللبنانية الواعية والمقتدرة والأحزاب والتيارات الفاعلة والمؤثرة في الشأن اللبناني، بإمكانها في نهاية المطاف أن تتفاعل مع بعضها البعض في الاتجاه الذي يوجد المخرج المناسب والملائم لهذا الفراغ الرئاسي».

كما التقى بروجردي رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي أشار الى «اننا عبّرنا عن اعتزازنا بدور إيران وقيادتها المتمثلة بالإمام خامنئي»، وأكد بروجردي أن «بعد 5 سنوات على الأزمة السورية، بدأت المجموعات الارهابية تخسر مما يدل الى صوابية خيارات إيران الاستراتيجية في المنطقة»… وزار المسؤول الإيراني ضريح الشهيد القائد عماد مغنية، على أن يلتقي اليوم تباعاً الرئيسين بري وسلام.

قهوجي: لاستراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب

وأكد قائد الجيش العماد جان قهوجي بمناسبة عيد الجيش بأنّ «المواجهة الفاعلة للإرهاب الذي بات خطراً عالمياً شاملاً، إنّما تتطلّب استراتيجية شاملة، تأخذ بالاعتبار تنسيق الجهود الأمنية الدولية، ونشر الوعي الثقافي بين سائر الشعوب، ومعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية الشائكة، إلا أنّ الجهد الأمني الوطني يبقى أساسياً في تلك المواجهة»، متوجهاً الى العسكريين قائلاً «لن نألو جهداً في سبيل تأمين العتاد والسلاح الذي يليق بتضحياتكم، وإرادتكم الصلبة في مواصلة الحرب على الإرهاب». وتعهّد قهوجي بمواصلة «العمل بكلّ جهد وإصرار لكشف مصير العسكريين المخطوفين وتحريرهم وعودتهم إلى كنف مؤسستهم وأحبائهم».

دورية للجيش تعرّضت لإطلاق نار

أمنياً، تعرضت مراكز الجيش في رأس بعلبك للقصف بقذائف الهاون مصدره مراكز «داعش» في الجرود الشرقية وردّ الجيش بالمدفعية الثقيلة.

كما أعلنت قيادة الجيش في بيان أنه «وأثناء قيام قوة من الجيش بدهم منازل مطلوبين في محلة دار الواسعة – بعلبك، تعرضت لإطلاق نار من قبل مسلحين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فردّت عناصر القوة على مصادر إطلاق النار بالمثل، وتمكّنت من توقيف اثنين من المسلحين اللذين أصيبا بجروح، حيث تم نقلهما إلى أحد مستشفيات المنطقة للمعالجة، فيما تابعت قوى الجيش ملاحقة باقي المسلحين الذين فرّوا باتجاه جرود المنطقة، وأوقفت ثلاثة منهم».

وضبطت قوى الجيش خلال عملية الدهم، كمية من البنادق الحربية والرمانات اليدوية والذخائر والمخدرات، بالإضافة إلى عدد من السيارات غير القانونية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى